لا نريد ان نبخس الناجحين في امتحان الشهادة الثانوية نجاحهم ولا ان نفسد علي الأسر فرحتها؛ لكن الحق يجب ان يقال و الحقيقة اجدر ان تعلم حتي لا ينخدع الاباء و الأمهات و حتي يعرف الأبناء مواقع اقدامهم و عقابات الطريق الذي يسيرون فيه..
يقول المسؤولون ان نسبة النجاح في الشهادة السودانية قد تدنت، وليست هذه مشكلة فالنسب اصلا جعلت لترتفع و تتدني، المشكلة بل مصيبتنا هي ان جودة التعليم هي التي تدنت بل تردت الي ما دون الحضيض..
اليوم تخرج الجامعات وفي مختلف التخصصات طلاب لايحسنون أي لغة وللأسف بما في ذلك اللغة الأم، الغالبية منهم لا تحسن كتابة مقالة مختصرة في أي موضوع ولو كان متعلقا بشخصه، يعجز عن تركيب اكثر من جملة تركيبا صحيحا من حيث اللغة و الافكار كما تمثل الاخطاء النحوية كارثة محققة.
اما في مجال التخصص فالحال مماثل ان تجنبنا وصفه باﻷنكأ، فنسبة مقدرة من خريجي التخصصات 'الطبية و الهندسية و الاجتماعية و اللغوية' لا يتوافرون علي اساسيات العلم الذي يفترض انهم 'مختصون' به!
للأسف اصبح التعليم ( عام وعالي/حكومي وخاص) لا يعدو كونه اهدار لسنوات عمر التلاميذ والطلاب، فالمقررات توضع كيفما اتفق و لا تلبي شروط المعرفة والعلم و التربية اما كوادره فلا يعوزها التدريب والتأهيل فقط بل يعوزها حتي الالمام باساسيات و اصول المعرفة التي يفترض ان يمرروها للتلاميذ، بينما بنية التعليم رثة فالمدارس الحكومية متداعية و الاثاثات منعدمة وان وجدت فهي صدئة ومتهالكة، وبيئة العمل غير صالحة بسبب ضعف عائد وحوافز العاملين فيه، اما المدارس الخاصة فهي في معظمها غير مطابقة لشروط 'المدارس' فمعظمها منازل عادية و في مواقع سيئة 'جوار اسواق و مستشفيات.. الخ' و ضيقة في مساحتها، و لا تخضع لاشراف ورقابة معيارية؛ اذ ان كل المطلوب هو سداد رسوم التصديق لدي وزارة التعليم ، وقليلة هي المدارس التي ترقي لمستوي تستحق معه الصفة 'مدرسة' ومعظمها اجنبية او علي النسق الاجنبي ومخصصة فقط للقلة القادرة علي سداد رسم التسجيل فيها 'للعلم رسم تسجيل التلميذ لمرحلة الاساس يصل في احداها ل 21 الف دولار للسنة الدراسية الواحدة، أي ما يناهز 400 الف من العملة المحلية' !!
ان تعليم بالكيفية التي سبقت لن تؤهل خريج لمقابلة شروط سوق العمل الداخلي ' و الفرص فيه نادرة تقترب من مستوي العدم' ناهيك عن المنافسة في سوق العمل الخارجي! وبعد ان يكمل الطالب كل مراحل التعليم بكتشف ان عليه ان يؤهل نفسه في التخصص و في اللغة والتقنية المعلوماتية ان اراد ان يحصل علي فرصة وفق منافسة شريفة و الا فان عليه الاعتماد علي نظام 'نعم نظام' الواسطة و المحسوبية و الولاء.. الخ.
ان ازمة التعليم في السودان تستدعي وقفة جادة من الجميع و علي رأس الجميع المختصين في التعليم و العاملين في المجال ثم اولياء امور التلاميذ..
ويجب مراجعة سياسات واهداف العملية التعليمية الوطنية برمتها.. بما في ذلك مراجعة هيكلية للوزارة و المصالح الحكومية المسؤولة عنها، ولمدارسها؛ فتقسيم المساقات القديم 'اكاديمي علمي-ادبي، و صناعي، وتجاري، و نسوي، وفني، و ديني' ما عاد مجديا، وينبغي و ضع مساقات اكثر شمولا بحيث تملك التلميذ معارف ومهارات اكثر وافيد تساعده مساعدة ملموسة في مسارات حياته، فالتعليم الذي لا يقدم فائدة ملموسة يفقد جاذبيته وهو ما يحدث الان اذ قديما كانت ميزة التعليم هي توفير فرصة الحصول علي وظيفة حكومية ومكتبية و مع تزايد اعداد الطلاب و تناقص فرص التعليم اصبح معظم المواطنيين لا يثقون بجدوي التعليم ويفضلون دفع ابناءهم لسوق العمل مباشرة 'تجارة وزراعة ورعي' دون حصول علي القدر الضروري ن المعرفة الذي يرفع الوعي ويعين صاحبه علي فهم افضل للحياة وتقلباتها واحوالها.
يمكن الاستفادة من نسق التعليم في المجتمعات المتطورة في هذا المجال ( علي سبيل المثال ينقسم التعليم في فرنسا الي مسارين رئيسيين هما الشهادة العامة وتنقسم بدورها الي افرع الادبي والعلمي والاقتصادي والاجتماعي، ومسار شهادة التكنولوجيا و تنقسم للأفرع المهنية والحرفية).
كما يجب تسليط الضوء علي تجربة التعليم والمدارس الاهلية ومدارس العون الذاتي باعتبارها تجربة وطنية رائدة للنظر في امكانيات تطويرها للاستفادة منها مستقبلا.
ولا ننسي ضرورة توحيد بيئة التعليم من حيث المناهج و المقررات و البيئة التعليمية بما في ذلك توحيد زي الطلاب و تنقلهم و طعامهم وشرابهم ولا يترك ذلك لأهواء وامزجة ملاك المدارس الخاصة مثلما هو حادث اليوم.
اما بالنسبة للتعليم الجامعي فينبغي ايضا فرض وصاية اقوي من الدولة عليه في ظل تنامي ظاهرة الجامعة الخاصة 'مملوكة لافراد' وهذا وضع غير سوي اذ ان مؤسسات التعليم هي في الأساس مؤسسات دولة ومجتمع ولا يصح ان تكون مؤسسات فرد فهذا يتعارض مع كينونة المؤسسة نفسها التي تعلو علي الفردية ولا تخضع لها، كما ينبغي التأكد من ان الجامعات وكل مؤسسات التعليم العالي تتمتع بصفة الاستقلالية بحيث لا تخضع للأمزجة السياسية لمن يسيرون العمل الحكومي وبحيث تحتفظ و تتمتع بالطابع المدني والعلمي، و كذا الحرص علي صيانة مبدأ حرية البحث العلمي ورعاية قواعد الأمانة العلمية.
وبالمقابل ينبغي تسليط الضوء علي تجربة الجامعات الاهلية كتجربة وطنية و رائدة وجديرة بالاحترام ' حينما كان يعيش بيننا علماء بقامة د. محمد عمر بشير انطلقت فكرة ومشروع الجامعات الأهلية، اما حينما خلا الجو لامثال د. مأمون حميدة برزت ظاهرة الجامعات الفردية وجامعات الاشخاص التي لا رسالة لها خلاف الربح الفاحش و برزت ظواهر الطلاب المتوحشين الذي هم علي استعداد ليقتلوا انفسهم وغيرهم'.
تعليقات
إرسال تعليق