بالنسبة للكيزان وجود الحزب الشيوعي و الشيوعيين في الساحة السودانية مهم للغاية بل هو مسألة وجودية لهم! لأن نشأة الإسلام السياسي في السودان؛ و مصر حتي، ارتبطت بالتنافس مع الشيوعيين و أصبحت شرعية وجود الاخوان تعتمد علي وجود الشيوعيين، و إذا انتفي وجود الحزب الشيوعي يصبح وجود الكوز مهدد و في خطر..
و لا تقف المسألة عند مجرد التنافس التاريخي بل تكوين الاخوان و تمتعهم بالدعم الاقليمي ارتبط منذ النشأة بالغرب الرأسمالي و تحديداً بالمخابرات البريطانية و استفادوا من امتيازات الحرب الباردة طيلة نصف قرن "منذ أيام حلف بغداد" و حتي التدخل السوفيتي في افغانستان..
لذا عندما اضحي وجود الشيوعيين مُهدد (منذ ١٩٩٠م) بعد سقوط و تفكك انظمة المعسكر الشرقي و تداعي حلف وأرسوا فإن اخوان السودان الذين بلغوا مرحلة الحكم لأول مرة في تاريخهم حرصوا أشد الحرص علي أن يبقي الشيوعيين حاضرين في المشهد و لو بصورة رمزية و شكلية إذ كما تقدم بدون وجود الشيوعيين يصبح وجود الإخوان أنفسهم بلا مبرر و لا داعي!
كان الإخوان يعزون كل كارثة أو أزمة سياسية أو أمنية لتدبير الشيوعيين رغم أن الأخيرين كانوا بلا حول و لا قوة!
اليوم و حتي بعد سقوط نظامهم يعزي الإخوان كل ما تم الي تدبير الشيوعيين و يزعمون أن الحكومة الانتقالية يقودها الحزب الشيوعي و يسيطر عليها، و أن قوي اعلان الحرية و التغيير واجهة لهم، و تجمع المهنيين حيلة من حيلهم، و لجان المقاومة من اختراعهم!
بالمقابل و رغم أن الحزب الشيوعي كان الطرف الضعيف في لعبة الشرعية تلك و الصيغة الوجودية آنفة الذكر الا أنهم كذلك لا يستغنون عن وجود الإخوان "الكيزان"، و كأن هناك اتفاق غير مكتوب بينهم علي أهمية كل طرف للآخر، و استحضار كل منهما الآخر! هذا النوع من الاتفاقات التي لا تحتاج لأن تكتب لأنها بين طرفين "محترمين" تسمي عند الفرنجة باتفاق الجنتلمان، أما حين يكون الاتفاق غير المكتوب بين طرفين لا يحظيان باحترام فيمكننا ان نسميها Non-gentleman deal ..
فرغم أنه كان جلياً أن الحركة الإسلامية الإخوانية كانت قد تلاشت بفعل نظام البشير نفسه، و تحولت من كيان عقائدي و تنظيم سياسي له شعارات براقة و جاذبة الي تحالف سلطوي مع مجموعة عسكرية و أمنية لا اكثر، إلا أن الشيوعي لن يقر بذلك!
و رغم سقوط نظام الإخوان فإن الشيوعيين ظلوا و سيظلون يرددون عبارة "لم تسقط بعد" و "تسقط تالت" و "تسقط لااامن تظبط"!! و يستمرون في نسبة أي فشل و إخفاق و مصاعب تواجه السلطة الانتقالية لتدبير الكيزان!
لا أريد هنا أن انفي أي وجود أو تأثير للإخوان و الكيزان في المشهد "خصوصاً الاقتصادي" فهذا غير منطقي لأنهم استفادوا من ميزة انفرادهم بالساحة لثلاثة عقود، لكن عملياً لا أمل لهم في أي وجود سياسي مؤثر مستقبلاً فهذه مرحلة انتهت و بأيديهم قبل ايادي شباب الثورة..
و حتي تأثيرهم الاقتصادي لا يعود إلي خطة تنظيمية أو برنامج موضوع و متفق عليه إنما هو استمرار لنهج تم تعميمه و تبناه الكثير من الناس حتي اضحي life style لفئة عريضة تقدس الثراء السريع و السهل حتي و لو كان عبر طرق فاسدة و مدمرة للمجتمع و للوطن ..
تراجع تأثير الإخوان في المشهد الاقتصادي هو مسألة وقت لا اكثر لأن ثروتهم اعتمدت علي قربهم من السلطة و صلتهم بالخزانة العامة و لن تستمر طويلاً في الحياة بعد قطع حبالها السرية .. هذا يتطلب عمل واعي و مدروس لإعادة الحياة الاقتصادية الي وضعها الطبيعي من حيث المنافسة العادلة و الشريفة و تبني قيم و قواعد الاقتصاد الحر و ليست قيم اقتصاد الدولة القابضة و الحزب الواحد بالوجه العمالي "البروليتاري" هذه المرة حتي لا نستبدل تمكين بتمكين و فساد بفساد!!
* ديسمبر ٢٠٢٠م
تعليقات
إرسال تعليق