فن الادارة و علمها ( علم بحوث العمليات ) والذي يعد من احدث فروع العلم اهتمت به جهات عدة من بينها الحكومات ومراكز البحث والجامعات والاكاديميات و المؤسسات الخاصة والافراد..
لذا هو من العلوم و الفنون التي يحدث فيها تطور مضطرد و يومي
فمن مبادئ الادارة التقليدية 'الكلاسيكية' الي قواعد الادارة العلمية و الادارة الاستراتيجية.. حدث ويحدث تطور كبير وثورة فعلية. هناك نظريات مختلفة يتم تقديمها منها مثلا 'الادارة بالاهداف'..
لكن عندنا هنا في سودان البشير تحدث ردة ادارية كبيرة! فالقيادة التي لا يعنيها الا احكام وضع مؤخرتها علي المقعد لم تهمل جهاز الادارة فقط انما ملأته بالاف الفاشلين عديمي المعرفة وفاقدي المواهب! ومع ضعف القيادة تحولت طبقة البروقراطيين 'موظفي الادارة المكتبية' الي غول حقيقي متوحش ومتعطش للمكاسب الخاصة!
ثمة ادارات ومصالح كاملة تدار لمصلحة شخص او شخصين!
مصالح الحكومة الخدمية التي لا تقدم شئ بخلاف الاوراق والاختام والوثائق 'خدمات مستندية بحتة' تحولت لماكينات ضخمة لانتاج العبث!!
معاملة بسيطة لا تتطلب جهدا ولا وقت؛ ويمكن انجازها في ثلاث ثواني قد تستغرق ثلاثة ايام هذا ان كنت محظوظا! فهذا الموظف يحيلك لذاك؛ وتلك النافذة تقذف بك الي ذاك الباب وهذا الطابق يحيلك الي الذي يعلوه او يدنوه! و هذا المبني قد يحيلك لمبني اخر في شارع اخر او مدينة اخري ربما!!
معاملة يستطيع موظف واحد ان ينهيها يفرغ لها جيش موظفين، هذا يعاين المستندات و هذا يستخرج اشعار من ( السستم ) هذا ان لم تجد السستم واقع! او الشبكة طاشة!! وهذا يضع خطوطا علي الاوراق و ذاك يرسم توقيعه وهذا يحصل الرسوم و ذاك يضع ختم المصلحة!!
معاملات تافهة و اوراق لا قيمة لعا ماديا و لا معنويا ومع ذلك يتطلب استخراجها جهدا غير قليل و مال كثير!
زرت قبل مدة احد مجمعات الشرطة للاجراءات و هالني ضخامة المبني واتساعه و جيش الموظفين الجرار الذي يعمل في اكمال معاملات مستندية ( رخص قيادة/شهادات صلاحية سيارات/ بطاقات هوية )!
و لاحظت قسم مكتوب عليه قسم كبار الشخصيات V.I.B !! صراحة لم استوعب الأمر، هل هذا نوع من التمييز و التفرقة بين المواطنيين ( صغار الشخصيات و كبارها )؟؟ و ما هو معيار هذه التفرقة و التمييز و التقسيم؟ لا أعرف صراحة الاعتبار المرجعي في هذا التقسيم لكنني استنتجت بحسب معرفتي بالعقلية الادارية الحاكمة ان المحك هو الرسوم فهنا (صالة كبار الشخصيات) غالبا ما تكون الرسوم أعلي و بالمقابل الخدمة شبه فندقية!!
ان النظرية الادارية السائدة اليوم في السودان هي نظرية ( الادارة بالعقبات، او الادارة بالعراقيل ).
هذه النظرية تقرر ان الاداري الناجح هو الذي يصنع اكبر عدد من العقبات والعراقيل امام طالب الخدمة او الاجراء، وهذا بالطبع ليس في صالح المؤسسة لكن من يهتم بصالح المؤسسة او (الصالح العام)!
الادارة العليا تسمح بهذه الممارسات لأنها تعرف انها لا تدفع مقابل مجزي لجيش مستخدميها لذا تغض الطرف عن العراقيل التي يصطنعوها ويأخذون بالتالي مقابل من المواطن او المتعامل ايا كانت جنسيته!
كما ان فهر المواطن و اذلاله هدف رئيسي من اهداف سياستها، فالمواطن الذليل الذي يعاني يكون طيع وسهل القياد عكس المواطن الحر الذي يتمتع براحة عقلية و بدنية.
الموظف هنا يفكر قبل ان تصل اليه كيف سيردك خائبا؟ بأي عذر؟ السبب الأثير عنده ان يكون هناك عدم اكتمال في اوراقك، نقص توقيع او ختم سيكون كافيا! لكنه لن يعدم الحيلة فحتي لو كان ملفك مكتمل بنسبة 100% فسيجد حيلة ليعطلك ( تناول الافطار، اداء صلاة الظهر، او اي حجة اخري .. ) المهم هو النتيجة اي ان معاملتك لن تتم وانك ستضطر لمعاودة الكرة غدا او بعده او كتي تثني لك!!
انها عقلية ( الادارة بالعقبات والعراقيل ) وهي سائدة من مرحلة استخراج شهادة الميلاد للاطفال و الرقم الوطني الي معاملات الاستثمار الوطني والأجنبي!
ومدرسة الادارة العقيمة السائدة حاليا لا تحقق اي هدف عام ولا مصلحة عامة و لا تنتج أية ثمرة للمنفعة العامة بل يتم تكريس جهاز الدولة لمنفعة (العاملين عليه) وحدهم! ولا تخدم لزيادة الانتاج غرض بل علي العكس تخفضه بنسبة هائلة و تتسبب في تفشي انماط سلوك لا اقتصادية.
الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة! تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!! في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...
تعليقات
إرسال تعليق