التخطي إلى المحتوى الرئيسي

انهيار الاقتصاد السوداني.. و ما قد يعنيه!

  طباعة العملة من مختلف الفئات الجديدة و الكبيرة التي تجري الأن لها مخاطر جمة، فهي تتم دون حسابات اقتصادية و نقدية دقيقة حسب اصول علم اقتصاد الدول .. فالعملة 'النقود' في مرحلة مابعد غطاء الذهب تطبع كمياتها بحساب معادلة دقيقة يراعي فيها الكثير من الاعتبارات منها حجم الاقتصاد ومعدلات نمو الناتج المحلي GDP والميزان التجاري للدولة و ميزان مدفوعاتها.. الخ و من ثم تكون النقود نسبة الي حاصل كل تلك المعادلة.
  اما الطباعة عند اللزوم والحاجة و كمسكن للازمات فانه يكون بمثابة سرقة لمدخرات و ممتلكات المواطن بما فيه اصوله الثابتة او المنقولة 'أراضي و عقارات و سيارات و ذهب ..الخ' و سرقة لنقوده المودعة في النظام البنكي او بخزانته الخاصة..
فكل طباعة و ضخ في السوق للنقود يمثل اغراق له يزيد نسبة التضخم ويصل به لمستوي الافلات بحيث يصعب معه تقويم الاصول و السلع و الخدمات بالعملة المحلية ما يلجئ الناس لتقويم اموالهم و خدماتهم بالعملة الصعبة! فالطباعة تمثل سرقة للمدخرات  المسالة نقدا و هذه مفهومة، وسرقة للاصول لأن اي زيادة في حجم الكتلة النقدية تمثل خصم صريح من قيمة الاصول والخدمات. و من الواضح اليوم ان الاقتصاد السوداني قد دخل مرحلة الانفلات الذي يلازم الانهيار الاقتصادي .. فالعملة المحلية فقدت قيمتها بما يزيد عن 50% و لازم ذلك تضخم بنسبة تصل احيانا الي 120% و برغم الاجراء النقدي غير المصرح به و المتمثل في تحجيم السيولة بنسبة كبيرة جدا فان التضخم تواصل و تواصل انهيار سعر العملة المحلية امام العملات الاجنبية.. فقدت البنوك بسبب سياسة تحجيم السيولة قدرتها علي تلبية ابسط طلبيات العملاء و اصبحت خزائنها خاوية تماما و كذلك افرغت خزائن البنك المركزي! هذا الوضع يتطلب اعلان حالة الانهيار الاقتصادي و    تدابيره و اجراءاته الضرورية محليا و دوليا لتلافي حالة افلاس الدولة!! لكن في ظل مكابرة اجهزة الدولة و مراوغتها 'خصوصا وان البلاد بسبب الحصار الاقتصادي و بسبب ضعف تأثيرها اقليميا و دوليا ما يجعلها خارج حسابات الصناديق الدولية و الفاعلين المهمين في سوق المال العالمية' و لجوءها لسياسات و اجراءات اسعافية غير مدروسة 'منها طباعة العملة' سيجعل الوضع اكثر كارثية.. لابد اولا من اعادة تأهيل المنظومة البنكية قانونيا و ماليا لتستعيد ثقة العملاء و المودعين و لتكون قادرة علي لعب دورها في السياسات المالية و النقدية للدولة و لبنكها المركزي.. و من ثم حساب حجم انكماش النقد نتيجة انهيار القيمة لمعرفة المقدار الحقيقي و القانوني الذي يمكن و تجب طباعته و ضخه في الأسواق لتفادي الاختلال؛ و القنوات التي يجب ان يسري فيها هذا النقد لينتج اثره. ازمة اقتصاد السودان راكمتها الانقاذ و تعمدت تعميقها، و حاليا فان وزراء ماليتها و محافظ بنكها المركزي كالسائق الذي يقود شاحنة دون مؤشرات ( دون طبلون حتي ) ! فهناك العديد من المقاييس تم تعطيلها ( معدل البطالة، ومعدل الفائدة..) و هناك اهمال كامل للاحصاءات و ان وجدت يتم توظيفها سياسيا و لو كان ذلك عبر الغش فيها علي حساب اعتبارات الاقتصاد! و اقتصاد بدون مؤشرات يصعب فيه التكهن بمواقيت الازمات و مداها وحجمها .. اللهم الا بعد ان تقع علي ام رأس الجميع، و هذا ما علي وشك الحدوث! فالواضح الأن ان القطاعات الانتاجية الكبيرة قد توقفت تماما، فالزراعة والمشتقات الحيوانية و الغابية و الطاقة و السياحة و الخدمات في ادني مستوياتها بينما تعدين الذهب و الذي دخل حديثا يقترب كذلك من الصفر، خصوصا في ظل نشاط التهريب، فيما النشاط الهامشي 'التجاري' يدور بفعل التأثير او العادة لا اكثر.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...