التخطي إلى المحتوى الرئيسي

طريق العدالة و نضالها

 العدالة ليست مادة و موضوع للمزايدة و التسيس، و دماء و ارواح الشهداء ليست مادة للابتزاز الرخيص،،،

العاجز هو من يريد للعدالة ان تنتقم له و إن يتشفي و يثأر بالقانون!

العدالة ليست معنية بان تنتقم لأحد او تثأر له..

لا أقول لا تسألوا عن القصاص لشهداء ديسمبر-ابريل و شهداء الاعتصام انما علينا ان نفهم ان القصاص و العدالة تتطلب بناء مؤسسات عدل و انفاذ قانون اولاً، فالعدالة لن تتحقق بوجود مؤسسات ضعيفة، و المؤسسات الضعيفة لن تحول دون وقوع انتهاكات جسيمة في المستقبل كتلك الفظيعة التي ارتكبت في الماضي..

كما ان العدالة لا تتجزأ، و هي مطلوبة لكل ضحايا فشل الدولة السودانية .. مطلوبة لضحايا حرب الجنوب و انتهاكات دارفور و المناطق الثلاث و لاحداث كجبار و امري و بورتسودان و لكل ضحايا التعذيب في بيوت الاشباح..

بناء مؤسسات العدالة ليس عملاً سهلاً بحيث نقول اننا اتينا بحكومة الثورة و علي حكومة الثورة ان تكون ك(جني خاتم سليمان) نحن نأمره و هو يقول "شبيك لبيك"!

بناء دولة حكم القانون يقتضي صبر و مثابرة و دربة و دراية و يستلزم كذلك العمل علي غرس ثقافة حكم القانون عميقاً في وجدان الشعب باكمله بالتوازي مع غرسها لتصبح جزء رئيسي من مكون مؤسسات انفاذ و تطبيق القانون و من ثقافة منسوبيها.

انهاء ثقافة خرق القانون و الافلات من العقاب و اللامحاسبة غاية تستحق ان نضعها نصب اعيننا و لا ندخر في سبيلها و سعاً و لا جهدا..

فغاية دولة حكم القانون هي ضمان الاستقرار للدولة و لمكونها الاساس (الشعب) و ليست غايتها ارضاء احد او الانتقام لأحد..

و السودان دخل نفق الانهيار القانوني و متاهة غياب العدل و تفشي الظلم و ظلماته منذ امد بعيد قبل ١٩٨٩م و قبل ١٩٨٣م حتي؛ ان اكبر خرق للنظام القانوني السوداني حدث في ١٩٧٣م و بموجب احكام دستور السودان الموسوم بالدائم الذي استن في تلك السنة، ذلك الدستور هو ما هد ركن دولة القانون في السودان فهو من نقل كامل النظام العدلي و القانوني السوداني من مدرسة القانون العام الي مدرسة هجين من ارث مدونة الحقوق العثمانية و مذهب القانون القاري - اللاتيني ذو الاصل الروماني وفق اجتهادات عربية متنوعة بين مصر و سوريا و الكويت و الاردن!

لقد تم هد كامل البناء و الارث العدلي السوداني لصالح بناء غير معروف الفائدة و النفع!

و قبل ذلك نخر سوس الافلات من العقاب عبر التواطؤ و المحاباة و اخفاء الحقائق، اذ قامت الدولة الوطنية علي ركام من الشائعات التي تخفي تحتها حقائق مغيبة مع سبق الاصرار و الترصد فمنذ احداث عنبر جودة و احداث توريت اثار الساسة غبار و لغط كثيف لاخفاء الحقائق التي عملت علي اجلاءها لجان تقصي حقائق عندما كانت المؤسسات الرسمية تتحري الحق و لا تتحري الباطل (تقرير لجنة القاضي قطران) حتي قبل ان تسن الدولة قانون لجان التحقيق لسنة ١٩٥٨م العجيب انه بعد هذا القانون تم تغييب حقائق كثيرة تحت اباطيل اكثر، فملابسات تسليم السلطة للفريق عبود و ملابسات علاقة الحزب الشيوعي بانقلاب نميري و ملابسات احداث الجزيرة ابا و ملابسات انقلاب يوليو "التصحيحي!" و ملابسات مذبحة بيت الضيافة و ملابسات نقض اتفاق اديس اببا و العودة للحرب في ١٩٨٣م كلها اثير حولها لغط و ضاعت حقائقها و وقائعها القانونية و ان كانت وقائعها التاريخية ممكنة التحري..

ثقافة لجان تقصي الحقائق في السودان تم وأدها في مهدها عمداً و مع سبق الاصرار؛ و اليوم يراد للجنة اعتصام القيادة ان تنجح و قد تم توفير كل عوامل الفشل لها !! كما تم اغراق المشهد بعشرات اللجان التي لا تحصي و لا تعد فيما يشبه التعويم ! فهذه لجنة عن احداث سبتمبر ٢٠١٣م و تلك لجنة عن احداث دارفور و اخري و اخري.. لجان لا نهاية لها!

و لجنة الاعتصام التي يتولي المحامي نبيل اديب رئاستها يترصدها الجميع .. بين جناة يعملون بدأب و جِد حتي يستمر نهج اللا-حساب و اللا-مساءلة و الافلات من العقاب، و من جهة ثانية ناشطين يتخبطون ذات اليمين و ذات الشمال، يتقدمون شوط و يتراجعون اشواط! و لا يثابرون الا في البحث عن لعب دور الضحية الكاذبة و الشهيد المزيف فيما يشبه حال "التطبير"، و تلك حالة تأنيب ضمير و جلد بل وتعذيب ذات علي خطأ لم يكن من الواجب تجنبه بل كان ذلك ممكناً لكن يتم ارتكاب الخطأ عمداً حتي يتم التكفير عنه باسلوب لا يخدم احد بل يؤذي الذات فقط!

فهل لنبيل و فريقه تجربة و خبرة في تقصي الحقائق؟ و لماذا اغفلت اللجنة عنصر التواصل المستمر مع الجمهور عبر المؤتمرات الصحفية و التنوير الدوري؟ حتي لا تنشأ هوة بينها و الشعب يصعب ان لم نقل يستحيل جسرها!

يحق لنا بعد عامين علي ثورة مجيدة و مديدة مهرت دماء و ارواح و كانت العدالة في قلبها و جوهرها و كان استقلال القضاء عنوانا لأحد مواكبها.. يحق لنا ان نتساءل ما الذي تحقق في مضمار بناء مؤسسات العدالة و دولة حكم القانون؟! و لماذا تعطل مشروع قانون اصلاح مؤسسات العدالة؟ 

الا تستحق العدالة جهد اكبر من ان يكون مجرد جَند للمزايدة من "مهنيين" اثاروا الموضوع و سودوا الصفحات و شنوا حملة "لايفات" و اتضح انها كانت حملات علاقات عامة لتسويق انفسهم و سخوصهم لمناصب عدلية سامية؟! انه لأمر مؤسف حقاً..

و نتساءل لماذا يهمل رئيس الوزراء هذا الملف و كأنه ليس من اختصاصه؟ لماذا اكتفي بسلطة تعيين رئيس القضاء و النائب العام و لم يطلب منهم برنامج محدد بسقف زمني لتحقيق اهداف التغيير عدلياً؟

و لماذا تهمل الحكومة اجندة بناء دولة حكم القانون في برنامجها المعلن فيما تستحق هذه الاجندة ان تفرد لها استراتيجية خاصة بها؟!   

• مايو ٢٠٢١م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...