التخطي إلى المحتوى الرئيسي

اصلاح المنظومة التعليمية في السودان

  ضمن ما ورث الوطن و ورثت الحكومة الانتقالية عن سلطة البشير و حلفاءه من الاسلامويين و نهازي الفرص من كل حدب و صوب و لون، و رثت "ارث الندم و تركة الفشل" منظومة تعليمية بالية و عقيمة لا تفيد متعلم و لا معلم! بل تهدر وقتهم و تهدر الموارد و في النهاية يتخرج "منتج" ضعيف غير قادر علي المنافسة في سوق العمل، بل و غير قادر علي الاستفادة من كم البيانات التي تم حشوها في مخيخه! 

لست مختصاً بالتعليم لكن من خلال ما توفر لي من معرفة عامة فان اشكالات التعليم قسم كبير منها يتعلق بالسياسات العامة و قسم اكبر بسياسات التعليم.

لذا لن اخوض فيما يتعلق بالمناهج و المقررات و ما ينبغي ان تكون عليه و ما يجب ان يحذف و ما ينبغي ان يضاف..

و لن اتحدث عن السلم التعليمي فما يهم عامة الناس "أمثالي" ان يكون سلم التعليم العام متوافق مع المعايير العالمية "اثنتي عشر سنة" حتي لا يضار من يرغب في مواصلة تعليمه في اي مكان في العالم، عليه ننتظر اعادة السنة المنقوصة باسرع فرصة، سواء كان ذلك بجعل الاساس تسع سنوات او الثانوي العالي اربعة فصول دراسية.

لذا سأحصر مقالتي في ثلاثة مواضيع رئيسية هي :"الكادر التعليمي و تأهيله، التعليم الخاص، المدارس و التعليم الفني"

اولاً: الكادر التعليمي "الكادر الوظيفي"

ان احدي اكبر الاختلالات التي وقع فيها نظام البشير "و الاسلامويين" هو محاولة التوسع في تأهيل كادر التعليم لكن دون تروي و دون وعي! فكانت المحصلة ان حصلنا علي عدد مهول من المعلمين حاصلين علي شهادات عليا متخصصة أقلها بكالريوس التربية الجامعي، لكن في الواقع هم دون تأهيل معلمي معاهد اعداد المعلمين السابقة "دبلوم التعليم" و دون تأهيل معاهد التربية!

فعلاوة علي تدني مستوي كليات التربية، فان طبيعة عمل كادر التعليم العام لا يستدعي تخصص بكالريوس التربية، خصوصا كادر التعليم الاساسي، اذ يكفي الحصول علي اي تخصص جامعي أو ثانوي اضافة لكورسات أو دبلوم التربية من معهد اعداد معلمين "و تلك المعاهد بدلاً عن تحويلها لكليات تربية كان يكفي ان يتم تطويرها لتستوعب مهمة تأهيل المعلمين من التحاقهم بأدني السلم الوظيفي و حتي اعلاه"..

كليات التربية ليس من مهامها اعداد و تخريج المعلمين بل اعداد الكادر عالي التخصص المسؤول من ادارة العملية التربوية و التعليمية، و التقرير في شأن المقررات و المناهج و السلم التعليمي و اعداد و تبني نظريات التعليم و ادواته و وسائله و معيناته، أما تنفيذ تلك المناهج و المقررات فيمكن لأي شخص من اي تخصص كان "علوم، اداب،..الخ" مع دورات تربية قصيرة ان يؤدي وظيفة المعلم..

إذاً علي كليات التربية تقليص القبول الي ادني حد ممكن حتي تتمكن من تخريج كادر مؤهل قادر علي التخطيط و ادارة العملية التربوية و التعليمية.

كما علي وزارة التربية إعادة تأسيس و تأهيل معاهد المعلمين و تطوير مناهجها و برامجها و دوراتها لتأدية مهامها في مرحلة انتشال التعليم من الواقع الذي تردي فيه، و القيام بواحبها حيال تأهيل كادرها مهنياً و فنياً.

