التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بين الخرطوم و تل ابيب ؟

  اللغط الذي اثاره تصريح نائب رئيس الوزراء المعين حديثا 'عقب حوار الطرشان' لا يستحق  التوقف عنده لأن التصريح بلا قيمة و مطلقه كذلك .. لكن لأن سب اسرائيل في خطابنا السياسي تكسبت منه حكومة الاسلاميين ردحا و كذا سلم المناداة بالتطبيع صعد به نفر من غمار المعارضين و المغامرين من لدن عبد الواحد الي تراجي واخرين . ربما يكون من المفيد التوقف و القاء ضوء علي معادلة العلاقة الصفرية بين تل ابيب والخرطوم.
لم يكن موقف السودان من قيام و تصرفات دولة الكيان اليهودي بدعا او منفردا بل كان ضمن نسيج منظومة الدول الداعمة للتحرر الوطني والمناهضة للاستعمار بكل اشكاله و كانت تلك المنظومة تمتد من اسيا الي اميركا اللاتينية عبر افريقيا وشملت دول ايضا من شرق اوروبا و غربها كذلك؛
ثم كانت في لب هذه المنظومة نواة تشمل كل الدول العربية والاسلامية وكان السودان ولايزال كذلك عضوا اصيلا في هذه النواة..
صحيح ان الزمان ماعاد نفسه ذات الزمان و ان حلف الدول المناهضة للاستعمار والفصل العنصري قد تآكل و اهترأ بعد انهيار جدار برلين و تفكك الكتلة الشرقية و قبلها تفكك عري حلف دول عدم الانحياز تحت وطأة ضربات القطبين، لكن السبب ايضا ان قوي مهمة في المنطقة وقلبها 'فلسطين' كانت حريصة علي ان تقبض علي للقضية بكلتا يديها وان تحتكرها بشعارات اسلامية وتهمش الحلف العالمي !! 
المهم نجحت اسرائيل في فك الطوق العالمي ثم نفذت للطوق الداخلي 'العربي والاسلامي نفسه' بينما نجحت القوي العربية والاسلامية التي احتكرت القضية في تسويق نفسها وان كان ذلك علي حساب قضيتها ذاتها.
وموقف السودان قديما كان متسقا مع محيطه العالمي والاقليمي، كان رافضا للاعتراف او حتي التفاوض مع الاحتلال الصهيوني، اما اسرائيل فلم يكن السودان علي  قائمة اهتمامها و اولوياتها، ثمة حوادث قليلة منها اجتماع رئيس حزب الامة بممثلي اسرائيل بسفارتها بلندن، و طلب جوزيف لاقو قائد الحركة المتمردة الجنوبية 'الانانيا 2' دعما من اسرائيل في حربه ضد حكومة العرب في الخرطوم 'حسب عباراته في لقاء تلفزيوني: قلت للاسرائليين انتم تحاربون العرب وانا احارب عرب في افريقيا اذا عدونا واحد ويجب ان تساعدونا' حينها بعثت اسرائيل فريق من الموساد لتقييم احتياجات حركة الانانيا وقامت بمدهم ببعض المؤن والاسلحة الخفيفة؛ كان ذلك اول ظهور للسودان في الاضابير الرسمية للدولة اليهودية ولم يكونوا قبلها يعرفون شيئا عن السودان!!
في عهد الرئيس نميري تمت بوساطة اميركية عملية تهجير الالاف من يهود اثيوبيا 'الفلاشا' عبر مطار الخرطوم و 'الشوك' بشرق السودان، وهي من اكبر عمليات النقل التي خطط لها الموساد الاسرائيلية وشاركت فيها مخابرات اميركا والسودان 'عملية موسي'، وعلي ما يبدو كان تعنت النظام الاثيوبي الشيوعي حينها و رفضه لتهجير مواطنيه واضطراب الاوضاع في المنطقة بسبب النزاعات و الجفاف دور في جعل الاسرائيليين يضطرون للتنسيق عبر المخابرات الامريكية مع السودان، وبلا شك فان تلك الصفقة احتوت بنود  غير معلنة غالبا ما يكون منها وقف الدعم الاسرائيلي للتمرد الذي اندلع حديثا وقتها ( 1983 ).
واخيرا عند مع تصاعد نبرة المزايدة بالقضية الفلسطينية من قبل حكومة البشير و قبل انفراط حلفها مع محور طهران-دمشق- غزة كانت السلطة ضالعة في تمرير سلاح ايراني عبر الصحراء المصرية الي كتائب حماس ما تسبب في عدة غارات جوية اسرائيلية علي اهداف ثابتة ومتحركة بشرق السودان و المجمع الصناعي العسكري الذي بناه الايرانيون بالخرطوم.
العجيب ان الخرطوم و تل ابيب تتفقان في التكتم عن الاعلان عن تلك الغارات!!! كأنها لم تحدث؟!
موقف الدولة السودانية منذ سيطرة الاسلاميين علي الحكم (القائم علي المزايدة السياسية بالقضية الفلسطينية) قوبل في الجهة الاخري بصعود تيار معارض يزايد بدوره بالتخلي عن دعم القضية الفلسطينية، وهو تيار كان ولا يزال منعزل ويحاول التكسب اعلاميا وسياسيا ليس بالتخلي عن مساندة المطلب العادل للشعب الفلسطيني بل يتجاوزه للاتجاه نحو التطبيع الكامل مع الدولة اليهودية، ولم يكن نائب رئيس الوزراء وزير الاستثمار مبارك المهدي ( سليل الامام المهدي قائد الثورة الدينية ضد الدولة العثمانية في حقبة تحللها) لم يكن السباق الي هذه الدعوة وان كنا نرجو ان يكون الاخير؛ فقد سبقه جوزيف لاقو ( قائد الانانيا ونائب الرئيس نميري) كما سبقت الاشارة و عبد الواحد نور احد قادة فصائل دارفور وعدد من الناشطين والناشطات..
السؤال هو الي اي مدي تعتمد تلك الدعاوي علي منطق او مصلحة مشروعة؟؟ في الواقع لا يصح مقارنة المصلحة بالمبادئ، هذا اولا؛ فوجود مصلحة مع غاصب لا يعني بحال ان دعمه و التطبيع معه هو خيار عقلاني والتخلي عن مساندة المظلوم امر يمكن تبريره!!!
ثم ان معظم دول العالم الثالث التي تحولت عن دعم الفلسطينيين تحت وطأة الضغوط الاسرائيلية المسنودة من اميركا وحليفتها بريطانيا واهم من ذلك ضغط خذلان الدول 'القومجية' و الجماعات الاصولية التي اختطفت القضية  لصالح اجندة تخصها وحدها؛ تلك الدول طبعت مع اسرائيل ولم تجني شيئا يذكر وآخرها كانت دولة جنوب السودان التي تركت تواجه مستقبلا غامض.
ان عداء السودان او بالأصح عنتريات نظام البشير لم يضر الدولة اليهودية في شئ و بالتأكيد فان التطبيع ايضا لن ينفع السودان في شئ.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...