كثير منا يركز علي دور مصر و الامارات و السعودية بخصوص ما يدور في الخرطوم. و المجتهد منا يبحث في دور اريتريا و رئيسها اسياس افورقي و دور الرئيس التشادي محمد ديبي و قبله ديبي الأب!
لكن كلنا نغفل عن دور سلفا كير رئيس جمهورية جنوب السودان الجار الجنوبي و المنقسم عن السودان..
سلفاكير بيده الأن اكثر من نصف كروت اللعبة السياسية التي تدور في السودان اليوم، فكل قادة الفصائل المسلحة لديهم ارتباطات سياسية و عسكرية و مالية بجوبا، و كل الفصائل لها قواعد امداد و معسكرات تدريب و مقرات قيادة في الجنوب ..
و حكومة جنوب السودان قادرة بما لها من فوائض ناتجة عن عقود بيع النفط و عقود استثماراته علي الصرف علي تدخلاتها في السودان.
كل الفصائل التي التحقت بالحكم بعد الاطاحة بالبشير فعلت ذلك بتأثير مباشر من "الرفيق الكبير" و معلم الكفاح سلفا كير، و الاتفاق الذي قادها للسلطة في الشمال ابرم في "جوبا" عاصمة الجنوب و ليس في عاصمة أخري..
و زيارات مستشار سلفا "الأمني" للخرطوم تتكرر كل اسبوع تقريباً و يلتقي كل الفاعلين فيها..
رمي سلفا باغلب كروته في عملية "سلام جوبا" لكنه احتفظ بكرت "الجوكر" اي القائد عبدالعزيز الحلو؛ مع انه بطبيعة الحال كان بإمكان سلفا ان يمارس تأثير علي الحلو اضعاف ما يمكن ان يمارسه علي حركات دارفور بحكم الوحدة التنظيمة السابقة "الحركة الشعبية الأم SPLM/A" لكن سلفا آثر "بحكم طبيعته الاستخبارية المتشككة" ان يحتفظ به تحسباً لتقلبات المستقبل و لخلط الاوراق المحتمل..
سلفا بني علاقات مع كل الفصائل المسلحة في الشمال ليناور بها الخرطوم التي لها اتصالات و تنسيق مع حلفاءها في الجنوب "مشار و لام اكول و الاخرين".. كان هذا في عهد البشير و المؤتمر الوطني..
اميركا نفسها و بعد ان احرجت بسبب انهيار مشروعها السياسي في الجنوب توصلت الي ان مفاتيح اللعبة السياسية الجنوبية لدي الخرطوم وحدها (حكومة البشير) فابرمت معه صفقة رفع العقوبات مقابل المساعدة علي تسوية الازمة الجنوبية و فتح ممرات انسانية من بورتسودان و الخرطوم الي مناطق الحرب في جبال النوبة و المناطق الشمالية المتاخمة للسودان، و بسقوط النظام قبل اتمام العملية انهارات الصفقة و كان من المحتمل ان لا تفي اميركا بتعهدها للخرطوم مثلما لم تفي بتعهدها السابق (فصل الجنوب مقابل رفع العقوبات و اعفاء الديون).
الاحتفاظ ببعض الكروت بعد سقوط حكومة المؤتمر الوطني مناورة ذكية للغاية من "كومرت سلفا" تحسباً لأن تعود الحكومة الجديدة لذات نهج البشير و المؤتمر الوطني مع الجنوب.. و هو امر محتمل جداً، فقد عادت فعلاً لنهجهما داخلياً في الشمال!
بعد سقوط البشير سلمت اللجنة الأمنية سريعاً كل كروتها لحكومة جوبا و ضغطت علي كل حلفاءها لينخرطوا في الحوار و في العملية السياسية السلمية و لم يبقي في يدها شئ، بينما في المقابل احتفظ سلفا بأهم كروته في الشمال!!
و من الواضح ان اللجنة الأمنية افتقرت الي الحنكة السياسية و الأمنية، و كانت واقعة تحت ضغط خسائرها الفادحة سياسياً في الداخل و دبلوماسياً علي المستوي الدولي خصوصاً بعد فض الاعتصام و ارادت ان تعوض تلك الخسارة باسرع وقت عبر ابرام اتفاق سلام لتقول عبره انها تنفذ اهداف الثورة و التغيير.. لكنها خسرت كروتها الامنية و لم تربح الا سلاما جزئي و منقوص.
اليوم و بعد انقلابها "اللجنة الأمنية" الذي نفذته في ٢٥ اكتوبر تعاظمت خسائرها و لم تعد تملك اريحية البحث عن تتمة السلام الناقص في جوبا فيما سلفا يماطل شركاءه في الجنوب و يترقب تطورات الشمال و هو محتفظ بهدوء اعصابه فهو متقدم علي الجميع بعدة خطوات.
فإن سيطر العسكر علي الشمال و عادوا لسيرتهم في دعم عدم الاستقرار بالجنوب؛ تمكن هو من مجاراتهم بكرت الحلو، و ان تمكنت القوي الديمقراطية من انجاز انتقال سياسي مدني و التزموا بعد التدخل في شؤون الجار الجنوبي فله مطلق الخيار بين القاء كرت "الجوكر" او الاحتفاظ به بغرض التهديد و التلويح او حتي نسف الانتقال الديمقراطي المدني، بينما يتفرغ هو للتصرف بشأن مناوئيه في الجنوب الذين يكونا قد اضحوا تحت رحمته بالكامل! اعطاء الكومرت سلفا حقه من الأهمية و الالمام بتأثيره قد يساعد علي احراز تقدم في عملية الانتقال المتعسرة في الخرطوم حالياً.
٢٧ يونيو ٢٠٢٣م
تعليقات
إرسال تعليق