ثلاثة عقود انقضت منذ ان اعلن ائتلاف الضباط وحزب الجبهة الاسلامية استيلاءه علي السلطة باسم مجلس الانقاذ الوطني.. عقود جرت فيها مياه كثيرة تحت الجسور، وتغيرت امور علي المستويين 'السياسة الداخلية والخارجية'،
بذات القدر بقيت بعض الامور علي حالها في اتون تلك التقلبات والتغييرات، ففي الثلاثين من يونيو 89 لم يكن البشير هو الحاكم الفعلي والمقرر الحقيقي وانما كان مجرد سكرتير انقلابي لمراكز قوي متعددة من ضمنها العراب الشيخ الترابي و المجموعة الامنية الضيقة التي تبقت بعد حل تنظيم الاسلاميين اضافة لجنرالات المجلس الانقلابي و كبار قادة القوات المسلحة التي ظل كل ما جري يتم باسمها و ختمها وديباجتها.
بمرور الزمن تجمعت كل السلطات السياسية والعسكرية والامنية في يد البشير وحده، لم يتم ذلك سريعا وانما علي مراحل متباعدة ونتيجة صراعات بعضها ظاهر والآخر خفي وكان اخرها احالة النائب علي عثمان و المساعد نافع علي و الوزير النافذ جدا عوض الجاز الي التقاعد التنفيذي بعد تقليص نفوذهم وطموحهم السياسي.
اعتبارا من ديسمبر 2013م فقط اصبح البشير هو 'الحاكم العام' للسودان مستعينا بآخر رفاقه الذي بقي في المشهد بعد ان تم ترفيعه لمنصب نائب الرئيس و اعادة استحداث منصب رئيس الوزراء !
اما من حيث المحتوي والموضوع يجدر التأكيد علي ان الاسلاميين لم يستولوا علي السلطة دفعة واحدة في يونيو 1989م انما استغرقت مسيرتهم نحو التمكين عدة سنوات قبله اذ بدأت تحدبدا في 1977م عقب المصالحة السياسية بين الاحزاب التقليدية والدينية مع نظام جعفر نميري؛ وكانت ابرز محطاتهم فيه تأسيس البنية الاقتصادية والقانونية لمرحلة حكمهم 'بنك فيصل و ديوان الزكاة ومنظمة الدعوة الاسلامية و سن قانون العقوبات وقانون اصول الأحكام القضائية اللذان اسسا لمرحلة الحكم الاسلامي'.
منذ ذلك التاريخ لم يتغير الكثير؛ اذ لا تزال الحريات السياسية مصادرة ولا تزال حقوق الانسان في ذيل اهتمام الحكومة، كما لا تزال الدولة تدار اقتصاديا وقانونيا لصالح دوائر ضيقة و مقربة من مركز القرار..
بقيت امور كثيرة علي حالها منذ عهد الرئيس نميري الذي نصبه الاخوان المسلمين في السودان اماما للمسلمين 'كيف لا وهو من اسلم اليهم قياد المجتمع والدولة'، فالنميري انشاء بنك فيصل 'اول بنك للتمويل الاسلامي' بموجب قانون خاص، ولا يزال البنك يعمل بموجب هذا الحكم ! مع العلم بأن البنوك في الاساس تنشأ كشركات وتخضع لقانون الشركات وليس بموجب قانون خاص، كما أنشأ النميري منظمة الدعوة الاسلامية ايضا بموجب قانون خاص مع ان المنظمة الطوعية المدنية تنشأ بموجب قانون العمل الطوعي 'ما يعني ان بنك فيصل و منظمة الدعوة يحظيان بغطاء وكأنها هيئات حكومية !!' ولا تزال تينك الجهتين تحظيان بالحماية وفق ذاك الوضع الشاذ.
مما تبقي ايضا من قرارات الانقاذ الغابرة قرار ضم منصب النائب العام لوزير العدل، وقد كان الحال علي هذا النحو طيلة العقود الثلاث التي انصرمت، قد لا يفهم حتي بعض المختصين الحكمة من فصل المنصبين لهؤلاء نقول ان منصب الوزير منصب سياسي ولكون الوزارة عالية الحساسية لاتصالها بالانصاف فان الصلة بين الوزير و الجهاز المدني لها خصوصية ادق من التي لبقية الوزارات فالنائب العام هو المستشار القانوني للدولة و ليس للحكومة وهو من يسهر علي تطبيق القوانين بعدالة وعلي سيادة حكم القانون، بينما يمكن اعتبار الوزير مستشار قانوني للحكومة ويختص باجراءات سن وتشريع القوانين وهو حلقة الوصل بين الجهازين التنفيذي و التشريعي كما يعمل بصورة لصيقة مع السلطة القضائية المستقلة فهو من ينسق موزانتها فاعضاء الجهاز القضائي لا يمثلون امام البرلمان ولا وزارة المالية انما ينوب عنهم وزير العدل ويتفاوض باسمهم فيما يتصل بالمخصصات المالية.
