لدي الحكام الجدد في الخرطوم العديد من الاوهام التي تعوق ادارتهم للأزمة التي بلغت قمتها في الحراك الثوري الذي اطاح بالبشير و بقي في قمته بما كفي للاطاحة بمن خلفه 'النائب ابنعوف' و يبقي كافيا للاطاحة بمن يخلفهما!
اول تلك الأوهام، اعتقادهم بان اختيار المتظاهرين للتظاهر امام مقر القيادة العامة علي انه تفويض مفتوح لقيادة الجيش العليا لاستلام الحكم و فعل ما يشاءون به! بدأ هذا الوهم واضحا من حديث صريح لقيادات في المجلس الانتقالي! ويلزم القول هنا ان التظاهر امام القيادة و النجاح في الاعتصام هناك كان خطوة في مسيرة من التصعيد الثوري، و هو لا يحمل تفويض لأي جهة بقدر ما هو دعوة للجيش مجتمعا من اعلي 'رانك' القيادة الي احدث جندي للقيام بدورهم الوطني بل و منح الجيش فرصة ﻹثبات ان ولاءه الأول و الأخير للوطن و الشعب و ليس لتنظيمم سياسي 'ايا كان، ديني الهوي او قومي او طائفي او عرقي' و لا لشخص كائنا من كان.
والاطاحة بالبشير لا تكفي وحدها كدليل علي هذا الولاء بل لا بد من قطع الشوط المتبقي و الاستجابة لمطالب الثورة الشعبية التي تشمل ايضا معالجة حالة دولة التمكين و اقامة دولة حكم القانون و بناء مؤسسات الحكم المستقلة و القابلة للحياة و العمل بمعزل عن من يدير البلاد سياسيا.
ثاني تلك الاوهام، الظن بأن اعادة تجربة المشير سوار الذهب في 1985م ( وبالكربون ) تكفي لمعالجة التطورات السياسية في 2019م!
ان تجربة سوار الذهب و ان كانت مذهلة بمعايير زمانها فانها لم تكن حتي بمقاييس عهدها مرضية للكثيرين من ساسة ذلك العهد و كلنا نذكر موقف الحركة الشعبية لتحرير السودان 'الجنوبية' و قائدها جون قرنق ( حينما كان الجنوب و أزمته جزء من معادلة السياسة السودانية ) و كيف انها اعتبرت ما حدث امتدادا لحكم النميري ( مايو 2 ).
و بغض النظر عن اختلافنا او اتفاقنا مع تقييم تلك الحركة و قائدها لما حدث الا اننا لا نستطيع ان ننكر ان تجربة المشير لم تغير شيئا في واقع السياسة السودانية بل جعلت عهد الانتقال ( سنة ) مجرد حلقة وصل بين عهدين و ان التغيير في الحكم لم يسفر عن نتائج مختلفة! بل و يعدها بعض المراقبين التمهيد الحقيقي لوصول الجبهة الاسلامية و البشير للحكم و هي التجربة التي نبحث للوطن سبل التعافي منها!
ولمواجهة هذه الاوهام من المفيد ان يواجه المجلس بعض الحقائق،
اولها، ان يجيب علي سؤال مهم يتعلق بمدي عمق و فداحة الاخطاء التي ارتكبها النظام البائد بحق المؤسسة العسكرية نفسها؛ هل يعرف المجلس ويستطيع ان يحدد حجم الضرر و ماذا ينوي ان يفعل حيالها.
ثاني تلك الحقائق، ما هو دور الجيش في انقلاب الحركة الاسلامية-البشير 30يونيو و ما حجم مشاركته و ما موقفه للتاريخ اليوم مما جري؟! هذا يتطلب اجراء تحقيق عسكري شامل لتحديد المسؤوليات و مكمن الخلل؟ و موقفه من مشاركة مليشيا سياسية في التحرك باسم القوات المسلحة للقيام بانقلاب علي النظام الشرعي و تقويض الدستور؟ و موقفه من مظاهر التجييش المجتمعي و عسكرة القبائل و الأحزاب-الدفاع الشعبي.. الخ؟!
ثالث الحقائق و اهمها طرا، هي هل كان للمجلس العسكري-لجنة النظام الأمنية اي تصور لتصحيح اختلالات النظام البائد الأمنية والسياسية ام ان مجري و تطور الاحداث هو ما اغراها او دفعها دفعا للانقلاب علي 'رأسه'؛ و انحياز الضباط و الجنود الشبان لرصفاءهم الذين صمدوا في الشوارع و تقاطروا بالملايين يوم 6 ابريل و عصيانهم للأوامر الصادرة بفض او غض الطرف عن عمليات فض الاعتصام هو ما اجبر القيادة العليا لتدارك ما يمكن تداركه لمنع النظام من اﻹنهيار كلية!
و هل لديه 'المجلس العسكري' خطة معينة لاعادة بناء مؤسسات الدولة و المجتمع التي خربها النظام 'البائد' وهل لديه تصور لاعادة ترميم المؤسسات العسكرية و النظامية؟! و هل لديه موقف معين من تسيس المؤسسة التي يتبعون لها و تفكيكها؟ و لماذا صمتوا طيلة الفترة الماضية؟!
ام انه يريد ان يحتكر السلطة طيلة المرحلة الانتقالية ثم يبحث عن رؤية ليدير بها البلد بين ركام 'رؤي' الاحزاب المصنوعة في مختبرات المؤتمر الوطني؟!
رابع تلك الحقائق هي؛ ما هو هدف المرحلة او الفترة الانتقالية بالنسبة للمجلس؟ هل هو استمرار الأوضاع القائمة ( ذات الأوضاع التي سادت طيلة فترة النظام البائد )؛ الأوضاع التي كرست لحالة 'دولة' اللاقانون و دولة الافلات من العقاب وانتهاكات الحقوق كافة و حالة اللا مساءلة و اللا حساب و منظومة التمكين و الولاءات السياسية و المحسوبيات الاجتماعية؟! و لماذا السنتين اذن؟! ام انه يشارك الشعب الثائر بكل فصائله ' نساء و شباب و اطفال حتي' قناعاتهم بضرورة اجراء تغيير جوهري؟ و اقامة دولة حكم القانون و دولة المؤسسات القوية و المستقلة و دولة المواطنة و الحقوق و الحريات الاساسية و العامة و الحريات الشخصية، دولة الكفاءة والجدارة لا الولاء؟!
دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...
تعليقات
إرسال تعليق