العدل أساس الملك، أو العدل أساس الحكم تلك مقولة تُعد من خلاصات الحكمة
البشرية التي انبثقت عن تجارب سياسية واجتماعية مريرة وطويلة بين العسف والظلم ..
ويمكن ان تستخلص من تلك المقولة مقولة اخري وهي العدل اساس الادارة أيضاً لاسيما
ادارة جهاز الدولة.
وللأسف فان هذة القيمة (العدل) والذي هو اساس (الحكم والادارة) هي قيمة مفقودة حالياً، فمن الحقائق التي
لاتقبل الجدل ويقر بها معظم مسئولي الحكومة (صراحةً او ضمناً) حقيقة ان جهاز
الخدمة العامة بشقيها المدني والنظامي تعرض لضربات عنيفة وهزات نتجت عن تغليب
الولاء علي مبداء الجدارة والكفاءة في تولي المناصب والوظيفة العامة، وبالتالي
تغليب منهج الستر والتستر علي التجاوزات والاخطاء
بدلاً عن الكشف والمحاسبة ..وضعف الرقابة الادارية وتزامن مع ذلك للأسف ايضاً غياب
اي رؤية لإصلاح جهاز الخدمة الحكومية وتطويره.
ليت
ذلك كان كل المشهد أو الصورة كاملة والابعاد الملامح ، فبما ان الضعف لاينتج عنه
الا مزيداً من الضعف والتشققات لاينتج عنها الا التفكك والانهيار.. فإن أمراض أخري
اخذت تنخر في جسد ذلك الجهاز المتداعي، أخطر تلك الامراض هو داء الرشوة الذي دب
واستشري بصورة مزعجة في اوصال الدولة ولم تسلم منه حتي الاجهزة شديدة الحساسية.
فبطبيعة الحال فإن دفع مبلغ من المال نظير
الحصول علي خدمة (حتي ان كانت مستحقة) لهو أمر لايمكن قبوله او التسامح بشأنه
لكونه يفتح الباب علي مصراعيه لأشكال اخري من الفساد والتجاوزات، ويضعف الثقة في جهاز
الادارة العامة والجهاز التفيذي اللذين ينبغي ان يتعاملا مع الموطنيين علي قدم
المساواة دون اي تفضيل أو محاباة (لم يدفع، أو لمن يدفع أكثر!!).
إن الرشوة تحول الادارة الحكومية من جهاز
خدمة عامة الي جهاز للخدمة الخاصة ويحول المصالح والهيئات والوكالات الحكومية الي
كناتين ودكاكين، ويحول الخدمة الي سلعة، ويصبح الموظف العام مثله مثل اي بائع علي
طبلية علي الرصيف. وهذا الوضع المختلل ينذر بشر مستطير وعواقب وخيمة للغاية.
البعض قد يجادل قائلاً ان ضعف الرواتب هو سبب تفشي الرشوة في جهاز الدولة،
لكن هذا جدل يقترب أكثر من نية التبرير لا نوايا العلاج ، ومالم تتم اعادة
الاعتبار سريعاً لمعايير الكفاءة والجدارة والعدالة في تولي الوظيفة العامة،
واعادة الاعتبار كذلك لمبادئ الرقابة والمحاسبة والكشف عن التجاوزات، وان تعود
اجهزة الدولة والحكم لتصبح ادارات للخدمة العامة وليست مجرد نوافذ لتحصيل الرسوم
والجبايات ...
مالم يتم ذلك كله وسريعا فلن يستغرب أحدنا ان قال له موظف رسمي ذات يوم،
وبكل قوة عين : دي الرسوم..وين الرشوة؟؟!.
تعليقات
إرسال تعليق