يعد " برنامج " تطبيق العقوبات الدينية " الحدود " بالاضافة لتطبيق " الدستور الاسلامي " علي ما يعتورهما من فجاجة في الطرح؛ يعدان من أهم برامج الحركات الاسلامية.. و في السودان كان القانون "الديني" الاسلامي هو من أول البرامج والشعارات التي لوحت به الحركة الاسلامية السودانية "جبهة الميثاق، الجبهة القومية ..الخ" ،
لم تهتم تلك الحركات علي اختلاف مسمياتها بالعمل علي تقديم رؤية كاملة تستوعب كل ابعاد خطوة تبني نظام قانوني جديد مختلف بما يتلافي الاثار السالبة لمثل تلك الخطوة علي اجهزة تطبيق القانون وعلي المجتمع وكذا علي الفئات الاخري التي ليس لها ادني مصلحة أورغبة في احداث تعديل أو تبني التشريعات الدينية-الاسلامية... بل ركزوا واستفادوا من شعبوية تلك الخطوة علي اعتبار ان معظم السودانيين مسلمين و مؤمنيين يتوقون لتطبيق الدين علي حياتهم ..الخ،
تم تطبيق تلك القوانين اولاً في عهد الرئيس المخلوع جعفر نميري "سبتمبر 1983م" ثم تم تأكيد هذا التوجه في بدايات عهد الرئيس الحالي البشير "1990م"؛ وقد كان قادة التيار الاسلامي وراء التجربتين ، وكانوا يزعمون ان تبني القوانين الدينية هو مدعاة لرضا الله باعتبار ان ذلك اكمال للتعبد، ومن ثم فهي مدخل لحل كل الاشكالات الاجتماعية والاقتصادية وحتي السياسية (الاسلام هو الحل) وان تطبيق الدين يعني العودة لله وللدين الصحيح وان كل الازمات سببها الابتعاد عن الله !!
ولحكمة يعلمها الله فان كلا التجربتين اعقبتهما مراحل من الضنك والشظف والشدة والضيق " علي عكس ما كان يروج له الاسلاميين و توقعت العامة" فحدثت مجاعة سنة 1984م وفجوة غذائية "حسب التعبير الحكومي" في تسعينات القرن الماضي لاتزال اثارها باقية.. بل وتاريخيا قبل ذلك حين تبنت دولة الحركة المهدية في 1885م ذات القوانين الدينية حدثت حالة اشد من الضنك وهي ما تعرف في التراث السوداني بـ" مجاعة سنة ستة"،
إن تطبيق القانون الديني في ظل أنظمة قمعية له دلالة واحدة هي استغلال القانون في السياسة واستغلال مفضوح كذلك للدين للمزايدة علي الخصوم واستخدام "مزيج الدين والقانون" كأدة فعالة في القمع والتخويف والنخوين والتكفير للمعارضين والمخالفين في الراي، واتخاذ شعار النطع والسيف والسوط لإضطهاد والتنكيل وتصفية الخصوم السياسيين.
لعلنا تطرقنا فيما سبق من مقالات لنقد فكرة الدستور الاسلامي، إلا انه من اللازم هنا اعادة القول بان الدستور الاسلامي الذي تتلخص فكرته في نقطتين اولاهما النص علي ان الاسلام هو الدين الرسمي للدولة وثانيتهما هي ان الاسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع .. والنقطة الاولي هي نوع من القول عديم القيمة والجدوي القانونية، فالدستور ينص فيه علي الأمور الثابتة التي لا تتغير بسهولة، اما النص علي دين الدولة علي اعتبار ان دين اغلبية السكان هو ين الدولة فهو بدعة قانونية، فالدولة لا دين لها وانما لها ضوابط دستورية وقانونية وادارية لوائحية، اما دين اغلبية السكان فطالما ان لأي مواطن الحق والحرية في الاعتقاد فهذا النص يبقي عديم الفائدة...
بينما النص علي مصادر التشريع فطالما ان هناك برلمان يمثل الشعب في سن التشريعات فلا تفسير لهذا النص الا بكونه يضع قيود علي ارادة ممثلي الشعب و ممارسة الوصاية علي الارادة الشعبية ذاتها..
