تشهد اثيوبيا حاليا اوقاتا عصيبة بسبب اضطرابات إثنية و دينية تتمثل في احتجاجات ومظاهرات سلمية اندلعت في ديسمبر من العام الماضي وتجددت في اغسطس وسبتمبر من هذا العام في اديس اببا العاصمة و عدد من مدن اقاليم الارومو والامهرا، واشتباكات مسلحة في مناطق حدودية خصوصا الغربية منها ( المتاخمة للسودان).
تمثل هذه الاضطرابات هزة ثانية لمنطقة الاخدود الافريقي بعد عقدين من الاستقرار السياسي والرخاء الاقتصادي اعقباء سنوات الثمانينيات العصيبة والتي عانت فيها اثيوبية من عسف العهد الماركسي بقيادة الجنرال مانغستو هيلا مريام، وعانت فيها من موجات جفاف و مجاعات ثم انتهت الي حروب اهلية وثورات مسلحة علي الحكومة المركزية ما اسفر عنه انهيار اثيوبيا الكبري (تشمل اثيوبيا ودولة اريتريا)، وامتدت توابع تلك الهزة لتشمل انهيار السودان القديم (يشمل جمهورية السودان وجمهورية جنوب السودان) و تفكك الدولة الصومالية وما نتج عنه من تفشي الارهاب الاصولي في القرن الافريقي (الارهاب الاصولي الاسود) و بروز ظاهرة القرصنة البحرية من جديد بعد ان كانت من ظواهر القرون الوسطي!! كما امتدت اثاره الي كينيا التي شهدت هزات سياسية عنيفة.
سيقول مؤرخي الاسطح و مراقبي ظواهر الاحوال ان سبب اضطرابات اثيوبيا هو الصراع حول الارض نتيجة النمو الاقتصادي الكبير الذي شهدته اثيوبيا والحاجة الي الي انشاء امتدادات جديدة للعاصمة التي تقع علي اطراف اقليم الارومو (اكبر قوميات اثيوبيا) ورفض الارومو لتمدد العاصمة علي حساب اراضيهم.
لكن بطبيعة الحال ليس هذا هو السبب الحقيقي بقدر كونه القطرة التي افاضت كأس احتمال الاثيوبيين (من مختلف العرقيات) لسياسات الدولة، فاثيوبيا التي عانت في السابق من اهمال السلطات ومن قسوة الطبيعة؛ كانت بحاجة لوقت مستقطع تلتقط فيه انفاسها، لذا احتمل الاثيوبيون كل اخطاء حكومة الثوار و تخبطاتها، فيما راح الاخيرون يبالغون في تضخيم (انجازاتهم التنموية والاقتصادية) والتي كانت قمتها سد النهضة الذي وضع اثيوبيا في مركز مناظير القوي الاقليمية (خصوصا مصر) والدولية واضحت هدفا لتدخلات تلك القوي.
وهاهي الايام تثبت ان الدولة الاثيوبية لم تكن في وضع ملائم لمواجهة مثل هذا الوضع وهذه التدخلات.. فالجبهة الداخلية فيها لا تزال تعاني التصدعات العرقية والدينية القديمة، وان التطور الاقتصادي والنمو لم يكن بقدر التضحيات والصبر الذي قاساه المواطن؛ ثم ان الرفاه وحده لا يكفي في هذا العصر اذ لابد ان يواكبه رفاه سياسي و اجتمعاي وحريات دينية وثقافية….
بينما راحت حكومات ما بعد العهد الشيوعي تكرس لسيطرة اقلية، و تضع كل المقدرات الحكومية (الامنية والبروقراطية) في يد تلك الاقلية (قومية التقراي)، اذ جعلت هدفها الرئيسي هو انهاء سيطرة الامهرا علي مفاصل الدولة وتحطيم اسطورة ان الامهرة هي قومية الاباطرة الملوك والرؤساء؛ بدلا عن جعل هدفها هو تحقيق العدالة في المشاركة السياسية والاقتصادية بلا اقصاء او محاباة، و برحيل ملس زيناوي (قائد الثورة ضد الحكم الشيوعي و أول رئيس وزراء بعد الثورة) تكشف للجميع ان احلام الثورة قد تناثرت علي ضخور الهضبة الصلبة.. وان محاولات خلفه (هيلا مريام ديسالين) لا تعدو كونها محاولات لجمع نثار فسيفساء المجموع الاثيوبي..
لقد كان لعنت ثمانينات القرن الماضي و لهزة التسعينات العنيفة آثار وخيمة علي المنطقة كما تقدم، و بالمقابل فان للإضطرابات الحالية نذرها والت يتشير بالمجمل الي ان المنطقة مقبلة علي هزة غالبا ما تنتج عنها دويلات جديدة تخرج معظمها من جسد الاراضي الاثيوبيا الحبلي بالقوميات سيما في اقليم اوغادين ذو الغالبية الصومالية واقليم الارومو ذو الغالبية المسلمة واقليم الامهرا الحكام التاريخيين لاثيوبيا ، و كرصيفتها (الهزة الاولي) فان الهزة الثانية لن تقف اثارها عند حدود الاراضي الاثيوبيا أو الاخدود الافريقي العظيم بل غالبا ما تتجاوزه عابرة الي قلب القارة او الي اسيا عبر اخر بحار العالم تشكلا (البحر الاحمر).
تعليقات
إرسال تعليق