التخطي إلى المحتوى الرئيسي

خزعبلة الجيش الذي عمره مائة عام

 مائة عام من الانقلابات .. و الحروب الداخلية !!

جيش عمره مائة عام، جيش هو اقدم مؤسسات الدولة؟ هذه الجملة التي استخدمت منذ اندلاع القتال كدعاية سياسية مؤيدة للحرب و للعنف .. يبدو ان الكل صدقها و أولهم مطلقيها!!
الجميع اضحي يستخدمها اليوم بما فيهم المبعوثين و الدبلوماسيين الدوليين بما فيهم المبعوث الاميركي !!
قد نجد بعض العذر للأجنبي طالما انه وجد "الجملة" تتردد و كانها من مسلمات التاريخ السوداني و السياسة في السودان، لكن ما هو العذر لساسة بنوا تاريخهم السياسي و تحربتهم كلها علي مقاتلة و مناجزة ذلك الجيش صاحب المائة العام و التاريخ المجيد، ابتداءاً من "مالك عقار - نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي /المعين و الانقلابي" و الذي صعد الي هذا المنصب الرفيع بفضل هذه الحرب، ثم الوزير جبريل ابراهيم وزير المالية الذي كانت رافعته كذلك هذه الحرب و قبلها اتفاق جوبا و كل ذلك ما كان ليكون لولا ثورة و تضحيات الشباب السلمي .. و كذلك منى اركو مناوي "حاكم دارفور"، و طمبور و اردول و التوم هجو و عسكوري .. الي آخر قائمة المتمردين السابقين الطويلة!
كل هؤلاء تنكروا لتاريخهم و اصبحوا ضمن فريق تشجيع الجيش/المؤسسة/ الذي لا يهزم و لا يُقهر مطلقاً و الذي عمره مائة عام!!
هل ما نحن فيه اليوم من وعثاء و ضنك الا جراء سياسات و نهج ذلك الجيش الذي عمره مائة عام؟
أ ليست تلك المؤسسة لم يعد لها من سمات المؤسسة الا صفة تستخدم في غير مكانها؟ و بغير وجه حق؟
اذ لا هي مؤسسة و لا هي قومية؟ فقد اصبحت بخضوعها لسياسات حاكم فرد (نميري و البشير ثم اخيراً البرهان) و خضوعها لتيار سياسي (الاتحاد الاشتراكي ثم الحركة الاسلامية) كيان هش متهم بالانحيازات السياسية ثم الجهوية و العرقية و الدينية مع الاسف؟ و كيان قابل للاخضاع و الاستخدام و التوظيف لاغراض عكس التي أسس لأجلها !!
ثم أ ليس ذلك الجيش الذي عمره مائة عام أسس ابتداءاً لخدمة المستعمر؟ في الوقت الذي كانت تسمي فيه (قوة دفاع السودان) و ان هذه القوة لم يكن لها دور يذكر في نضال السودانيين ضد الاستعمار؟ اللهم الا محاولة وحيدة (ثورة ١٩٢٤م) و هي تمرد عسكري مسنود من جهة مدنية (جمعية اللواء الابيض و جماعة الاتحاد السوداني) و هو تمرد ام يكن لغرض وطني صرف انما كان مجرد انحياز لأحدي القوتين الاستعماريتين؟! بل و انحياز لصالح الطرف الاضعف ما أدي لوأد المشروع الوطني في مهده؟!

ثم، كيف يكون الجيش هو اقدم مؤسسات الدولة و ذات الادارة الاستعمارية التي أسسته هي التي أسست سائر المؤسسات التي ورثناها عنه؟
و حتي بعد خروج المستعمر في ظل ظروف دولية شجعت علي انهاء ظاهرة الاستعمار و بعد نضال سياسي و مدني .. فان تحويل تلك المؤسسة من خادمة للسياسات الحكم الاستعماري محلياً و اقليمياً و دولياً (الحرب العالمية الثانية) فان هذه العملية توقفت عند اجراء السودنة (أي تولي ضباط سودانيين تاهلوا و تدربوا و خدموا في ظل نهج استعماري المسؤولية التي كانت منوطة بقادتهم الانجليز)؟ و لم يتم اطلاقاً سودنة عقيدة هذا الجيش و نظام عمله و لم تتم سودنة دوره و واجبه و لذا تحول من جيش يخدم سياسات سادته المستعمرين الي طغمة متنفذة تعمل لحساب فئة محددة (هي فئة كبار الضباط و القادة ذوي العقلية الاستعمارية و من خلفوهم بذات العقلية) و طغمة قابلة للخدمة لصالح اي مشروع استبدادي داخلي او خارجي كذلك؟ و قوة لا شغل لها الا اشعال الحروب الداخلية (الاهلية) تمهيداً لتنفيذ انقلابات سياسية للاستئثار بالسلطة؛ او تنفيذ الانقلابات ابتداءاً ثم دعم تلك الانقلابات باشعال الحروب الاهلية؟!!
ان الحديث عن تاريخ و عمر هذا الجيش يقتضي قبل كل شئ الحديث عن مسؤوليته عن كل التجاوزات و الخروقات (القانونية و الدستورية و خروقات القانون الدولي) منذ حرب الجنوب من ١٩٥٥م و الي ٢٠٠٥م و دوره في انقسام الجنوب و دوره في جرائم دارفور و المناطق الثلاث (جنوب كردفان/جبال النوبة و النيل الازرق و أبيي).
و الحديث كذلك عن مسؤليته في تخليق مليشيات غير شرعية ارتكبت فظاعات و المليشيا التي يقاتلها اليوم (الدعم السريع) ليست اولاها و لا آخرها !!
ان محصلة تمحيص تاك الجملة هي اننا ازاء تاريخ جيش عمره مائة عام من الحروب ضد المدنيين و العزل، و مائة عام من التقتيل و التصفيات و التعذيب و الابادة، مائة عام من الانقلابات، و الاستبداد و الفساد و العمالة و التخابر و تنفيذ الاجندة الاجنبية! 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...