أما مسالة القانون العقابي / الجنائي الاسلامي وتطبيقه فهي علاوة علي انها تتعارض مع اسس بناء الدولة الوطنية الحديثة " وقد رأينا كيف ان تبني هذه المنظومة من القوانين الدينية قاد الي انفصال الاقاليم الجنوبية ويقود الي تفلت وحروب في اكثر من اقليم آخر في دارفور و ج. كردفان والنيل الازرق" فهي تتعارض كذلك مع علم القانون ..
القانون .. الدين، والقانون الديني:
القانون كعلم يختلف عن الدين من حيث الوسائل والاغراض والاهداف... الخ، فهو علم انساني/ بشري، يعتمد كسائر العلوم التجربة و الخطأ والنقد و التصحيح، و لأنه علم انساني فمناط تطبيقه هم البشر الذين بدورهم يجب ان توضع لهم الضوابط واللوائح التي تحكم تطبيقهم و تنفيذهم لذلك القانون وتحاسبهم عند التجاوز، فالقانون تضعه جهة "هي، البرلمان"، وتنفذه جهة هي الحكومة، وتشرف علي حسن تطبيقه جهة ثالثة هي القضاء المستقل، وتعمل جهات أخري مستقلة علي الرقابة والمتابعة كالمحامين والمنظمات المدنية، " فلا قدسية هنا". أما الدين فهو أحادي صدر عن الله المطلق وجاء به نبي معصوم ،
وعلماء القانون يحددون العلاقة بين القانون والدين والاخلاق في شكل ثلاثة دوائر واحدة ترمز للقانون والثانية للدين والثالثة للأخلاق، وتلك الدوائر قد تتقاطع في جزء صغير لكنها لا تتطابق أبدا لأن مجال كل واحدة يختلف عن الاخري ،
كما ان هناك فرق بين العقوبة الدينية والعقوبة القانونية ، من حيث طبيعة العقوبة من جهة ومن حيث الغاية والهدف من جهة ثانية، فالعقوبة الدينية بطبيعتها رضائية فلا تنطبق الا علي من ارتضي الانتماء للدين ابتداءاً بطوعه و اختياره وارادته، وهي كذلك ليست متناسبة مع الفعل ولا يشترط التناسب فيها اصلاً " أي لا يشترط ان يكون العقاب متناسب مع الفعل المجرم" فالقاعدة الدينية تقول (العين بالعين، والسن بالسن، والباديء اظلم) ورغم ان ما يستفاد من من نص "العين بالعين.." هو التناسب الا ان التناسب في القصاص يكاد يكون مستحيلا لذا لا مناص من ان تكون العقوبة اقسي واشد احيانا من الفعل ولذا فان العقوبة الدينية في حقيقتها غير متناسبة.
بينما العقوبه في القانون اجبارية (غير رضائية) لأن القانون كقاعدة ينطبق بصورة موضوعية وليست شخصية فهو ينطبق علي المكان/ الاقليم ولا يلقي وزنا للظروف الشخصية ويشترط فيه التناسب، فأي عقوبة تتجاوز في تناسبها الفعل الاجرامي تعد عقوبة غير قانونية وقاسية و تنتهك حقوق الانسان.
أما من حيث الهدف والغاية فان هدف العقوبة الدينية وغايتها هو تطهير الجاني و الثأر للمجني عليه وردع غيرهما ، فالمؤمن الذي ينال العقاب في الدنيا يتطهر من الاثم و لايناله عقاب الأخرة. أما العقوبة القانونية فلا تعني بالتطهير ولا الثأر ولا الردع بل تعني بأن ينال الجاني الجزاء الذي يتناسب مع جريرته وان يتم تعويض المجني عليه فقط وليس الثأر له.
القانون والفضيلة:
ما قيل عن الدين ينطبق علي الاخلاق، فالقانون لا يسعي للتدخل في مجال الاخلاق فهو قد يتقاطع معها حيناً لكنه لا يسود عليها ولا يسعي لأن يجعل الاخلاق محدد أو مؤشر له، لأن القانون يعتمد الدقة والتحديد أما الاخلاق فهي متبدله ومتغيرة وتختلف من شخص لآخر ومن مكان لآخر ..
عليه يكون النص علي تشريع كقانون النظام العام هو بمثابة التشريع لقانون فضيلة، وقانون أخلاقي ، مع العلم ان الاخلاق لا يمكن فرضها بقانون وبشرطي وبقاضٍ، انما يفرضها الضمير و الوازع ، ان النص علي قانون أخلاقي يمثل تجريد للأخلاق من بعدها المعنوي وتحميل القانون أكثر مما يحتمل وفتح ابواب الفساد امام الاجهزة العدلية " فمن اين يؤتي بالاتقياء الانقياء الذين يمكن وضع امانة تطبيق القانون الاخلاقي علي عاتقهم؟؟".
