التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الوﻻء و الانتماء.. معامل بناء الدولة و هدمها


    الوﻻء والإنتماء من العناصر الضرورية في تركيبة الدولة والمجتمعات الحديثة وهو مفهوم يبدو بسيطا للوهلة الاولي الا انه في الواقع مفهوم معقد للغاية ..
ليس التعقيد ناتج عن تفرع وتعدد انواع الولاء "الوﻻء لدين، او عرق، او مكان وجهة، او وطن، او حزب، او طريقة، او مذهب..."  انما ناتج بالأساس عن الطريقة التي يتم بها استيعاب الوﻻءات و الدعوه والترويج لها بواسطة المنظمات السياسية والمدنية.. او بسبب استخدام واستغلال تلك الولاءات في غير موضعها.
    الولاء هو حالة معنوية وشعورية يعتقد معها الانسان ان مصيره ( وليست مصالحه وحدها ) و وجوده مرتبط نفيا واثباتا بمصير المجموعة التي ينتمي اليها ويعتبر نفسه جزء اصيل وامتداد لها..
    ثمة ولاءات تفرض علي الانسان وتتقرر بميلاده لا يد له فيها و ولاءات اخري يختارها بيده؛ من تلك الولاءات التي لا يقررها الانسان الولاء للطائفة او القبيلة/ العرق ( الطائفة منظومة معقدة ومزيج من الدم والجين والمعتقد؛ وهذا هو الاستخدام الدقيق لمصطلح طائفة )، او الانتماء لوطن ام، بينما هناك انتماءات اخري يختارها المرء بطوعه وارادته الحرة كالانتماء والوﻻء لحزب سياسي او مدرسة/مذهب او حركة دينية او لحزب سياسي او لفريق رياضي..الخ وكذلك الولاء لدين او وطن بديل!!
    اذن فالانتماء والولاء هو العنصر المعنوي شديد الأهمية والضروري لبناء اي منظومة 'مؤسسة' سياسية او اجتماعية او اقتصادية او دينية او عسكرية بما في ذلك بناء الدول ايضا. 
  في العصر الحديث ما عاد الانتماء أو الولاء يتشكل كشعور وعاطفة محضة و قيمة تورث وانما قيمة تكتسب بناء علي تحقق مصالح مادية محددة ومضبوطة (الامن بكل انواعه اقتصادي واجتماعي وسلامة النفس والبدن)، وتفرعت عنه ولاءات جديدة منها الولاء للشركة أو المؤسسة التي يعمل بها الفرد حتي وان كانت من مؤسسات القطاع الخاص،
  لذا يمكننا الزعم باطمئنان ان الولاء و الانتماء هو المعامل الرئيسي في بناء الدول الحديثة و بناء الاوطان، و بغيابها يعتبر (انعدام الولاء) معامل هدم الدولة و مؤسساتها ومجتمعها. 
    مع الأسف فيما لا تولي المؤسسات الحداثوية في منطقتنا هذا العنصر والعامل الأهمية التي يستحق، نجد بالمقابل المؤسسة التقليدية توليه اهتمامها الكامل فيأتي ذلك علي حساب العنصر المادي لبناء المنظومة المؤسسية ( كفالة الحقوق القانونية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمدنية) وعلي رأس ذلك كفالة الحق في امتلاك الارض ( او بعض منها ) التي ينتمي اليها الفرد و كفالة الأمن وسبل العيش الكريم والرفاهية..
فالمؤسسات التقليدية ( قبل الحداثوية ) كالدول الدينية و التنظيمات 'تعنينا الاسلامية منها هنا ' طورت مصطلح ومفهوم سلفي يعرف بـ 'قاعدة الولاء والبراء' تلك القاعدة 'الأصولية' تلغي كل الولاءات الفرعية وتحرمها وتجرمها، فيما تقرر الولاء للأمة 'بالمفهوم الديني' و ولاء المؤمن للمؤمن 'والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض' .. "التوبة/71"، و ولاء غير المسلمين فيما بينهم "والذين كفروا بعضهم أولياء بعض" الانفال، و " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون اليهم بالمودة" / الممتحنة، و "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصاري أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين" / المائدة.
    لكن الحركات الاصولية المعاصرة 'الاسلام السياسي' أحدثت تحويرا علي هذا المفهوم الأصولي لتستعيض عن الولاء للأمة و بين المؤمنين وتستبدله بالولاء للتنظيم السياسي 'الاسلامي' و الولاء للدولة الاسلامية بمفهوم مستحدث يبقي علي الحدود السياسية المعروفة لتصبح 'الدولة الاسلامية' بديلا للأمة .. بحيث تكون ايران  الجمهورية 'دولة اسلامية' و مملكة ال سعود 'دولة اسلامية' والسودان و موريتانيا و و الخ دول اسلامية،' هل لهذا المفهوم المحور علاقة ببروز تنظيم الدولة الاسلامية؟ شخصيا اعتقد انه من الأسباب والدواعي الرئيسية.. فحركات الاسلام  السياسي حولت الولاء من قيمة دينية "ايمانية" ليصبح غاية سياسية، ومن ان يكون لدار الاسلام كوطن وللأمة التي يمثلها و يقودها امير المؤمنين وخليفة المسلمين ليصبح لتنظيم او حركة صغيرة و لجماعة تزعم انها الفرقة الناجية ولزعيمها 'المرشد العام'!؛ وظلت تدغدغ عواطف عناصرها بحلم الدولة الاسلامية او الخلافة ما جعل الكثيرين علي أهبة الاستعداد للانخراط في صفوف اي جماعة تزعم تأسيس خلافة مسلمين.. لذا فان اغلب عناصر 'تنظيم الدولة' هم من عضوية الحركات الاسلامية فعليا او من مؤيديها وانصارها وعضويتها المحتملين.
  ان الفهم القاصر لعامل الولاء يبقي هو القاسم المشترك الاعظم لفشل المنظومات السياسية  التقليدية والحداثوية في منطقة الشرق الاوسط.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...