كتير من الريسين الكبيرة مفتكرين (ادارة اهلية و حكم اهلي هي مقابل ادارة رسمية و حكم رسمي) و الزعيم الأهلي هو نظير الزعيم "الرسمي"..
الحكم المحلي
الادارة الاهلية بالنسبة للمستعمر تعني: "ادارة المواطنين بواسطة بعض المواطنين خدمة للمستعمر الأجنبي"،
أي انها نظام ادارة موازي للادارة الاستعمارية و داعم لها.
و بالنسبة للمستعمر فان فوائد هذا النظام:
- تقليل احتكاك الموظفين الاجانب و جنود الاستعمار بالمواطنين "الأهالي"
و تحمل الادارة الاهلية تكلفة أي اخطاء تحدث نتيجة تعاملهم مع السكان.
- تقليل تكلفة استخدام نظام ادارة اجنبية كبيرة بتجنب استجلاب مزيد من الموظفين الانجليز و المصريين و توابعهم من الشوام.. الخ
و وصف الاداريين الانجليز هذا النظام بانه نظام حكم غير مباشر، يعتمد علي حكم الأهالي بواسطة قياداتهم المحلية من شيوخ و نظار القبائل و العمد.. الخ
و لم يكن شيوخ الادارة الاهلية يحصلون علي أي رواتب من الدولة انما علي سلطات لتحصيل ضرائب و حفظ النظام و تطبيق القانون "محاكم شيوخ القبائل" و فرض غرامات و تتم مكافأتهم بنصيب مما يحصلونه من ضرائب علي الزراعة او الماشية و مايفرضونه من غرامات..
بانتهاء الحكم الاستعماري و قيام الحكم الوطني كان من المفترض ان تعتبر الادارة الاهلية جزء اصيل من الحكم ما بعد الاستعماري و ان تدمج في نظام الحكم و الادارة الوطني بحيث يتم التخلص من الخصائص التي وسمها به الاستعمار و من الاهداف التي كرسها لتحقيقها له .. فالحكم الوطني هو حكم اهلي و الحكومات الوطنية هي حكومات أهلية ايضاً..
لكن الحكومات الوطنية استمرت في التعامل مع الادارة الاهلية بذات نظرة و نظرية الحكومة الاستعمارية و استمرت في توظيفها لتحقيق ذات الاهداف و الغايات..!!
كما استمرت بالمقابل الادارة الاهلية تتعامل و تنظر للحكومة "الاهلية" في الخرطوم و في مراكز الاقاليم بذات الاسلوب الذي كانت تنظر و تتعامل به مع الحكم العام و سكرتيره الاداري و المالي و القضائي "الانجليز" و مدراء المديريات و مفتشي المراكز الانجليز!!
بل و احياناً كانت طريقة التعامل تسوء عن تلك التي كانت بين الادارة الاستعمارية و الادارة الأهلية.. كما حدث في عهد النميري اذ قام بالغاء نظام الادارة الأهلية بقرار فوقي دون ان تكون لديه خطة حكم محلي "جهاز خدمة محلي" تستوعب التغيير الذي حدث منذ خروج المستعمر و التغييرات التي حدثت منذ قيام نظام الادارة الاهلية..
فالغاء أي نظام ادارة لا يمكن ان يتم الا بدراسة وافية تجهز البدائل و تستوعب التداعيات، و الغاء نظام الادارة الاهلية لا يمكن ان يلغي نظام العلاقات القبلية و لا ان يلغي القبائل كوجود اجتماعي متجذر و لا ان يلغي دور نظار القبائل و شيوخها و عمد البطون و الأفخاذ، فالقبائل لها ادوار أخري غير تلك التي التزمت بها للحكم الاستعماري و استمرت في الالتزام به حيال الحكومات الوطنية، فتلك هي الادوار التي كانت سابقة علي نظام الادارة الاهلية "المصنوع من قبل الاستعمار" و من ذلك حل المشاكل الناتجة عن الاحتكاك بين القبائل المختلفة "جمع الديات في حالات حوادث القتل و التعويض في حالات اتلاف الزرع و سرقة المواشي.. الخ" و حل المشكلات الاجتماعية داخل القبيلة الواحدة بين الازواج المختلفين" و هذه الادوار التي كانت منظومة "مجالس الاجاويد" تقوم بها قبل الاستعمار و بعده و حتي بعد الغاء نظام الادارة الاهلية في عهد جعفر نميري و وزير حكمه "جعفر محمد علي بخيت" و تلعبه حتي اليوم!
