السودان دولة ذات نفوذ اقليمي .. و دولي

 ٨ سبتمبر ٢٠٢١م 

  هذا العنوان ليس به خطاء مطبعي، كما انه ليس من العبارات الاسترضائية و التعويضية التي تقال علي سبيل التطبيب و التشجيع علي تقبل الواقع او تحمّله او تجميله.

بل هناك شواهد عديدة قائمة ندلل عليها فيما يلي لنؤكد حقيقة ان السودان دولة ذات نفوذ في المنطقة و بالتالي ذات وزن عالمي معتبر، و ان المجتمع السوداني يمثل جوهر مهم لشعوب و مجتمعات المنطقة الافريقية المحيطة بل و امتداد بعيد في عمق اسيا.

المجتمع الجوهر او الدولة الجوهر هو من مصطلحات "النظام العالمي" التي صكها صمويل هنتغتون في مؤلفه الشهير "صدام الحضارات و اعادة بناء النظام العالمي"، و قد تجاهلت النخب المفكرة اغلب الافكار في ذلك المؤلف المهم و أخذت بتلابيب عبارة "صدام الحضارات" لتفهم منها ان الصدام بين الأمم المختلفة ثقافياً و حضارياً حتمية لا مناص عنها! مع ان الكتاب لم يقل ذلك انما وصّف واقع ماثل هو ان معظم الحروب يتم خوضها تحت لافتة الصراع بين الحضارات منذ ايام صراع الروم و الفرس و حتي اليوم.

و يشرح "هنتنغتون" في مؤلفه ذاك مصطلح "الدولة الجوهر" بأن في كل أقليم دولة تعتبرها دول و شعوب المنطقة دولة "أم" و اساسية لكونها تعكس خصال تلك المنطقة بنقاء اعلي سواء كان ذلك بسبب الانتماء الديني او الاثني و القومي و طورته في اشكال ادارية و قانونية و عسكرية و اقتصادية تصلح كنموذج يحتذي، و هي الدولة التي يتوق كل سكان المحيط المجاور لزيارتها و الاقامة فيها لبعض الوقت بسبب مكان مقدس دينياً فيها و بسبب ملاءمتها للعيش و الحياة.. الخ فبالنسبة لدول السلاف "شرق اوروبا فان روسيا دولة جوهر"، و بالنسبة للقوميات الفارسية فان ايران دولة جوهر، و بالنسبة للشرق الاوسط فان السعودية دولة جوهر، و بالنسبة لجنوب شرق اسيا فان الصين دولة جوهر، و بالنسبة للانجلوساكسون فان بريطانيا دولة جوهر، و بالنسبة للفرانكوفون فان فرنسا دولة جوهر، و بالنسبة للجرمانيين "النمسا و مناطق من سويسرا.." فان المانيا دولة جوهر.. الخ

بهذا النسق و بهذا المفهوم فان السودان بالنسبة لاقليم واسع في شرق و غرب افريقيا و عمقها كذلك "الاقليم الذي يعرف جغرافيا في اوقات سابقة بالحزام السوداني" يمثل دولة جوهر، فكل سكان الدول المجاورة و ما وراءها يتوقون لزيارة السودان و بعضهم يفعل ذلك، فان مرض يتعالج فيه أو جاء للتعليم العالي فيه او ارسل اليه اولاده.. و ايام حج القوافل "بالبر" كان هو الطريق الي بيت الله خصوصاً لسكان الدول من جهة غرب افريقيا، و فيها كبريات خلاوي تحفيظ القرآن و تدريس الفقه.

سياسياً و تاريخياً كان السودان من الدول السباقة الي نيل الحريةمن الاستعمار و استقلال الارادة (١٨٨٥ الاستقلال الأول و ١٩٥٦ الثاني و النهائي) كما انه ساعد جيرانه سنوات التحرر الوطني بما في ذلك اثيوبيا التي سقطت عاصمتها الحصينة "اديس اببا" في قبضة الاستعمار الطلياني و تحررت بمساعدة السودانيين بل ان الامبراطورالاثيوبي اقام تلك الشهور بضاحية الخرطوم (بري).

استقرار السودان (برغم اطول حرب اهلية في القارة و برغم مأساة دارفور و انفصال الجنوب) و بالتالي امتلاكه لمورد بشري هائل اضافة لموارد طبيعية مقدرة اضافة لموقعه الجغرافي الذي يتوسط المنطقة و يطل الي العالم عبر البحر الاحمر و قربه من قناة السويس و البحر الابيض و بمساحة تناهز المليون و نصف المليون كيلومتر مربع (بعد انفصال جنوب السودان) بحدود مع سبع دول تربط العمق الافريقي بنقاط تلاقي عالمي جعلت من السودانيين رقم صعب و مهم في معادلات المنطقة الممتدة من الاطلسي - نواكشوط الي المحيط الهندي -مقديشو بل و الي ما هو ابعد..

ان السودان هو عامل و أحد اهم ضوامن استقرار الاقليم السوداني الكبير، لكن للأسف و طوال فترة حكم البشير و الأخوان تحول الي عنصر قلقلة و اضطرابات، و لو كان السودان في وضعه المعتاد لما انزلق الصومال الي حرب اهلية ادت الي انقسامه و لما انفصلت اثيوبيا و لما اضطربت بلدان الساحل "مالي" و النيجر و نيجيريا و الكميرون و تشاد بسبب متطرفي حركة بوكو حرام و لما نسف استقرار افريقيا الوسطي و لما انقسم السودان نفسه.

قيام الدولة السودانية بواجبها الذي يمليه عليها "واجب الدولة الجوهر" يتطلب عدة امور اهمها:

اولاً: استيعاب القوي السياسية الوطنية لهذه الحقيقة و ارتقاءها من ثم لمستوي مسؤولية قوي الدولة الجوهر الوطنية..

ثانياً: ارتقاء المؤسسات الوطنية و تأهليها مهنياً و وظيفياً لاداء دورها الوطني و الاقليمي و الدولي، و نعني بتلك المؤسسات الاجهزة الرسمية المهنية و الاحترافية "غير المسيسة" و علي رأسها الجيش و جهاز المخابرات و الشرطة و الخدمة المدنية و جهاز الدبلوماسية الوطنية.. كما يشمل المصطلح مؤسسات المجتمع المدني الاهلي التقليدية "الصوفية" و الحديثة.

ثالثاً: اتخاذ الاجراءات الكفيلة بتقوية مركز السودان الاقتصادي و المالي، لأن ضعف المركز المالي و الاقتصادي ينعكس سلباً علي فعالية الدور الاقليمي و ينتقص منه.