التخطي إلى المحتوى الرئيسي

العودة لعصر تشييد الجدران!! .. لماذا خرجت بريطانيا وما تداعيات ذلك الخروج؟




  بلا شك يمثل الاستفتاء الذي جري في بريطانيا يوم 23 يونيو وافضي الي اعلان نية بريطانيا الجازمة بمغادرة الفضاء السياسي والاقتصادي الاوروبي يمثل حدثا لا يقل اهمية عن سقوط جدار برلين في بداية تسعينيات القرن الماضي، ذلك الحدث الذي كان إيذانا بنهاية عصر انقسام العالم لمعسكربن شرقي وغربي، وبداية سيادة المنظومة الراسمالية والديمقراطية،
  فالي أي شئ يشير خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي؟ هل يؤذن بنهاية عصر التكتلات الاقتصادية و السياسية الذي طالما بشر به ساسة ومفكرون؟ وبداية دورة جديدة لحقب من بناء الجدران و الانغلاق و العزلة؟ وهل يؤذن ذلك بسقوط فكرة الدولة ما بعد القومية؟ ' الدولة التي تستوعب مجاميع متنوعة ثقافيا و لغويا و مذهبيا و سياسيا، و تعلي من قدر المصالح الاقتصادية و تستعيض عن الهوية القومية بفكرة دولة المواطنة والمساواة امام القانون' ..
  قد يكون ذلك مؤشر علي ان دولة المواطنة لم يحن وقتها بعد وان استيعاب الشعوب لفكرتها لم تكتمل و تتبلور حتي الان بل لم تكتمل لدي النخب السياسية ايضا اكثر من كون ذلك مؤشر حاسم ونهائي علي سقوط الدولة ما بعد القومية.
لماذا خرجت بريطانيا من الاتحاد الاوربي؟
  الاجابة علي هذا السؤال ليست سهلة و ربما لا يملك شخص ما سياسيا كان او مراقب او حتي مفكر اجابة كاملة ونموذجية علي ذلك السؤال؛ فثمة اسباب عديدة وقفت خلف خيار 'الأمة البريطانية'، من تلك الاسباب ما هو موضوعي وعقلاني يتعلق بعملية حسابية دقيقة 'حساب الربح والخسارة للإنتماء الاوروبي' اجراها كل فرد و رجحت لديه كفة السلبيات علي كفة الايجابيات والفوائد؛ كما قد تكون هناك حسابات تكلفة و فوائد اجريت علي مستوي اوسع 'الشركات الكبري والبنوك التجارية والمؤسسات الاقتصادية الاخري كصناديق الضمان الاجتماعي..' وصبت النتيجة النهائية لصالح الخروج،
  قد يختلف الناس 'مراكز بحث اكاديمي و منظمات او حتي احزاب' في مدي دقة تلك العمليات الحسابية و مدي صدقيتها لكن طالما ان القرار 'بشري' وعمل البشر يفتقر دوما للكمال فان القرار قد اتخذ ولم يتبقي الا انفاذه لمعرفة نتائجه ومدي صحته علي ارض الواقع..
  لكن هناك اسباب اخري مهمة تسببت في قرار الناخب البريطاني وهي الاسباب السياسية؛ فالاستفتاء علي الخروج كان السلم الذي صعد به ديفيد كاميرون و بني مجده السياسي عليه حين ترشح علي رأس قائمة حزب المحافظين في الانتخابات البرلمانية البريطانية؛ وكان حينها من المشككين في جدوي البقاء في الفضاء الاوروبي و لوح بأنه سيدعو لاجراء التصويت في عهده و يمنح الشعب فرصة الخروج ان لم تتحسن شروط البقاء؛
   و علي ما يبدو فان اجواء حملة انتخابات مجلس العموم البريطانية السابقة كانت حامية و طغت حتي علي حملة الاستفتاء .. و كما ان كاميرون لم يبذل جهدا يعادل به موقفه السابق بعد ان خاض مفاوضات مارثونية حصل بموجبها من 'بروكسل' علي امتيازات و اغراءات 'اضافية' و قرر بموجب تلك التنازلات ان البقاء في اوروبا اضحي امر يستحق !!
  لم يبذل كاميرون جهد يذكر في اقناع الناخبين بموقفه الذي تحول اليه كما لم يبذل حزبه 'المحافظين' كذلك لم يقم حزب العمال المعارض بما عليه فكان ان سقط خيار البقاء، و ربما تكون هذه سابقة في التاريخ السياسي 'ان يسقط خيار توافقت حوله الحكومة والمعارضة!'
تداعيات الخروج..
ان كان قرار الانسحاب البريطاني له وقع الزلزال علي اوروبا والعالم وشجع احزاب يمينية في اوربا 'كما في حالة حزب ماري لوبان - الجبهة الوطنية- الفرنسي' لتطالب بعقد استفتاء مماثل و تدعو للانسحاب ايضا بحجج وقف الهجرة والعمالة الوافدة..
 
وتلك دعوات محدودة فالاحزاب اليمينية لاتزال وستظل صغيرة طالما انها 'متشرنقة' في خانة الانتماء القومي المتعصب.
انما التداعيات الابرز عصفت وستستمر تعصف بمن اقدموا علي الخطوة 'الانسحابية'، فبريطانيا تعيش اليوم صدمة الخروج،
ـ ملايين البريطانيون طالبوا في عريضة امام البرلمان باعادة الاستفتاء في سابقة فريدة،
ـ اسكتلندا تلوح باجراء استفتاء جديد للاستقلال عن بريطانيا بعد ان كانت اختارت الوحدة العام الماضي بسبب تهديد بطردها من الاتحاد الاوروبي ان هي استقلت 'صوت الاسكتلنديون بنسبة '%62' لصالح البقاء ضمن المنظومة الاوروبية ؛ و ربما تقدم ايرلندا الشمالية ايضا علي ذات الخطوة التي يزمع الاسكتلنديون القيام بها لذات السبب،
ـ رئيس الوزراء اضطر لتقديم استقالته ليسدل الستار علي مسيرته السياسية والتي كانت مجرد مغامرة من بدايتها وحتي ختامها، و رغم انه يراوغ للبقاء في مقر الحكومة حتي اكتوبر بحجة انتظار مؤتمر حزبه الا ان ثمة مطالبات بتعجيل رحيله.
ـ في المقابل يعاني رئيس حزب العمال المعارض جيرمي كوربن من ضغوط تدفع به الي مصير مشابه لمصير حليفه كاميرون هذا عدا عن الخسائر غير المسبوقة التي مني بها الاقتصاد البريطاني فالجنيه الاستراليني في ادني مستوياته امام الدولار منذ ثلاثين سنة، و البورصات منيت بخسائر كبيرة جدا.
  ان كل هذه التداعيات داخل البيت البريطاني تدل علي حقيقة واحدة هي ان خطوة الخروج لم تكن غير محسوبة وحسب بل خاطئة تماما، و ان التكتلات السياسية والاقتصادية تبقي خيار صائب و حكيم.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...