التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تركة البشير المثقلة

بعد ثلاثين عام في السلطة قضي ثلثها في ظل الشيخ حسن الترابي و ثلثها الثاني متقلبا بين 'النائب' علي عثمان محمد طه و 'المساعد' نافع علي نافع وتمكن في الثلث الأخير من الانفراد بالسلطة .. تم خلع البشير بثورة شعبية تعد مدرسة في نضال الشعوب بسلمية و دون اللجوء لمواجهة عنف دولة العصابات بعنف مضاد بل بمزيد من السلمية.
حكم الثلاث عقود هذا خلف تركة مثقلة بالمشاكل و مستغرقة بالأزمات ستجد الحكومة الانتقالية والتي تأتي بعدها انها مضطرة للتعامل معها و ايجاد حلول اسعافية للبعض و دائمة لأخري.
اول تلك الازمات الاقتصاد المتداعي، فالتضخم في تصاعد متوالي و الأجور والرواتب في تدني مضطرد و فرص العمل اندر من لبن الطير!
الدين الخارجي يفوق اجمالي الناتج القومي بنحو خمسة اضعاف و فوائد ذلك الدين اضحت اكبر من أصله! 
القطاع العام مفكك و متخبط والقطاع الخاص مشلول بسبب مشاكل بعضها جيني يتعلق بطبيعة القطاع العام السوداني و بعضها خلقته ادارة الدولة خلال العقود الثلاث.. النشاط الصناعي في اضعف حالاته و الزراعة تسير بجهد المزارعين وحدهم وهي زراعة في حدود الكفاف او اقل بمستوي بدائي يذكر بعصر الجمع والالتقاط والصيد! و قطاع المال والاعمال تعصف به فوضي تعود لعصور تجارة القوافل!
جهاز ادارة الدولة المدني متحلل و منحل و غارق في الفساد و المحسوبيات والجهاز العسكري في اسوء درجات الجاهزية و الانضباط.
خدمات التعليم والصحة والنقل والاتصالات والائتمان البنكي في حالة من التدهور المريع يصعب الاحاطة بكل ابعادها!
الجهاز العدلي و المنظومة التشريعية في حالة فوضي مقيمة و طلب الانصاف من جهاز الدولة اصبح كطلب الشئ عند فاقده!
علاقات البلد الخارجية في حالة مربكة للوطن و للدول الاخري؛ فالتحالفات تنعقد حول اكواب القهوة و تنفض في موائد الغداء و ما عادت كثير من الدول تلقي بالا لما يقوله مسؤولي حكومة الخرطوم!
هذه التركة لا يمكن لحكومة انتقالية ان تدييرها بمفردها بل لابد ان يجند لها الشعب بأسره نفسه لحلها مثلما و جند نفسه لاسقاط سلطة البشير..
ان دور المجتمع في المرحلة القادمة 'الانتقالية' لا يقل عن أهمية دور القوي السياسية و الحكومة نفسها.
و حكومة انتقالية عادية 'حكومة تسيير و تصريف اعمال' لن تصمد امام عاصفة الأزمات تلك بل يتطلب الأمر كوادر من التي لها حذق التأسيس لا مجرد التصريف. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...