ثانياً: التعليم الخاص

احد مظاهر انهيار التعليم في السودان كان تقدم "بعض" المدارس الخاصة علي المدارس الحكومية، و تفشي ثقافة تفضل التعليم الخاص جملةً علي التعليم و المدارس الحكومية!

هذا التصوير زائف، و لن يزول زيفه مالم يتم الزام المدارس الخاصة بمعايير لا تقل عن معايير التعليم الحكومي ابتداء من البنية الرئيسية و بيئة المدرسة و كادرها الفني والاداري، اذ يجب الزام المدارس الخاصة بان تقوم علي مبني مخصص لمؤسسة تعليمية و ليس مجرد "بيت إيجار" اذ يشترط ان تقوم المدرسة علي مساحة كافية "لا تقل عن 1000 متر مربع أو 800 متر مربع علي الاقل" و مباني كافية و ان تكون مستقلة عن المباني الاخري او بجار ملاصق واحد علي اكثر تقدير و ان يكون المبني ملك المدرسة أو بعقد إيجار لعشر سنوات علي اقل تقدير، و بفريق العمل مكتمل و مؤهل بتعاقد موثق و معتمد من الوزارة.ح. مع الالتزم بحد ادني من المقررات و المناهج الوطنية و حد اعلي من المناهج الدولية و الاجنبية.

ثالثاً: التعليم الفني و المهاري

انهيار التعليم بدأت تتجلي مظاهره في مدارس و ادارات المساقات الفنية! فالمدارس الثانوية التي كانت تمنح شهادة ثانوية تعادل الدبلوم الوسيط في العلوم الزراعية و التجارية اندثرت تماماً، و تبقت فقط المدارس الصناعية و التي تنازع الأن، و كي يعود للتعليم الفني بريقه نحتاج لأن تتبني الدولة في اعلي هرمها و تتبني وزارة التعليم سياسيات و استراتيجيات واضحة و حازمة لجهة دعم التعليم الفني..

تلك الاستراتيجية نقترح و نتمني ان تهتم و تضمن زيادة الجرعات الاكاديمية في المساق الفني بحيث تحفظ لطلاب المساق فرص واسعة في المنافسة في التعليم الجامعي، كما تضمن ادخال جرعات فنية في التعليم الاكاديمي، بحيث يتم ربط ماهو علمي بما هو عملي، و بحيث نضمن ان خريج المدرسة الثانوية يملك مبادئ حرفية و مهارية تعينه في حال انسداد افق التعليم العالي في وجهه.. فيما يمكن أن تطلق عليه "المدرسة الشاملة" اي التي تضمن جرعات اكاديمية و فنية.

كما نقترح ان يتم الزام كل ولاية "مديرية/محافظة/ معتمدية"، حسب التقسيم الذي يتم تبنيه لاحقاً لنظام الحكم الفيدرالي و المحلي، بأن تأسس و تشرف علي ادارة و تسير مدرسة فنية تحت متابعة الحكومة الاتحادية يستلهم في ذلك ارث المدارس القومية العريق.. 

كما نقترح ان تزيد وزارة التعليم درجة تعاونها و تنسيقها مع وزارة العمل لترقية و ترفيع مراكز و معاهد التدريب المهني و التلمذة الصناعية بحيث تتم معادلة شهاداتها بشهادات وزارة التعليم.

كذلك تجربة مجالس الاباء و "الامهات" بالمدارس الحكومية و الخاصة ايضاً، فهي لعبت دور مهم فيما مضي و قدمت خدمات جليلة خصوصاً للتعليم الحكومي، كما ان تلك المجالس تمثل حلقة وصل تعليمية مهمة و قناة لقياس كفاءة و جودة التعليم نسبة للارتباط الوثيق بطبيعة الحال بين الأسر و ابناءها، هذه المجالس يجب توسيعها للتشكل مجالس اباء بالمحليات و بالولاية كذلك حتي يتعاظم دورها، و يمكن ان تسجل كهيئة طوعية .. 

مارس ٢٠٢١م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...