التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تجمع التجار و رجال الاعمال

 مايو ٢٠٢٠م

  مع تباشير الثورة و التغيير انتظمت صفوف كافة فئات الشعب السودان من اصحاب المهن "المهنيين" ما كان منهم منظم قبل الانقاذ و اثناء حكمها و ما لم يكن له تنظيم، و ظهرت بصمتهم اثناء مواكب الثورة و في أيام الاعتصام النبيل و بعده..

القطاع الوحيد الذي لم تنتظم صفوفه هو قطاع التجار و التجارة! الوحيدين الذين بان لهم اسهام و صوت هم تجار الذهب و صاغته.

مع ان التجار هو القطاع الاقدم تنظيما في السودان حتي قبل نقابات العمال و الاحزاب، تاريخ غرفة السودان التجارية و تحالف البازارات و شاهبندر التجار "شيخ السوق و سر التجار" في كل سوق من اسواق حواضر و ارياف السودان يشهد بذلك.

السبب في تاخر انتظام التجار هو ان قطاع التجار اولاً هو القطاع الأكبر و الذي يضم ملايين العاملين و هو بالتالي ليس يسير علي التنظيم، و ثانياً هو "وهذا هو الاهم" القطاع الذي تعرض لأقوي هجمة و هزة في عهد الانقاذ و تم تجريفه بشكل شبه كامل..

تم اخراج عدد كبير من التجار من سوق المنافسة عبر سياسات التمويل و الاعفاءات الجمركية و المحاباة الضريبية و تسليط سيف الرسوم و سائر الجبايات علي غير الموالين للنظام البائد..

خروج هذا العدد المهول و في حيز زمني محدود افرغ قطاع التجارة و افقده اعمدته الرئيسية من التجار الذين يعرفون اصول العمل التجاري و تقاليده و اعرافه و اخلاقه و القادرين علي تطوير القطاع و اغناء المجتمع، و ملء الفراغ تجار العهد الانقاذي من منتهزي الفرص الباحثين عن الثراء بكل وسيلة الذين كان غناهم خصماً على مهنة التجارة و علي حساب المجتمع!

في الماضي كان اثرياء السوق يسهمون في عمليات البناء الوطني "في تشييد المدارس و الجامعات و المستشفيات و محطات المياه و الكهرباء و الطرق و المساجد و الاندية الثقافية و الرياضية و الاجتماعية..الخ"، في ذلك الزمن الجميل سمعنا عن تاجر مسيحي يتكفل ببناء مسجد و آخر يسهم في تسيير خلوة لتعليم القرآن و الفقه..

كما سمعنا عن كثيرين تحولوا من تجار صغار الي رأسماليين اقتحموا دنيا النشاط الاقتصادي الزراعي و الصناعي و المالي و غيرها من الخدمات.. كما سمعنا قصص تبعث علي الفخر في تباريهم للخير و الاحسان و مساعدة المحتاجين "و لعلكم جميعاً اطلعتم علي القصة التي بطلها تاجر ود مدني الشهير ابوسنون و صديقه التاجر من القضارف".

أما في زمن الكيزان تحول تجارهم للسطو علي مستشفيات و مدارس و ميادين الشعب و حولوها ل"مستوصفات" خاصة و مدارس و جامعات خاصة وحولوا الميادين العامة لمساكن لهم و لأولادهم، و حتي المساجد التي بنوها كانت مقتصرة عليهم استغلوها كمنتديات يناقشوا فيها شواغل سلطتهم وصفقات نهب اموال المسلمين و غير المسلمين! و لم يقتحموا اي نشاط اقتصادي ينطوي علي مغامرة أو مخاطرة، بل كان دوما حافزهم هو الربح السريع و المريح و الخاص!

اننا حين نهتم بشأن تنظيم قطاع التجارة لا نبحث فقط عن مصلحة المستهلكين بل و مصلحة التجار ايضاً، فالتنظيم يعني القوة التي تحفز الاستقرار و تمهد للتطور و تقدم لقطاع الاعمال..

