في تصاعد درامي للاحداث انقلب الموقف الرسمي السوداني (خصوصا في بعده العسكري) من مقرب لدولة الأمارات العربية المتحدة الي معادي لها و ان لم يكن ذلك بشكل صريح انما عبر خلق رأي عام او اثارة ذلك الرأي العام..
حدث ذلك عقب ما تداولته الاوساط عن وساطة اماراتية بخصوص اراضي الفشقة المتنازع عليها بين السودان و جارته اثيوبيا، و تناقلت تلك الاوساط ما مفاده ان الامارات عرضت مقابل مالي للسودان مقابل تراجع قواته و جعل المنطقة ارض استثمار اماراتية، و علي غرابة العرض اذ لا نظير له في العلاقات بين الدول فانه كذلك لا يصلح اساس لتباعد بين البلدين خصوصاً في ظل تقارب اعقب سنوات من القطيعة اعقبت موقف السودان من محنة اجتياح قوات صدام حسين للكويت؛ بدأ التقارب من ايام مشاركة السودان في حلف الحزم و اشتراك قوات سودانية "حاكمة و معارضة" في تنفيذ رؤية اماراتية "خليجية" في عدة اقاليم بينها ليبيا... ثم ازداد التقارب عقب الاطاحة بنظام البشير "المدعوم اخوانياً" و شمل عدة احزاب و قوي سياسية!
اللافت انه و مع تباعد الموقف بين الامارات و شق من الموقف الرسمي فان التقارب لا يزال فعالا فيما يتعلق بفصيل "الدعم السريع"!
فهل اختارت الامارات عمداً موقفها من ازمة الفشقة كما اختارت عمداً التباعد في هذه المرحلة من فصيل دون الآخر لغاية تعلمها، ام ان هذا تطور لم يكن محسوب العواقب؟!
في ظني ان الامارات اختارت هذه المقاربة لغاية محددة بدقة و هي تبرير التقارب السوداني المصري، فمصر تجيد لعب دور الوكيل في السودان و بامكانها ضمان مصلحة الامارات و غير الامارات! و في هذه المرحلة فان امن مصر و مصالحها (و امن و مصالح النظام المصري) من صميم امن و مصالح الامارات و نظامها!
اذاً فمصر تستغل الازمة التي افتعلتها الأمارات و يقوي نفوذها في السودان فيما تنسحب الأمارات انسحاباً مدروساً و مخططاً له بعناية بحيث تضمن ان مصالحها في السودان ستضمن مصر تحقيقها..
ربما يكون السؤال الأهم ما هي مصالح مصر في السودان و ما هي مصالح الأمارات التي سترعاها مصر؟!
ان مصالح مصر و الأمارات بل و مصالح كل الدول العربية في السودان لا ترقي لمستوي ان تتم مناقشتها او بحث ضمانات لها؟ فاقتصاديا لا ترقي الاستثمارات الاقتصادية العربية السودان لمثيلاتها في بعض دول جوار السودان كاثيوبيا مثلاً!
لكن لتلك الدول مصالح سياسية متوهمة أو مدعاة "و ان كانت لا تتم مناقشتها بوضوح و صراحة" و تتمثل في ضمان وضع السودان في سياق انظمة المنطقة القابضة! و بحيث لا يكون في السودان نظام سياسي نشاز يؤسس لتغيير في المنطقة!
الانظمة العربية نصبت من نفسها راعية و حامية للأنظمة القابضة ليس في الاقليم و حسب بل في العالم كذلك! تلك الانظمة تعتبر كل تغيير سياسي يحدث في أي ركن من اركان المعمورة مهدد مباشر لها! و كأنها لا تريد أي تغيير لا يحدث نتيجة للموت "موت الزعيم" علي طريقة "مات الملك .. عاش الملك"! هل مصادفة ان بوكاسا و عيدي امين و زين العابدين بن علي و و قضوا فترة تقاعدهم بعد الاطاحة بأنظمتهم في المملكة السعودية و ان موبوتو سيسي سيكو قضاها في المملكة المغاربية!؟ و ان شاه ايران استضافته مصر؟ أ ليست تلك رسائل تطمين ترسلها تلك الانظمة لكل حلفائها بأن شددوا قبضتكم فنحن لا ننسي اصدقاءنا؟!
تلك الأنظمة كأنها تقول انها لن تقبل بتغيير روتيني و سلمي و نقل و تداول سلس "و راتب" للسلطة في المنطقة..
و لأنها انظمة مستقرة "مالياً" فهي توظف مواردها لصالح زعزعة انظمة الحكم الرشيد الديمقراطي و تأييد و دعم الانظمة القابضة و المتسلطة!! و السودان خاضع لتلك الشروط!
اذاً الامارات "و كل دول الخليج، كلها بما فيها قطر" تتشارك هذا الموقف من السودان و تسعي للوصول لنفس النتيجة انما فقط قد يكون ذلك من منطلقات مختلفة! فقطر مثلاً تسعي لزعزة انظمة الحكم الرشيد و زعزعة انظمة تداول السلطة عبر دعم تيارات الاسلام السياسي لاقامة "اوتوقراطيات" دينية و انظمة قابضة بوليسية بمرجعية اسلامية، فيما تسعي الامارات و السعودية لاقامة اوتوقراطيات بمرجعيات متنوعة!!
عليه فان الامارات قد تكون انسحبت او قللت تاثير دورها في السودان لصالح تقوية النفوذ المصري و الذي يخدم ذات الغاية.
✍ ١١ سبتمبر ٢٠٢١م
تعليقات
إرسال تعليق