هناك فروق في شخصيات و ظروف حكم و بلدان بوتفليقة و البشير..
بوتفليقة قاد الجزائر للخروج من دوامة العنف الاهلي و حقبة الدماء و الانتهاكات؛ فيما البشير قاد السودان من حرب لحرب و من ازمة لازمة، عمق حرب الجنوب و حولها لحرب مذهبية مقدسة انتهت لفصل الجنوب واشعل دارفور و جنوب كردفان و النيل الازرق..
الجزائر دولة غنية بالنفط و الغاز و بوتفليقة يدير حكومة تملك فوائض مالية كبيرة و اقتصاد ينمو بمعدلات جيدة و تتحرك في هامش علاقات اقتصادية خارجية جيدة؛ فيما البشير يدير حكومة فقيرة ظلت تطارد وهم النفط و فرطت في اسس الاقتصاد الزراعي و الصناعي القديم و اليوم تعيش علي الاعانات والمساعدات و الهبات و بيع المواقف و في ظل مقاطعة خارجية غربية خصوصا بسبب مواقف البشير السابقة من ملف الارهاب و اوامر توقيف من المحكمة الجنائية الدولية..
فلماذا يستجيب عبدالعزيز بوتفليقة لرغبات شعبه الجزائري و في وسعه المكابرة والانتظار و يمتنع البشير عن الاستجابة للسودانيين بينما السقوط هو افضل و احلي خياراته؟!
الفرق يكمن في طرق التفكير.. بوتفليقة و فريقه يعتمدون تقديرات واقعية عقلانية، و حين رأي نفسه في قلب عاصفة الرفض الجماهيري عرف ان التعنت و الاصرار سيعقد موقفه اكثر و سيكون المخرج في كل ليلة اعقد من سابقتها لذا قرر ان يستسلم قبل تأتي ساعة لا يفيد فيها استسلام.
بينما البشير و فريقه فلا يفكرون و اذا فكروا يفعلون بطريقة غير عقلانية و مفارقة للواقع لذا دوما تقديرات البشير و فريقه خاطئة و عواقبها وخيمة،
و حين وجد البشير نفسه في قلب رمال غضب الشعب المتحركة ظل يكابر و يناور و يظن ان في مقدوره الاستمرار و التقدم، و حتي حينما يتراجع لا يتراجع بغرض الانسحاب ( التخلي عن الحزب الحاكم و تأجيل التعديلات الدستورية.. ) فيعلن الطوارئ و يخول الأمن و القضاء حق ملاحقة المتظاهرين حتي في عقر دار منازلهم! جرب القتل والدهس و التعذيب فلما لم تجدي هاهو يجرب الاحكام القضائية و السجن و الغرامات المالية الباهظة!
البشير و فريق حكمه لا يعتمدون العقل لذا كانت فترة حكمهم عقود من الكوارث و الفساد بتبريرات فجة و كارثية و تصرفاتهم كلها هزلية و مداعاة للسخرية و الكوميديا السوداء و المأساوية!
انهم بهذا النهج يطيلون امد حكومتهم لكن يصعبون في نفس الوقت علي انفسهم مهام الحلول و يغلقون منافذ الخروج القليلة المتبقية في وجه انفسهم!
يوما ما نصب البشير نفسه محلل سباسي دولي و قال ان بشار الأسد لن يتنازل عن الحكم بل سينتهي به الحال مقتولا، و كأني به كان يتحدث عن نفسه!
الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة! تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!! في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...
تعليقات
إرسال تعليق