عن رثاء اتيم قرنق للطيب مصطفي ،،،،
قلة الذين رثوا الطيب مصطفي "سامحه الله"، اغلبهم اخوانه في الضلال الوطني و الديني، فطي صفحة الرجل دون مزيد من الانتقاص و النقد اللاذع يعني لهم احتمال عودة للحياة "السياسية" و للسلطة..
لكن ما كان مدهشاً هو رثاء احد قادة الحركة الشعبية "لتحرير جنوب السودان" نائب رئيس البرلمان السوداني السابق أتيم قرنق.. و ليس المدهش هو ان يذرف الرجل دمعاً سياسياً سخيناً في وداع عدو الأمس "فالسياسة ليس فيها عداءات مبدئية انما في قمة الخلافات ثمة مصالح و تفاهمات و عقود تبرم تحت الطاولات" المدهش هو أنه و في سياق رثاء و تعديد خصال الراحل و مآثره كال أتيم السباب لجملة الأحياء و الأموات من السودانيين! اذ قال ان الطيب افصح و عبر عما يكنه كل الشماليين ولكن يعجزون عن التصريح به، فالراحل مقدام و شجاع بنظر "اتيم"!
لم يشرح "أتيم" ما الذي يمنع الناس عن التعبير عما يعتقدونه، كما لم يوضح كيف عرف ما في نفوس الناس و ضمائرهم و متي فتش نواياهم!
ان "أتيم" في رثاءه للطيب انما يرثي حليف مهم، قد لا يعلم الكثيرون لكن أتيم قرنق يعلم ان الطيب كان حليفاً مهماً لانفصاليي الجنوب، و عندما كان اؤلئك الانفصاليون يعجزون عن الافصاح عن توجهاتهم لأن نيفاشا اجبرتهم علي ادعاء الوحدة "جعل الوحدة خيار جاذب" كان الطيب ينشط بهمة لجعل الانفصال خيار جاذب في الجنوب و مقبول و "مبلوع" في الشمال.. و لقد رأينا كيف ان الحركة التي حكمت الجنوب منذ يونيو ٢٠٠٥م و التي سيطرت علي كل شئ و شرعت في تقطيع العديد من الصلات و الأواصر بين الجنوب و الشمال حتي قبل الاستفتاء، و لم تكن ادني صغيرة و لا كبيرة تحدث او تتم دون علم و دون رضا الحركة و استخبارات جيشها.. رأينا كيف ان الانتباهة كانت الصحيفة الأوسع انتشاراً و الأعلي توزيعاً في مدن الجنوب! و لم يتخذوا حيالها أي موقف الا بعد ظهور و اعلان نتائج الاستفتاء المضروب، و كان في امكانها فعل الشئ الكثير؛ فيما كانت قياداتها تنظر بعين الغبطة لترهات الانتباهة و خطاب كراهيتها!
بل ان الراحل و اخوانه و ابن اخته كانوا اكثر من مجرد حلفاء لانفصاليي الجنوب فبفضل حكومتهم تحولت الحركة الشعبية من فصيل يساري خارج عن القانون و متمرد و انفصالي منبوذ علي نطاق واسع محلياً و اقليمياً "في وقت كانت القارة السمراء تكافح بحزم النزعات الانفصالية و التقسيمية" و دولياً، حولته في فترة وجيزة الي حركة كفاح من اجل الحرية و الاستقلال بسبب دعاية الحرب الدينية و القتال المقدس".. هذه لوحدها خدمة لا تقدر بقيمة فبعدها انفتحت ابواب المخابرات الغربية و المنظمات المدنية و غير المدنية "الكنسية" للحركة و قائدها الماركسي القديم!
لا ننكر ان هناك ازمة عميقة بين مكونات السودان "القديم" في شماله و جنوبه و اشكال له جذر اجتماعي و ثقافي و انها تمثل ازمة اخلاقية في المقام الأول لكن العنصرية التي رمي بها "أتيم" جملة السودانيين الشماليين و بغض النظر عن خطل تعميمه ذاك الا انها لم تكن خصلة وقف علي الشماليين، فانفصاليوا الجنوب ايضاً اشتملوا علي عنصرية لا تخطئها العين!
فدعنا يا أتيم نضرب صفحاً عن كل ما مضي، فما جري جري و التاريخ لا يمكن اصلاحه انما يمكن اصلاح المستقبل، و ما انكسر لا يمكن اعادته لحاله لكن يمكن منع مزيد من الانكسار، و دعنا نعالج عنصريتنا لنحافظ عما تبقي، و عالجوا عنصريتكم ليستقر الجنوب.
٢١ مايو ٢٠٢١م
تعليقات
إرسال تعليق