مؤخرا قررت الحكومة العودة لنظام فصل وزارة العدل عن النائب العام .. لكن لا يزال النائب العام غير مستقل فمن مقتضيات استقلال النائب العام ان يتم تعيينه من داخل جهاز النائب العام بالانتخاب الذي يشارك فيه كبار المستشارين 'Senior' كما يجب الا يخضع التنسيب للجهاز الا اي اعتبار عدا الاهلية المهنية و الا تتدخل اي جهة سياسية او امنية او ادارية في عملية الاختيار لشغل وظائف مدخل الحدمة فيه.
ما قيل بحق النائب العام يصدق بشأن السلطة القضائية و عدد من الهيئات التي يفترض فيها قدر من الاستقلالية كهيئة التلفزيون والاذاعة القومية و مؤسسات التعليم العالي 'الجامعات و العاهد البحثية'..الخ فكلها مؤسسات ينبغي ان تأتي ادارتها بالترقي والانتخاب الداخلي وليس بالتعيين والترضيات.
ايضا كان النميري قد أصدر قانون الزكاة و وضعها تحت امرة جهاز الدولة البروقراطي اسوة بالاوقاف ووو، وكل هذه الامور الدينية الاسلامية ينبغي ان توضع تحت رعاية مجلس مدني اسلامي طوعي تمثل فيه كل الطوائف والطرق و الفرق الاسلامية..
من القرارات التي صدرت اوائل عهد الانقاذ ولا تزال سارية بصورة ما؛ قرار تبعية منظمة الهلال الاحمر للحكومة، مع العلم بأن الهلال الأحمر يتبع فنيا واخلاقيا للجنة الدولية للصليب الاحمر ويعتمد في صورته علي الحياد و الاستقلالية وعدم الانحياز نسبة للدور الحساس الذي يطلع به في اتون الحروب والنزاعات، وعلي ما يبدو ارتأي الانقلابيون ان معظم المتطوعين في المنظمة ينتمون لتيار لليسار فقرروا تصفية هذا الوجود واحلال عناصرهم مكان هؤلاء؛ علي كل حال بقي هذا الوضع الشاذ طيلة العقود الثلاث الماضية، وماعاد الهلال الاحمر منظمة مجتمع مدني طوعي وانما جهاز شبه حكومي.
كذا قرار حظر التجوال ليلا، وبرغم انتفاء مبررات القرار و الغاءه بحكم الواقع الا ان اعتياد الناس علي ما يبدو للخلود الي الأسرة باكرا فرض واقعا جديدا، او ربما استمرار الطوارئ نتيجة الحروب الاهلية جعل الافراد يطبقون الاحكام العرفية من تلقاء ذاتهم!
ولا يزال قرار تقييد الحفلات الساهرة بقيد الحادية عشر مساء ساريا و ذاك من قرارات الايام الاولي ايضا.
بذات القدر بقيت بعض الامور علي حالها في اتون تلك التقلبات والتغييرات، ففي الثلاثين من يونيو 89 لم يكن البشير هو الحاكم الفعلي والمقرر الحقيقي وانما كان مجرد سكرتير انقلابي لمراكز قوي متعددة من ضمنها العراب الشيخ الترابي و المجموعة الامنية الضيقة التي تبقت بعد حل تنظيم الاسلاميين اضافة لجنرالات المجلس الانقلابي و كبار قادة القوات المسلحة التي ظل كل ما جري يتم باسمها و ختمها وديباجتها.
بمرور الزمن تجمعت كل السلطات السياسية والعسكرية والامنية في يد البشير وحده، لم يتم ذلك سريعا وانما علي مراحل متباعدة ونتيجة صراعات بعضها ظاهر والآخر خفي وكان اخرها احالة النائب علي عثمان و المساعد نافع علي و الوزير النافذ جدا عوض الجاز الي التقاعد التنفيذي بعد تقليص نفوذهم وطموحهم السياسي.
اعتبارا من ديسمبر 2013م فقط اصبح البشير هو 'الحاكم العام' للسودان مستعينا بآخر رفاقه الذي بقي في المشهد بعد ان تم ترفيعه لمنصب نائب الرئيس و اعادة استحداث منصب رئيس الوزراء !
اما من حيث المحتوي والموضوع يجدر التأكيد علي ان الاسلاميين لم يستولوا علي السلطة دفعة واحدة في يونيو 1989م انما استغرقت مسيرتهم نحو التمكين عدة سنوات قبله اذ بدأت تحدبدا في 1977م عقب المصالحة السياسية بين الاحزاب التقليدية والدينية مع نظام جعفر نميري؛ وكانت ابرز محطاتهم فيه تأسيس البنية الاقتصادية والقانونية لمرحلة حكمهم 'بنك فيصل و ديوان الزكاة ومنظمة الدعوة الاسلامية و سن قانون العقوبات وقانون اصول الأحكام القضائية اللذان اسسا لمرحلة الحكم الاسلامي'.
منذ ذلك التاريخ لم يتغير الكثير؛ اذ لا تزال الحريات السياسية مصادرة ولا تزال حقوق الانسان في ذيل اهتمام الحكومة، كما لا تزال الدولة تدار اقتصاديا وقانونيا لصالح دوائر ضيقة و مقربة من مركز القرار..