إن التنظيم يمكن التجار من معرفة كل ما يدور في ساحة التجارة و الاسواق ما يجعلهم في مركز أفضل لجهة اتخاذ القرار التجاري..

و التنظيم يمكن التجار من الحديث بصوت واحد مع الحكومة و مع الرأي العام و يقود لصفقات مربحة للجميع.

و التنظيم سيكون مفيداً و يمكن المشتغلين بهذا النشاط من زيادة تأثيرهم و اتصالهم بالمجتمع الذي يعملون فيه.

كما سيمكن من اصحاح بيئة العمل في الاسواق و تنظيمها بعد حالة الفوضي التي ضربتها خلال العقود الثلاثة المنصرمة و إعادة تنظيم قطاع التجارة و الاعمال من اصغر وحدة "الاكشاك" و حتي قطاع المستوردين و المصدرين و الوكلاء التجاريين لكبريات الشركات العالمية.

ان استجاب "تجمع التجار و رجال الاعمال السودانيين" لدعوتي هذه "وكلي ظن حسن في أنهم سيفعلون" فانني ادعوهم لأن يكون توثيق تجارب رواد العمل التجاري في السودان هو من أول مشاريعهم في المرحلة المقبلة.. فالتوثيق لاولئك الكرام السابقين سيحفز اللاحقين ليحذو حذوهم و يسيروا بسيرتهم فيتصل ما انقطع في سنوات الانقاذ..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم تفريغ الجامعات والمعاهد من اي مضمون واضحت الدرجات العلمية مجرد القاب مملكة في غير موضعها...     فاحاديث الرجل لا توحي بشئ في هذا المضمار.. التخصص، كما ان المعلومات المتوافرة في قصاصات الصحف ولقاءات الاذعة لم تفصح عن شئ ايضا!    السيرة الذاتية المتوافرة علي موقعي البرلمان السوداني 'المجلس الوطني' و البرلمان العربي تقول ان البروف-الشيخ حاصل علي بكالريوس العلوم في الفيزياء و ايضا بكالريوس الاداب-علوم سياسية من جامعة الخرطوم! ثم دكتوراة فلسفة العلوم من جامعة كيمبردج. اي شهادتين بكالريوس و شهادة دكتوراة. مامن اشارة لدرجة بروفسير "بروف" والتي يبدو ان زملاءه في السلطة والاعلام هم من منحوه اياها!!    سيرة ذاتية متناقضة وملتبسة تمثل خير عنوان للشخصية التي تمثلها وللادوار السياسية والتنفيذية التي لعبتها!    ابرز ظهور لشخصية الشيخ-البروف كان ابان صراع و مفاصلة الاسلاموين، حينها انحاز البروف لف

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بينها ع

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانتهازيين علي اختلاف مشاربهم ( مؤتمر وطني، و مؤتمر شعبي،اخوان مسلمين، سلفيين، سبدرات، وابوكلابيش، والراحل شدو، اتحاديين الميرغني، و حاتم السر، و الدقير، و احمد بلال، واشراقة سيد، و احزاب امة مسار، و نهار، و مبارك المهدي، وحسن اسماعيل.. الخ ) و غيرهم يحاولون جميعا تصوير الأمر علي انه يعني سقوط البشير لوحده!   البشير لم يسقط وحده، فهو يرمز لعهد باكمله، و يرمز لاسلوب في الحكم و الإدارة وتسيير الشأن العام ( السياسة )، و بسقوطه سقط مجمل ذلك العهد و اسلوب الحكم و السياسة و الادارة..   و سقط ايضا كل من اعانوه او اشتركوا معه و كانوا جزء من نظامه في اي مرحلة من مراحله المقيتة. و حين تقوم مؤسسات العدالة وتنهض لاداء دورها سيتم تحديد المسؤوليات بدقة و بميزانها الصارم و سيتم توضيح ( من فعل ماذا؟ و من تخاذل متي؟ ). البشير لم يحكم وحده حتي وان استبد في اخريات ايامه و سنوات، بل كان له مساعدون و اعوان في ذلك الاستبداد و داعمين لان