التجمع الغامض الذي اسقط البشير
بعد ان اشتعلت شرارة الاحتجاجات ضد سياسات حكومة البشير الاقتصادية و ضد الغلاء الطاحن في منتصف ديسمبر 2018م و سقط عشرات القتلي شهداء في مدن عطبرة والقضارف وبربر و كريمة و دنقلا .. دخل تجمع المهنيين السودانيين علي خط الاحتجاجات مدفوعا باصوات الناشطين علي مواقع التواصل الاجتماعي.
قبل هذا الدخول كان التجمع حديث التشكيل و الذي لم يسمع عنه او به الكثيرون ( هناك تضارب في تاريخ تشكله الذي يرجعه البعض الي العام 2013م واخرون الي السنة التي تليه 2014م، تصادف مع ذلك ان قامت مجموعة من المحامين بتشكيل قائمة للمنافسة في انتخابات النقابة بمسمي قائمة المحامين المهنيين تقدمت بتصور مختلف ونادت بان تجري الانتخابات بشكل فيدرالي بدلا عن الاسلوب المركزي الذي ظلت تجري به.
بينما كانت قمة نشاط تجمع المهنيين السودانيين في بدايات العام 2018م حين اصدر دراسة خلصت الي ان الحد الأدني المجزي للأجور يجب الا يقل عن 8 الف جنيه سوداني؛ كما نظم سمنار بالتعاون مع احدي لجان البرلمان لذات الغرض.. )
كان للحديث عن الاقتصاد و اجور العمال دور ليتنبه الكثيرون لهذا الجسم النقابي ولما يقوله و لما يدلي به من بيانات و تصريحات!
كان التجمع يخطط سلفا لوقفة منادية بزيادة الأجور امام مقر البرلمان بامدرمان يوم 25 ديسمبر، لكن ومع تزايد الاحتجاجات و تزايد قمع اجهزة الامن وسقوط عشرات القتلي والمصابين و اعتقال المئات و مع تعالي الاصوات التي تدعو الجميع للانخرط في موجة الرفض الشعبي استجاب التجمع و قرر تسيير الموكب الي القصر الجمهوري بالخرطوم لتسليم مذكرة تطالب الرئيس بالتنحي الفوري، و بعد الاستجابة الكبيرة من الجماهير انخرط التجمع في سلسلة من الفعاليات الاحتجاجية ( 31ديسمبر و 9 يناير..الخ ) مع تنويع في اساليب و اماكن الاحتجاج، و مع تصاعد لافت و استجابة متزايدة..
و اعتبارا من منتصف يناير اضحي التجمع رقما في الشأن العام السوداني لا يمكن اهماله و تردد اسمه في قنوات العالم الاخبارية؛
حينها اضطر الاعلام الرسمي/ الحكومي و الجهاز السياسي لحكومة المؤتمر الوطني و جهازها الامني ايضا للتعامل مع الاحتجاجات ومع الداعي لها والمنظم ( تجمع المهنيين السودانيين ) و كان اسلوب تلك الجهات يعتمد علي التقليل من شأن هذا الجسم و وصمه بكل ما من شأنه الاستخفاف به لينفض الناس من حوله فوصفوه بأنه تشكيل يلفه الغموض تارة و بأنه صنيعة شيوعية و اجنبية و موالي للحركات المسلحة تارة اخري!
كانت اجهزة الدولة الامنية و الاعلامية تسخر من الشباب و تزعم انهم يتبعون جسم غامض بلا قيادة معروفة وبلا كاريزما و بلا اهداف واضحة!
لم يدر بخلدهم ان ما يحدث علي الأرض هو ثورة شعب و ثورة الشعب لا تحتاج قائد بكاريزما فلكل مشارك كاريزمته و دوره و تأثيره و الهامه و كل شخص يمكن ان يكون قائد، كلنا لاحظنا اثناء المواكب التي خرجت ان القرارات تتخذ علي الأرض و تصدر من هنا و من هنا و كلها تصب باتجاه واحد وبتناسق و انسجام مذهل و لاحظنا الطرق الحضارية و المدنية الراقية في الاحتجاج و التي حازت اعجاب مراقبين من جميع اقطار العالم..
لأربعة اشهر فشلت كل تكتيكات جهاز امن و ساسة و اعلاميي المؤتمر الوطني في كبح او تحجيم التظاهرات والاحتجاجات والثورة وبالمقابل كانت قدرة اجهزة القمع تضعف و تتآكل حتي اتي اليوم المشهود ( 6 ابريل ) و حينها خرجت الملايين باتجاه القيادة فانهارت مليشيا القمع ( كتائب الظل ) و الامن و الشرطة و طوقت الجماهير قيادة الجيش و واجهتها بدورها و مسؤوليتها التاريخية و رغم تأخر استجابة القيادة العليا للجيش الا ان تلاحم الجنود و الضباط الشبان مع شباب الثورة حسم الخيار لصالح الشعب و لصالح مستقبل الوطن.
و بذا فان الكيان الذي وصموه
بالغموض و استخفوا به كان هو ربان الثورة والحراك الذي اطاح بالبشير و حكومته التي خبرت كل الازمات و المواجهات لكنها لم تدخل من قبل في مواجهة كهذه مع الشعب بأكمله متحدا ومتجاوزا كل الانقسامات التي غرستها حكومة البشير في السابق و متمسكا بخيار السلمية برغم كل العسف، و بقيادة شبابية تتسم بالطاقة والحيوية المتجددة و الصبر و المثابرة و اليقين بحتمية النصر.
دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...
تعليقات
إرسال تعليق