التخطي إلى المحتوى الرئيسي

التوجه الاسلامي.. لماذا نعارضه؟!

   النموذج الاسلامي في الحكم 'او الاسلاموي علي الأصح اي النسبة تجاوزا للاسلام' عارضنا ونعارض تطبيقه مذ كان مجرد شعارات ليس لها اي اثر في واقع الممارسة علي الارض لأننا؛ رأينا انه شعار زائف سيقود الي ممارسة مجهولة العواقب، فليس ثمة نموذج قريب في عهد الدولة المعاصرة والمجتمع الحديث يمكن القياس عليها، وان مصائر الأمم والشعوب لا يجوز ان تترك لسياسيين ينتحلون صفة انبياء فيقوموا بتجريب اهواءهم! ويكون كل شئ عرضة للخطأ والصواب!
   عارضناه منذ كان مجرد توجه بلا ملامح واضحة، وبعد ان بانت ملامحه الشائهة بعد تطبيق شعاراته في ايران والسودان وتركيا وماليزيا وغزة وباكستان وافغانستان.
   الدولة الحديثة للمجتمعات 'القومية-الوطنية' بتعقيداتها الإثنية والدينية والمذهبية و اللغوية لا تحتمل تجريب نماذج انقضت علي اخر تجربة لها اربعة عشر قرنا! والتجارب التي اعقبت تلك التجربة واخرها الخلافة العثمانية 'الامبراطورية التركية' كانت مثالبها اكثر من ميزاتها، علاوة علي انها لم تجد اي حظ من النقد السياسي او الاكاديمي.
فما طرح من شعارات تحت لافتة التوجه الاسلامي في الحكم و اسلوب الحياة خاطب الاهواء و الحنين للماضي 'النوستالجيا' وأي ماضي؟ ماضي نقل بروايات شفاهية في معظمه او كتب سميت كتب تاريخ تجاوزا و التاريخ كعلم برئ منها! فالتاريخ ليس قصص نثر للفخر بل احداث موثقة المصادر وحقائق لا تقبل التكذيب؛ ما طرح خاطب الاهواء ولم يخاطب معطيات الواقع و احتياجاته!
   من الاسباب التي دفعتنا وتدفعنا لرفض و مقاومة التوجه والنموذج الاسلامي للحكم والدولة:
  أولا: انه توجه يؤدي لاقامة دولة دينية، والدولة الدينية في العصر الحديث نموذج واسلوب مرفوض؛ فهذا عصر المواطنة الذي يقتضي المساواة بين الجميع في الحقوق و الواجبات، بينما الدولة الدينية تعني بالضرورة التفاضل والتمييز فاتباع الديانة'المفضلة' لدي الدولة سيكونون بالضرورة مفضلون ومقدمون علي غيرهم بينما سيكون البقية مواطنون من درجة اقل! بل هو اسلوب لتمييز الحاكم عن المحكومين "الرعية" اذ لا يملكون سلطة محاسبته او عزله ان دعت الحاجة، وهذا يعني بالضرورة انهم ليسوا مواطنين بل 'اهل ذمة / او اهل عهد'!! وان حقوقهم منتقصة.
   تقتضي الدولة الدينية تطبيق قوانين دينية و دستور ديني ! ومنظومة القوانين الدينية في العصر الحديث تعتورها كثير من الاشكالات اقلها انها غير متسقة مع ذاتها فثمة قوانين بطبيعتها لا اساس ديني لها 'قوانين الشركات والتأمين والملكية الفكرية و المرور'!؟
وهنا 'في السودان' وقفنا علي كيف تنتهي دولة الشريعة الي دولة 'لا قانون'؟!!
  ثانيا؛ الشعار المرفوع بخصوص اقتصاد اسلامي و صيرفة وبنوك اسلامية ليس الا شعار بلا مضمون، فالاقتصاد علم و العلم بالضرورة يخضع لقواعد وضعية لادينية اما الاقتصاد 'الديني' الاسلامي فبلا قواعد وضعية يمكن الاحتكام لها كما ان تجربة البنوك الاسلامية تقدم نموذج بلا ضوابط يمكن القياس عليها.. وبلا تجربة سابقة فليس للدولة الاسلامية التاريخية نظام مصرفي!
  ثالثا؛ النهج او التوجه الاسلامي يهمل القوانين والنظم واللوائح المحاسبية وضوابط الشفافية و يعول علي ايمان وخوف كادره من عقاب الآخره في نظافه يده و طهر ذمته!
   ان فلسفة الدولة الحديثة لا تقوم علي خوف العقاب بقدر ما تقوم علي فعل ما هو صائب لما هو عليه 'فعل الصواب لذاته' فالقيام بالعمل الصحيح لا يحتاج لحوافز او مبرر، ثم علي الشفافية والوضوح 'حرية التعبير والنشر'.
  رابعا؛ الدولة في هذا العصر 'عصر الدولة الحديثة' تقوم علي مبدأ العلاقات بين الاجهزة 'المؤسسات' لا بين افراد واشخاص طبيعيين لذا تم ابتكار 'الشخصية الاعتبارية' او الشخص المعنوي، والفقه الديني لا يعرف ولا يستوعب هذا المعني.
  خامسا؛ التوجه الاسلامي لم يجيب علي سؤال تداول السلطة؛ بل هو لم يطرحه من الاساس! اذ ليس في الفقه السياسي الاسلامي 'السياسة الشرعية والاحكام السلطانية' ما يقرر نمطا معينا للوصول للسلطة و انتهاء ولايتها، انما حديث عن شوري و 'غلبة'، صحيح ان الحركات الاسلاموية خاضت مؤخرا انتخابات تعددية في تركيا وتونس و فلسطين لكنها لا تراعي كل قواعد الممارسة الديمقراطية وليس ثمة ضمان ان تتنكب طريق الانقلابات والاستيلاء علي السلطة بالتغلب و انتزاعها عنوة!
   لهذه الاسباب مجتمعة 'وكل واحد منها باستقلال يمثل سبب كاف' عارضنا ما سمي بالتوجه الاسلامي وسنظل نعارضه حتي يستبين قومنا اسباب تخلفنا و يعرفوا سبيل التقدم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...