التخطي إلى المحتوى الرئيسي

"الإنتكابات" أو الانتخابات غير الديمقراطية

  هل تصح تسمية ماجري في روسيا مؤخرا و ما جري ويجري من عمليات مماثلة في ايران وتركيا والسودان ومصر ب"اقتراع و انتخابات"؟!
   هي عمليات يعرف عنها ان نتائجها معدة مسبقا و مجهزة بدقة ولا هامش للتنبوء فيها ولا للخطأ ولو بنسبة كسر مئوي! كل شئ مرتب و معد في غرف المخابرات واﻷجهزة الامنية و "سكرتارية" الحزب الحاكم واجهزة الادارة المدنية الخاضعة بالكامل للمجموعة الحاكمة في اي بلد من تلكم البلدان.
   تلك انتخابات لا تمت للديمقراطية بصلة نسب ولو ضئيلة، فهي دول وحكومات تفتقر لأساسيات مبدأ حكم القانون "سيادة القانون وانطباقه علي الجميع واستيفاءه قبل ذلك لشرط الوضوح و امكانية الوصول له و لاليات انفاذه ومراعاته لمواثيق حقوق الانسان...الخ". كما تفتقر للشفافية ولاستقلال الاجهزة وانفصالها وتوزيع السلطات والصلاحيات بينها..الخ. بل لا وجود لمؤسسات انما هي اشكال كل الاصنام لا حول لها ولا قول وكل السلطات في يد رجل واحد!
ثم ان عملية تحديد الناخبين والمرشحين و الادلاء بالاصوات والفرز واعلان الفائزين كلها لا تتم بدقة ولا بعدالة.. فهل يجوز تسمية تلك العمليات بانتخابات او اقتراع؟!
   الطريف انني حضرت عملية "انتخابية" في جنوب السودان ( 2010م ) وكان الجنوبيين ولاعتبارات منظومة الحروف الهجائية الخاصة بهم و اللكنة يلفظونها "انتكابات" وهي بحق انتكابات بتصريف نكبة، لكونها عملية تجري في اتون نكبات وطنية في كل تلك البلدان، ولا يسفر عنها دوما الا تعميق تلك النكبات والبعد بها عن اي احتمال تسوية او حل!
وما يجري من اقتراع ليس له صلة بالقرعة "تساوي حظوظ المرشحين في الفوز والاحتكام في ذلك لارادة الناخبين الحرة" بل ربما يكون تصريف قرع "ثمرة نبات" والاقتراع ربما هو تقطيع القرع وعلي الناخبين انتظار نتيجة العملية وتناول القرع سواءا كانت مطبوخ او مقلي او تحلية "مربة"!! دون تذمر ولا احتجاج او مجرد سؤال.
   في كل الدول المذكورة "وهي علي سبيال المثال لا الحصر" روسيا و تركيا وايران والسودان ومصر؛ تجد علامة مشتركة وهي القبضة الامنية، لا مجال لحديث عن حريات اساسية او سياسية، كل شئ يتم برجاء سماح وحلم السلطات علي سبيل المنحة لا الحق! في كل تلك الاجهزة فان الحاكم بأمره ليس هو الشعب ولا الحزب بل الاجهزة الامنية والمخابراتية التي تتواطأ معها ذمرة من المدنيين "السكرتارية السياسية" ليشكلوا معا مافيا الحكم التي تصب مجمل الافعال والاوامر والنواهي في مصلحتها وجيبها مباشرة.
ثم تختلف بعضها في ان العنصر المهم بعد القبضة الامنية في دول "الانتكابات" تلك هو اما ان تكون القومية المنغلقة كما في روسيا حيث يتم اللعب علي وتر اثارة الشعور والنعرة القومية المستعلية علي الاقليات والاجانب والدول المحيطة والبعيدة؛ او الايدلوجيا الدينية كما في السودان "حيث يتم الرهان علي اعلاء التعصب الديني" او هو مزيج من الخيارين "الايدولوجيا القومية والدينية معا" كما في تركيا و إيران.
   مصر هي الاستثناء، ةهي اقرب ماتكون لنموذج الجزائر "بوتفليقة" ففي كلا البلدان تخف وتيرة التعصب القومي او الديني؛ ذلك الاستثناء منحته ثورة يناير لمصر وقد كانت قبله تلعب علي وتر التطرف الديني مستعينة بجماعة الاخوان المسلمين كشريك من خارج السلطة "Out source" تستخدمه لتبقي المجتمع منقسم علي ذاته وسهل السيطرة عليه، لكن بعد تجربة حكم الاخوان المباشر و انقلاب الاجهزة الامنية واستعادة سلطتها انفرطت تلك العلاقة ولم تتشكل صيغة جديدة بعد، فالرئيس السيسي لا يزال يحكم معتمدا علي كاريزمته الشخصية وبلا حزب "سكرتارية سياسية"!! الفرق بين السيسي و بوتفليقة ان الاخير يرتكز علي ارث تاريخي لجبهة التحرير الوطني والتي تحولت لجهاز بيروقراطي ضخم وفاعل ويعتمد عليه، فهل يعيد السيسي احياء ارث حركة 23 يوليو؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم تفريغ الجامعات والمعاهد من اي مضمون واضحت الدرجات العلمية مجرد القاب مملكة في غير موضعها...     فاحاديث الرجل لا توحي بشئ في هذا المضمار.. التخصص، كما ان المعلومات المتوافرة في قصاصات الصحف ولقاءات الاذعة لم تفصح عن شئ ايضا!    السيرة الذاتية المتوافرة علي موقعي البرلمان السوداني 'المجلس الوطني' و البرلمان العربي تقول ان البروف-الشيخ حاصل علي بكالريوس العلوم في الفيزياء و ايضا بكالريوس الاداب-علوم سياسية من جامعة الخرطوم! ثم دكتوراة فلسفة العلوم من جامعة كيمبردج. اي شهادتين بكالريوس و شهادة دكتوراة. مامن اشارة لدرجة بروفسير "بروف" والتي يبدو ان زملاءه في السلطة والاعلام هم من منحوه اياها!!    سيرة ذاتية متناقضة وملتبسة تمثل خير عنوان للشخصية التي تمثلها وللادوار السياسية والتنفيذية التي لعبتها!    ابرز ظهور لشخصية الشيخ-البروف كان ابان صراع و مفاصلة الاسلاموين، حينها انحاز البروف لف