في عهد الانقاذ "و حتي في اواخر عهد رئيس الوزراء الصادق المهدي" تم استغلال و توظيف نظام حكم القبائل "الادارة الاهلية" بصورة اسوأ من تلك التي استغلتها بها الادارة الاستعمارية.. اذ تم استغلالها في تجنيد قوات حربية مقاتلة "مليشيات قبلية" لاخماد التمردات و حركات الرفض التي تواجه الحكومة...
و لأن هذه القوات الحربية التي حظيت برعاية و تسليح و تمويل الحكومة لم تكن قوات نظامية فانها استغلت قوتها لتحقيق فوائد اخري اضافة للفائدة التي كانت تحققها للحكومة و تكلفها بها السلطة السياسية، و هذا ادي لتفاقم النزاعات القبلية و تفشي جرائم النهب و القتل و الحرق و كانت ابرز مظاهره جرائم الحرب التي ارتكبت في دارفور ..
و يعتبر حميدتي و قواته "الدعم السريع" امتداد لأخطاء توظيف نظام الانقاذ للقبائل لتوفير الاستقرار للحكم "الوطني-الاهلي" و تلعب ادوار في خدمة تيارات سياسية علي حساب تيارات سياسية أخري كما استمرت في لعب ادوار خاصة بتقوية نفوذ قبائل و إثنيات علي حساب قبائل اخري "اقتصادياً و سياسياً"!!
حل هذه المشكلة لن يتم باستمرار هذا الوضع الشائه و لا بقرار فوقي انما بانتهاج سياسة حكم محلي و ادارة محلية "وطنية-اهلية" تعتمد المعايير العلمية الحديثة في الادارة العامة..
بمعني، اقرار نظم مجالس حكم محلي في المدن و القري و الارياف كافة "التي تهيمن عليها قبائل بعينها أو التي تتشارك فيها عدة قبائل" تلك المجالس هي التي تعين و تدير موظفي الخدمة العامة المدنية و الامنية في مناطقها "موظفي الضرائب و المالية و التنمية الاقتصادية و التعليم و الصحة العامة و الشرطة .. الخ"
و قبول تلك المجالس يعني بالضرورة ان يتم اختيارها من المنطقة و برضا اهلها "أي بالانتخابات الحرة"..
(هذا يتطلب اولاً فحص وزارة الحكم الاتحادي التي حولتها الانقاذ الي وكر لانتاج سياسات استغلال القبائل و اثارة الفتن و العصبيات و النعرات!)
و لأن معظم الانظمة التي تولت السلطة في الخرطوم لم تكن في ذاتها تحظي بشرعية الرضا فانه لم يكن قط في مصلحتها اجراء انتخابات حرة علي المستوي المحلي!
و لأن نظام البرهان - حميدتي "الانقلابي" هو امتداد لانظمة حكم اغتصاب السلطة فهي تعتمد علي محاولة احياء نظام حكم "أهلي" بذات عقلية اغتصاب السلطة الاستعماري و اسوأ كذلك!
صفة "اهالي" اطلقها المستعمرون علي اسياد البلد الاصليين تحقيراً لهم عندما كان المستعمرون و اعوانهم مواطنين من الدرجة الممتازة اما اهل البلد فكانوا موطنين من الدرجة الثالثة!
و كلمة أهالي التي يسخر بها العسكر اليوم من المواطن تنتمي لذلك العهد لأن العسكر كانوا "أجانب" اصحاب امتياز يزهون بالنصر و يتصرفون كغزاة ..
نظرية تفوق العسكر علي المدنيين تعود لتلك الحقبة الاستعمارية، لأن اساس العقلية العسكرية و العقيدة النظامية فرضها المستعمر، و القوة الوطنية التي انشأها؛ انشأها بغرض مساعدة الجيش الاستعماري.. و معروف ان جيش الفتح و الغزو الذي دخل الخرطوم في ١٨٩٩ كان يتألف من اربعة فرق انجليزية و خمسة فرق مصرية و اربعة فرق سودانية في جيش الخديوي المصري..
لذا ظل الجيش يتصرف لا كجيش وطني انما كجيش فتح و جيش غازي، حتي بعد خروج الجيش الغازي الاستعماري و سودنة وظائف كبار القادة، كنا نظن ان الجيش تطغي عليه صفة كونه جيش الفرد و الحاكم "جيش البرهان و قبله جيش البشير و جيش النميري.." لكن اتضح انه لا يزال "جيش كتشنر" الغازي نفسه.
١٣ يونيو ٢٠٢٢م
تعليقات
إرسال تعليق