لم تهتم تلك الحركات علي اختلاف مسمياتها بالعمل علي تقديم رؤية كاملة تستوعب كل ابعاد خطوة تبني نظام قانوني جديد مختلف بما يتلافي الاثار السالبة لمثل تلك الخطوة علي اجهزة تطبيق القانون وعلي المجتمع وكذا علي الفئات الاخري التي ليس لها ادني مصلحة أورغبة في احداث تعديل أو تبني التشريعات الدينية-الاسلامية... بل ركزوا واستفادوا من شعبوية تلك الخطوة علي اعتبار ان معظم السودانيين مسلمين و مؤمنيين يتوقون لتطبيق الدين علي حياتهم ..الخ،
تم تطبيق تلك القوانين اولاً في عهد الرئيس المخلوع جعفر نميري "سبتمبر 1983م" ثم تم تأكيد هذا التوجه في بدايات عهد الرئيس الحالي البشير "1990م"؛ وقد كان قادة التيار الاسلامي وراء التجربتين ، وكانوا يزعمون ان تبني القوانين الدينية هو مدعاة لرضا الله باعتبار ان ذلك اكمال للتعبد، ومن ثم فهي مدخل لحل كل الاشكالات الاجتماعية والاقتصادية وحتي السياسية (الاسلام هو الحل) وان تطبيق الدين يعني العودة لله وللدين الصحيح وان كل الازمات سببها الابتعاد عن الله !!
ولحكمة يعلمها الله فان كلا التجربتين اعقبتهما مراحل من الضنك والشظف والشدة والضيق " علي عكس ما كان يروج له الاسلاميين و توقعت العامة" فحدثت مجاعة سنة 1984م وفجوة غذائية "حسب التعبير الحكومي" في تسعينات القرن الماضي لاتزال اثارها باقية.. بل وتاريخيا قبل ذلك حين تبنت دولة الحركة المهدية في 1885م ذات القوانين الدينية حدثت حالة اشد من الضنك وهي ما تعرف في التراث السوداني بـ" مجاعة سنة ستة"،
إن تطبيق القانون الديني في ظل أنظمة قمعية له دلالة واحدة هي استغلال القانون في السياسة واستغلال مفضوح كذلك للدين للمزايدة علي الخصوم واستخدام "مزيج الدين والقانون" كأدة فعالة في القمع والتخويف والنخوين والتكفير للمعارضين والمخالفين في الراي، واتخاذ شعار النطع والسيف والسوط لإضطهاد والتنكيل وتصفية الخصوم السياسيين.
لعلنا تطرقنا فيما سبق من مقالات لنقد فكرة الدستور الاسلامي، إلا انه من اللازم هنا اعادة القول بان الدستور الاسلامي الذي تتلخص فكرته في نقطتين اولاهما النص علي ان الاسلام هو الدين الرسمي للدولة وثانيتهما هي ان الاسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع .. والنقطة الاولي هي نوع من القول عديم القيمة والجدوي القانونية، فالدستور ينص فيه علي الأمور الثابتة التي لا تتغير بسهولة، اما النص علي دين الدولة علي اعتبار ان دين اغلبية السكان هو ين الدولة فهو بدعة قانونية، فالدولة لا دين لها وانما لها ضوابط دستورية وقانونية وادارية لوائحية، اما دين اغلبية السكان فطالما ان لأي مواطن الحق والحرية في الاعتقاد فهذا النص يبقي عديم الفائدة...
بينما النص علي مصادر التشريع فطالما ان هناك برلمان يمثل الشعب في سن التشريعات فلا تفسير لهذا النص الا بكونه يضع قيود علي ارادة ممثلي الشعب و ممارسة الوصاية علي الارادة الشعبية ذاتها..
أما مسالة القانون العقابي / الجنائي الاسلامي وتطبيقه فهي علاوة علي انها تتعارض مع اسس بناء الدولة الوطنية الحديثة " وقد رأينا كيف ان تبني هذه المنظومة من القوانين الدينية قاد الي انفصال الاقاليم الجنوبية ويقود الي تفلت وحروب في اكثر من اقليم آخر في دارفور و ج. كردفان والنيل الازرق" فهي تتعارض كذلك مع علم القانون ..