بقيت امور كثيرة علي حالها منذ عهد الرئيس نميري الذي نصبه الاخوان المسلمين في السودان اماما للمسلمين 'كيف لا وهو من اسلم اليهم قياد المجتمع والدولة'، فالنميري انشاء بنك فيصل 'اول بنك للتمويل الاسلامي' بموجب قانون خاص، ولا يزال البنك يعمل بموجب هذا الحكم ! مع العلم بأن البنوك في الاساس تنشأ كشركات وتخضع لقانون الشركات وليس بموجب قانون خاص، كما أنشأ النميري منظمة الدعوة الاسلامية ايضا بموجب قانون خاص مع ان المنظمة الطوعية المدنية تنشأ بموجب قانون العمل الطوعي 'ما يعني ان بنك فيصل و منظمة الدعوة يحظيان بغطاء وكأنها هيئات حكومية !!' ولا تزال تينك الجهتين تحظيان بالحماية وفق ذاك الوضع الشاذ.
مما تبقي ايضا من قرارات الانقاذ الغابرة قرار ضم منصب النائب العام لوزير العدل، وقد كان الحال علي هذا النحو طيلة العقود الثلاث التي انصرمت، قد لا يفهم حتي بعض المختصين الحكمة من فصل المنصبين لهؤلاء نقول ان منصب الوزير منصب سياسي ولكون الوزارة عالية الحساسية لاتصالها بالانصاف فان الصلة بين الوزير و الجهاز المدني لها خصوصية ادق من التي لبقية الوزارات فالنائب العام هو المستشار القانوني للدولة و ليس للحكومة وهو من يسهر علي تطبيق القوانين بعدالة وعلي سيادة حكم القانون، بينما يمكن اعتبار الوزير مستشار قانوني للحكومة ويختص باجراءات سن وتشريع القوانين وهو حلقة الوصل بين الجهازين التنفيذي و التشريعي كما يعمل بصورة لصيقة مع السلطة القضائية المستقلة فهو من ينسق موزانتها فاعضاء الجهاز القضائي لا يمثلون امام البرلمان ولا وزارة المالية انما ينوب عنهم وزير العدل ويتفاوض باسمهم فيما يتصل بالمخصصات المالية.
مؤخرا قررت الحكومة العودة لنظام فصل وزارة العدل عن النائب العام .. لكن لا يزال النائب العام غير مستقل فمن مقتضيات استقلال النائب العام ان يتم تعيينه من داخل جهاز النائب العام بالانتخاب الذي يشارك فيه كبار المستشارين 'Senior' كما يجب الا يخضع التنسيب للجهاز الا اي اعتبار عدا الاهلية المهنية و الا تتدخل اي جهة سياسية او امنية او ادارية في عملية الاختيار لشغل وظائف مدخل الحدمة فيه.
ما قيل بحق النائب العام يصدق بشأن السلطة القضائية و عدد من الهيئات التي يفترض فيها قدر من الاستقلالية كهيئة التلفزيون والاذاعة القومية و مؤسسات التعليم العالي 'الجامعات و العاهد البحثية'..الخ فكلها مؤسسات ينبغي ان تأتي ادارتها بالترقي والانتخاب الداخلي وليس بالتعيين والترضيات.
ايضا كان النميري قد أصدر قانون الزكاة و وضعها تحت امرة جهاز الدولة البروقراطي اسوة بالاوقاف ووو، وكل هذه الامور الدينية الاسلامية ينبغي ان توضع تحت رعاية مجلس مدني اسلامي طوعي تمثل فيه كل الطوائف والطرق و الفرق الاسلامية..
من القرارات التي صدرت اوائل عهد الانقاذ ولا تزال سارية بصورة ما؛ قرار تبعية منظمة الهلال الاحمر للحكومة، مع العلم بأن الهلال الأحمر يتبع فنيا واخلاقيا للجنة الدولية للصليب الاحمر ويعتمد في صورته علي الحياد و الاستقلالية وعدم الانحياز نسبة للدور الحساس الذي يطلع به في اتون الحروب والنزاعات، وعلي ما يبدو ارتأي الانقلابيون ان معظم المتطوعين في المنظمة ينتمون لتيار لليسار فقرروا تصفية هذا الوجود واحلال عناصرهم مكان هؤلاء؛ علي كل حال بقي هذا الوضع الشاذ طيلة العقود الثلاث الماضية، وماعاد الهلال الاحمر منظمة مجتمع مدني طوعي وانما جهاز شبه حكومي.
كذا قرار حظر التجوال ليلا، وبرغم انتفاء مبررات القرار و الغاءه بحكم الواقع الا ان اعتياد الناس علي ما يبدو للخلود الي الأسرة باكرا فرض واقعا جديدا، او ربما استمرار الطوارئ نتيجة الحروب الاهلية جعل الافراد يطبقون الاحكام العرفية من تلقاء ذاتهم!
ولا يزال قرار تقييد الحفلات الساهرة بقيد الحادية عشر مساء ساريا و ذاك من قرارات الايام الاولي ايضا.
تعليقات
إرسال تعليق