التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بدع قانونية

واحدة من البدع القانونية المحيرة والتي تحدث بصورة طبيعية في محاكم الانقاذ؛ أن توجه الشرطة أو جهاز الامن تهمة " اشانة السمعة" لأي شخص (صحفي أو مواطن عادي) وتدعي ان الشخص المعني قد أساء سمعة (الشرطة أو جهاز الامن) ونسب اليهم وقائع تمثل اركان تهمة اشانة السمعة بموجب المادة 159 من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م،
 وقد سبق وادانت محكمةالشرطة "النقيب" ابوزيد محمد صالح بهذه التهمة وهناك محاكمات تجري الان لصحفيين (صحيفة الميدان) تتهمهم الشرطة باشانة سمعتها!!
 ومصدر الحيرة ان تهمة اشانة السمعة لا يمكن ان ترتكب بحق جهاز أو مؤسسة، وانما ترتكب بحق الشخص العادي "الطبيعي" أي الانسان ،، فهي لا ترتكب ولا يمكن ان ترتكب بحق شخص اعتباري ،،
 فجريمة اشانة السمعة مثلها مثل جريمة القذف لا يمكن ان تتدعي شخصية اعتبارية "مؤسسة أو جهاز" ان جريمة قذف ارتكبت بحقه، ومثلها مثل جريمة الزنا والقتل .. وغير ذلك من جرائم كثيرة وتهم عديدة لا يمكن ان يكون المجني عليه فيها "شخصية اعتبارية" !!! ونص المادة 159 يقرأ : (( يعد مرتكباً جريمة اشانة السمعة من ينشر أو يروى أو ينقل لآخر بأي وسيلة وقائع مسندة إلي شخص معين أو تقويماً لسلوكه قاصداً بذلك الأضرار بسمعته )) ... وشخص معين هذه تفيد الشخص الطبيعي،
   الشخص الاعتباري الوحيد الذي يمكن ان يدعي تضرر سمعته هو الشركات التجارية التي لها سمعة تجارية يمكن ان تضار وينعكس ذلك عليها بوضوح في صورة خسائر في السوق "أو تناقص في الارباح"..  وحتي في هذه الحالة فان معالجتها لا تكون بموجب المادة 195 من القانون الجنائي انما بموجب قوانين المعاملات المدنية والتجارية والملكية الفكرية...
ليس بمستغرب ان تتجه الشرطة أو الامن هذا الاتجاه في عهد تكميم الافواه هذا ومنع توجيه النقد لمؤسسات الحكم وللمسئولين  عنها (رغم ان نقد الشخصيات العامة مكفول بنص الماده 195 نفسها ونقد الاجهزة مكفول بنصوص الدستور/ حرية النشر والتعبير)..
لكن مصدر الاستغراب ان تنطلي علينا معشر المحامين والقانونيين هذه الحيلة ونمرر هذه البدعة التي لا سند لها من قانون ولامنطق!! فالشرطة وجهاز الامن لايمكن بحال ان يكونا مجني عليهم ولا حتي في جريمة كإشانة السمعة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...