القانون .. الدين، والقانون الديني:
القانون كعلم يختلف عن الدين من حيث الوسائل والاغراض والاهداف... الخ، فهو علم انساني/ بشري، يعتمد كسائر العلوم التجربة و الخطأ والنقد و التصحيح، و لأنه علم انساني فمناط تطبيقه هم البشر الذين بدورهم يجب ان توضع لهم الضوابط واللوائح التي تحكم تطبيقهم و تنفيذهم لذلك القانون وتحاسبهم عند التجاوز، فالقانون تضعه جهة "هي، البرلمان"، وتنفذه جهة هي الحكومة، وتشرف علي حسن تطبيقه جهة ثالثة هي القضاء المستقل، وتعمل جهات أخري مستقلة علي الرقابة والمتابعة كالمحامين والمنظمات المدنية، " فلا قدسية هنا". أما الدين فهو أحادي صدر عن الله المطلق وجاء به نبي معصوم ،
وعلماء القانون يحددون العلاقة بين القانون والدين والاخلاق في شكل ثلاثة دوائر واحدة ترمز للقانون والثانية للدين والثالثة للأخلاق، وتلك الدوائر قد تتقاطع في جزء صغير لكنها لا تتطابق أبدا لأن مجال كل واحدة يختلف عن الاخري ،
كما ان هناك فرق بين العقوبة الدينية والعقوبة القانونية ، من حيث طبيعة العقوبة من جهة ومن حيث الغاية والهدف من جهة ثانية، فالعقوبة الدينية بطبيعتها رضائية فلا تنطبق الا علي من ارتضي الانتماء للدين ابتداءاً بطوعه و اختياره وارادته، وهي كذلك ليست متناسبة مع الفعل ولا يشترط التناسب فيها اصلاً " أي لا يشترط ان يكون العقاب متناسب مع الفعل المجرم" فالقاعدة الدينية تقول (العين بالعين، والسن بالسن، والباديء اظلم) ورغم ان ما يستفاد من من نص "العين بالعين.." هو التناسب الا ان التناسب في القصاص يكاد يكون مستحيلا لذا لا مناص من ان تكون العقوبة اقسي واشد احيانا من الفعل ولذا فان العقوبة الدينية في حقيقتها غير متناسبة.
بينما العقوبه في القانون اجبارية (غير رضائية) لأن القانون كقاعدة ينطبق بصورة موضوعية وليست شخصية فهو ينطبق علي المكان/ الاقليم ولا يلقي وزنا للظروف الشخصية ويشترط فيه التناسب، فأي عقوبة تتجاوز في تناسبها الفعل الاجرامي تعد عقوبة غير قانونية وقاسية و تنتهك حقوق الانسان.
أما من حيث الهدف والغاية فان هدف العقوبة الدينية وغايتها هو تطهير الجاني و الثأر للمجني عليه وردع غيرهما ، فالمؤمن الذي ينال العقاب في الدنيا يتطهر من الاثم و لايناله عقاب الأخرة. أما العقوبة القانونية فلا تعني بالتطهير ولا الثأر ولا الردع بل تعني بأن ينال الجاني الجزاء الذي يتناسب مع جريرته وان يتم تعويض المجني عليه فقط وليس الثأر له.
القانون والفضيلة:
ما قيل عن الدين ينطبق علي الاخلاق، فالقانون لا يسعي للتدخل في مجال الاخلاق فهو قد يتقاطع معها حيناً لكنه لا يسود عليها ولا يسعي لأن يجعل الاخلاق محدد أو مؤشر له، لأن القانون يعتمد الدقة والتحديد أما الاخلاق فهي متبدله ومتغيرة وتختلف من شخص لآخر ومن مكان لآخر ..
عليه يكون النص علي تشريع كقانون النظام العام هو بمثابة التشريع لقانون فضيلة، وقانون أخلاقي ، مع العلم ان الاخلاق لا يمكن فرضها بقانون وبشرطي وبقاضٍ، انما يفرضها الضمير و الوازع ، ان النص علي قانون أخلاقي يمثل تجريد للأخلاق من بعدها المعنوي وتحميل القانون أكثر مما يحتمل وفتح ابواب الفساد امام الاجهزة العدلية " فمن اين يؤتي بالاتقياء الانقياء الذين يمكن وضع امانة تطبيق القانون الاخلاقي علي عاتقهم؟؟".
تعليقات
إرسال تعليق