يلاحظ ان الانظمة العربية التي
سقطت بفعل الهبات الشعبية في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن. كانت لها علاقات حسنة
بامريكيا ولبعضها علي الاقل صلات باسرائيل وكلها علي الاقل لم تكن في حالة عداء
معها، وبرغم ذلك كانت تلك الانظمة تستفيد وتنتفع من حالة العداء والكره الشعبي
العام لتينك الدولتين –أي امريكيا واسرائيل- كما كانت تغذي حالة العداء والكره تلك
بين الفينة واختها لما لها من منافع سياسية داخلية علي الاقل.
لذا كان لزاماً علي القوي التي
تهدف للحلول محل الاحزاب الحاكمة في تلك الدول ان توجد حلاً لهذه العقدة ؛ عقدة
تأثير العلاقة الخارجية، وقد كان، فقد نجح الخطاب المعارض في تعبئة الشعوب للإطاحة
بتلك الانظمة لأنه – أي الخطاب المعارض- توصل الي صيغة للمعادلة بين المطالب
الشعبية والموقف الحكومي الرسمي، تلك المعادلة تم فيها تحييد العامل الامريكي
والاسرائيلي ، وقد سهل موقف تلك الانظمة إتمام عملية التحييد تلك .. ويلاحظ ان الحشود
التي خرجت مطالبةً برحيل رموز النظام لم تتطرق من قريب او بعيد لأمريكيا او
اسرائيل.
أما في سوريا فقد تم تحييد هذا
العامل ايضا رغم كل محاولات الاسد لإبراز متاعب نظامه علي انها مؤامرة غربية
وصهيونية..الخ، لذا نجد ان احاديث الولايات المتحدة الان عن دعم المعارضة وحتي
قيام اسرائيل بشن هجمات جوية علي دمشق تبقي ضئيلة الاثر علي المسرح السياسي في
سوريا، بينما نجد ان الانظمة التي حرصت علي ان تبقي دائماً في حالة عداء مفتوح مع
امريكيا واسرائيل (ايران نموذج مثالي عليها) نجحت في التشبث بالسلطة وذلك لأن
معارضتها لم تتمكن بعد من صياغة معادلة محلية بحتة تجعل العامل الخارجي
(الامريكي-الاسرائيلي) في حالة صفرية؛ أي في أدني تأثير له.
هذا كعامل ومؤثر خارجي، وهناك
ايضا عامل داخلي مهم وهو عامل الحركات الاسلامية، وتم تحييد هذا العامل ايضاً في
لحظة اندلاع الثورة، فتلك الحركات كانت تلعب (كما تريد لها الانظمة) دور الفزاعة
التي تخيف الشعوب وتطرد فكرة التغيير السياسسي من عقولها.. وكان الاعلام الرسمي
يصورها علي انها عدو (اجتماعي وثقافي وسياسي)وخطر ماحق وينبغي الحفاظ علي الوضع
القائم لتجنب ذلك الخطر ، صحيح ان تلك الحركات برزت بشكل واضح وكبير بعد سقوط
الانظمة بل وكانت المستفيد الاول من تلك لأنها بدأت تصل الي السلطة، الا ان
تحييدها لحظة اندلاع الثورة عاملاً رئيسياً من عوامل النجاح، بل وهي نفسها برغبة
او بدون وعي ساهمت بالسلبية التي انتهجتها لحظة الثورة في اكمال التغيير وانجاز
الفعل الثوري، فكانت لحظة تحييد العامل الامريكي والاسرائيلي والاخواني هي اللحظة
المثالية للتغيير.
في السودان تلاحظ فعلاً بعض الاختلافات (وهي
ليست اختلافات تحول دون التغيير بقدر ما تشير الي أنه سيكون نسخة مختلفة ايضاً..)
فالعامل الامريكي والاسرائيلي بلغ اقصي مدي له وتاثير في عهد هذا النظام، إذ تدخلت
امريكيا بشتي الصور والاشكال في الشأن السوداني؛ فهي ساهمت سياسياً في انهاء الحرب
(الاهلية) في الجنوب ومن ثم اسهمت ايضاً في تقسيم السودان وتفتيت وحدته..
هذا بعد ان كانت قد شنت من قبل ولأول مرة في تاريخ العلاقات بين البلدين
غارة حربية عليه (1998م) ذلك عندما اعتدت ودمرت مصنع للدواء بمدينة الخرطوم بحري،
وكذا تدخل اسرائيل عسكرياً عدة مرات كان آخرها هجومها الجوي علي مجمع اليرموك
للتصنيع العسكري بالخرطوم أواخر العام 2012م، لذا فان نظام حزب المؤتمر الوطني يسعي ويخطط للإستفادة من
حالة العداء الرسمي والشعبي لمريكيا واسرائيل التي تحرص حكومته (المؤتمر الوطني) كل الحرص علي ابقائه حاضر
بمناسبة ومن دونها حتي ابتذلته واستهلكته تماماً..
أما العامل الاخواني فالسودان من
البلدان التي تمثل حالة نادرة وفريدة إذ تسعي القوي الشعبية المعارضة فيه لإسقاط
نظام ديكتاتوري قمعي وفي ذات الوقت اسلامي/أخــواني، لذا باعتقادي ان الاوضاع هنا
مواتية تماماً لقوي التغيير بعكس ما يظن ويدعي قادة النظام حين يتحدثون عن الفرق
بين السودان ودول ربيع التغيير قائلين ان ثورات الربيع تاتي بالاسلاميين بينما
الاسلاميون يحكمون هنا فعلياً!، فالمسألة ليست من يحكم ومن يعارض؟ إنما هي امكانية
تحييد هذا العامل (الأخواني-الإسلامي) وهو في السودان ليس عاملاً مُحيداً فحسب بل
هو في الخانة السلبية ومنذ امد طويل.
إذا ان ما يحتاجه السودان وما
ينتظره ليس لحظة تحييد عامل الاخوان إنما لحظة تحييد عامل الفصائل والحركات
العسكرية المسلحة ذات الامتدادات الجهوية والقبلية.. فهذه الحركات هي التي تلعب في
السودان (دون وعي) دور الفزاعة التي تحول وتعطل أو علي الاقل تؤخر عملية التغيير
واسقاط النظام، ولو فهم قادة الحراك الشعبي هذه الحقيقة، وفهمها كذلك قادة تلك الفصائل
والحركات المسلحة، وسعوا الي تحييد هذا العامل لحرمان النظام من افضلية امتلاك كرت
الفزاعة هذا، وذلك عبر الاقرار بأن النظام لن يسقط بالعمل المسلح وإنما بالعمل السلمي المدني في المدن والقري؛ وان
دور العمل المسلح لن يغادر محطة اضعاف وارهاق النظام ولا يعدو كونه عاملاً ثانوياً
يلعب دوراً ضاغطاً يبرز فشل النظام في بسط سلطة الدولة وسيادتها علي كامل أراضيها،
وفشلها في ان يكون السلاح المرفوع هو سلاح القانون لا غيره.وأي محاولة لتمديد دوره
اكثر سيتحول بعدها من كونه عاملاً ضاغطاً للنظام ليصبح عاملاً مريحاً وضرورياً
لإستمراره.
ان لحظة تحييد الحركات والفصائل
المسلحة (الجهوية والقبلية أو حتي العقائدية منها) هي لحظة التغيير المثالية
والفعلية في السودان.
تعليقات
إرسال تعليق