التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الاردوغانية

  كثيرون من قاطني جمهوريات دولة الخلافة العثمانية السابقة /الامبراطورية التركية يؤيدون بلا تحفظ كل سياسات واجراءات ومشاريع رئيس الجمهورية التركية الحالي 'جناب الباب العالي' رجب طيب اردوغان!!
تأيدهم ذاك المغلف بدعم الديمقراطية هو في الاصل نابع عن تأيد ديني ينطلق من ارضية الاسلام السياسي لا غير،
وللمفارقة كان الاسلامين حتي وقت قريب يرون في الديمقراطية كفر بواح ومخالفة للشرع. ولكن عقب تجربة جبهة الانقاذ الجزائرية اكتشف الاسلاميين قدرتهم علي حصد اصوات شعبية مهولة فانقلبوا الي مؤيدين لاجراء تصويت عبر صناديق الاقتراع و تأكد لهم ذلك عند فوز اخوان تركيا بانتخابات 2002م ، وقبلها في الانتخابات التي اتت بنجم الدين اربكان، والمقاعد التي حصل عليها حزب الترابي (الجبهة الاسلامية القومية) في انتخابات 1986م حين تحصلوا علي ما يقارب ربع مقاعد البرلمان السوداني، وفوز حركة حماس في انتخابات فلسطين 2006م،  وفوز الاخوان المصريين في انتخابات 2012م.
بين ليلة وضحاها اضحي الاسلاميين من اكبر معارضي الانقلابات خصوصا ان كانت ضد حكمهم ' انقلاب السيسي ومحاولة الانقلاب علي حكم اردوغان'!! 

للمفارقة ثانيةً، فإن الاسلاميين لا يدعمون الديمقراطية بالمجمل انما فقط الية حصاد الاصوات الشعبية، فهم لا يؤيدون منظومة القيم الديمقراطية المتعلقة بحق التجمع والتظاهر والتعبير والحريات الصحفية؛ الا ان كانوا هم المستفيدين منها ومتي ما انتفت حاجتهم انقلبوا عليها. لا يؤمنون بحق الاقليات و لا حق الاعتقاد وحرية الضمير، ولا شأن لهم بمبدأ الفصل بين السلطات ولا استقلال القضاء..  ولا يؤمنون بحياد وعدم تسيس الخدمة المدنية والعسكرية، وسياسات التطهير التي ينتهجها اردوغان اليوم تفوق حتي تلك التي تقدم عليها اعتي النظم الانقلابية؛ اذ يقارب عدد من تم اعتقالهم بعد فشل المحاولة الانقلابية الخمسون الف موظف مدني و عسكري، بينما يجاوز عدد من تم فصلهم من الخدمة المائة الف موظف!!
ان التعديل الدستوري الذي اجري مؤخرا ( ابريل 2016م ) يؤشر الي نزوع سلطوي واضح ولا يمت للديمقراطية بصلة، وتعديل النظام من برلماني لرئاسي ونقل سلطات رئيس الوزراء لرئيس الجمهورية 'اردوغان' انما هو تعديل معني به شخصه هو فقط وليس تعديلا يهم الأمة او الدولة، ولا شبيه لهذه الخطوة الا ما اقدم عليه صديق اردوغان الجديد 'بوتين' الذي اتي برفيقه وتابعه المخلص 'دميتري مدفيدف' ليتبادلا الأدوار ويحل كل منهما محل الأخر لمدة عهدة كاملة ليعود بعدها بوتين لمنصبه شكليا فيما كان عمليا قابضا علي السلطة الفعلية .. 

ان الرئيس الروسي احترم الدستور وتخلي عن المنصب شكليا اما اردوغان فقام بتعديل الدستور ليوائم رغباته وطموحه في الاحتفاظ بالسلطة لمدي يزيد عن المسموح به دستورا! متفوقا حتي علي ديكتاتور روسيا الحديدي .. ففعليا ولعهدة ثالثة يقبض اردوغان السلطات في يده بينما يلعب 'بن علي يلدريم' دور مدفيدف و يكون لرئيسه الحق في تولي الرئاسة التنفيذية لدورتين اعتبارا من الانتخابات المقبلة ليكون الحاكم الفعلي في تركيا لخمسة عهد دستورية!!
يهتم اردوغان باستعادة موقعة كرئيس لحزب العدالة والتنمية الحاكم 'النسخة التركية لجماعة الاخوان المسلمين' لأنه يعلم ان رئاسة الحزب الحاكم في دولة نصف ديمقراطية ونصف شمولية كتركيا اهم من رئاسة الدولة؛ فمنه تستمد السطوة والنفوذ وفيه يصنع الطغاة، بينما في البلدان مكتملة البناء الديمقراطي يتنازل الرئيس المنتخب طواعية عن رئاسة الحزب الحاكم لأنه يعرف ان منصبه يعني رئاسته للجميع؛ بما في ذلك رئاسته لكل الاحزاب بما فيها المعارضة لحكمه، ولانه يعرف ايضا ان منصبه يتطلب تكريس كل الوقت لخدمة كل الشعب ولا وقت لديه لفئة خاصة او تحظي برعاية و امتياز !!!
مع ذلك يواظب الاسلاميين وبعض المتعاطفين معهم ببغائية غريبة ترديد لحن الديمقراطية والانتخابات دفاعا عن تسلط وديكتاتورية الباب العالي الجديد.
المفارقة الغريبة ان الالقاب السلطانية التي خلعها الاعلام علي رجب طيب اردوغان لا يستحقها فهو ليس حفيد سليمان جد العثمانيين ومعروف ان الحكم في تلك السلطنة كان يورث بالجين والدم وليس بالايدولوجيا ولا العقيدة ! وما حققه و وصل اليه اردوغان ليس موروثا بل هو بكده وصنع يده فهو اقرب الي اتاتورك "لقب مصطفي كمال مؤسس تركيا الحديثة والذي يعني في اللغة التركية ابو الاتراك" صحيح ان كمال كان يميل الي قطع علاقة تركيا بتاريخها ومحيطها و وصله باوروبا وان رجب طيب يسعي لوصل ما قطعه الكماليون الا ان الاثنان يتفقان في انهما صنعا سطوتهما كما يتفقان في الانتماء القومي وان كان نزوع اردوغان القومي تكشف مؤخرا بعد الانقلاب الفاشل  و اشعاله للحرب مجددا ضد القومية الكردية في تركيا وسوريا والعراق، لذا فان اللقب الذي يستحقه بجدارة هو "اتاتورك الجديد".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...