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بينها ع

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانتهازيين علي اختلاف مشاربهم ( مؤتمر وطني، و مؤتمر شعبي،اخوان مسلمين، سلفيين، سبدرات، وابوكلابيش، والراحل شدو، اتحاديين الميرغني، و حاتم السر، و الدقير، و احمد بلال، واشراقة سيد، و احزاب امة مسار، و نهار، و مبارك المهدي، وحسن اسماعيل.. الخ ) و غيرهم يحاولون جميعا تصوير الأمر علي انه يعني سقوط البشير لوحده!   البشير لم يسقط وحده، فهو يرمز لعهد باكمله، و يرمز لاسلوب في الحكم و الإدارة وتسيير الشأن العام ( السياسة )، و بسقوطه سقط مجمل ذلك العهد و اسلوب الحكم و السياسة و الادارة..   و سقط ايضا كل من اعانوه او اشتركوا معه و كانوا جزء من نظامه في اي مرحلة من مراحله المقيتة. و حين تقوم مؤسسات العدالة وتنهض لاداء دورها سيتم تحديد المسؤوليات بدقة و بميزانها الصارم و سيتم توضيح ( من فعل ماذا؟ و من تخاذل متي؟ ). البشير لم يحكم وحده حتي وان استبد في اخريات ايامه و سنوات، بل كان له مساعدون و اعوان في ذلك الاستبداد و داعمين لان