التخطي إلى المحتوى الرئيسي

من حلف دنقس - جماع الي حلف سلفا والبشير .. الدولة والهوية في السودان

           " إذا كان حلف الفونج والعبدلاب قد اقتسم السلطة علي أساس الهوية في 1505 ميلادية .. فإن حلف المؤتمر الوطني والحركة الشعبية قد اقتسم الارض نفسها وبشعبها علي ذات الأساس/ الهوية وفي الألفية الثانية " ،،،

    إذا كانت الهوية هي لحمة السياسة وتكوين الدولة السودانية - السنارية يوم تشكلت بحلف بين عمارة دنقس وعبد الله جماع في 1505ميلادية،واجهزا معا علي دويلة سوبا واتفقا علي اقتسام ارثها بينهما لتكون الرئاسة والسلطة الفعلية علي الاجزاء الجنوبية للفونج علي ان تكون الوزارة والسلطة الاسمية للأجزاء الشمالية للعبدلاب؛ فإن ذلك قد يكون منطقيا باعتبار ان ذلك تم في حقبة تاريخية لها احكامها وكانت الهوية والانتماءات العشائرية وغيرها عاملا رئيسيا في تكوين الممالك والسلطنات، 
فإن من غير المنطقي ان تكون الهوية هي محور السياسة في سودان الالفية الثانية، ان نيفاشا كانت حلف انبني علي اساس الهوية بإمتياز فهي اتفاق عنصري رغم أنه غلف عنصريته تارة بمصطلح (حدود 1 يناير 1956م) وتارة أخري بادعاء حفظ حقوق القبائل والسكان الاصليين؛ لكن عنصرية نيفاشا تجلت بامتياز في قانون الاستفتاء حين تقرر ان من يصوت هو من يمت بنسب للقبائل القاطنة في الجنوب، ولا اعتبار لمن اقام هناك مهما طالت اقامته،
  لقد أخذت الهوية مساحة و وقت في تفكير السودانيين (ساسة ومثقفين) اكثر مما تستحق وذلك بسبب ضلال وانحراف تفكيرهم، فقسم منهم يري ان الهوية الاسلامية-العربية هي اساس بناء الدولة بينما آخرون يرون ان الهوية الاسلاموعربية هي سبب تخلف وتفكك ونكسات البلاد، وكلا الفريقين علي باطل لأنهما متفقين علي شئ واحد هو ان (الهوية عنصر أساسي للدولة) وبئس الاتفاق ذاك.
   ان السياسة وبناء الدول ليس مرهون بهذا الجدل، الدولة بتكوينها ومهامها و وظائفها لا شأن لها بجدل الهوية، الدولة مهامها امن الارض والانسان القاطن عليها، وتعليمه، وصحته، وسكنه، ورفاهيته، و كي تنجز الدول مهامها علي اكمل وجه فان عليها ان تقوم باداء واجباتها حيال منسوبيها دون تمييز علي أي أساس كان بما في ذلك الهوية "دين، لغة، جنس، لون،.... الخ".
  صحيح ان الهوية تلعب دور في تحديد انتماء الانسان للأرض والوطن والمجتمع، لكن لايجب ان تتجاوز ذلك لتحدد شكل الدولة والحكم وحقوق المواطنيين ..الخ،
  شكل الدولة ونظام الحكم تتحدد وفقا لفكر قانوني وسياسي وفلسفة وهذه أمور علمية تحكم وفق لقواعد العلم المعروفة (علوم المجتمع/الاجتماع، والفلسفة، والقانون، والسياسة، والادارة العامة..الخ)؛
  كما ان للهوية سعة فهي لا تفرض فرضا بل فيها هامش كبير ومريح للإختيار ومن حق اي مجموعة او فرد ان يختار الهوية التي يريد ان يعيش وفق تقاليدها، فكونك مولود علي ارض معينة ومنتميا لعرق ولسان ودين لا يفرض عليك ان تعيش غصبا عنك ودون قبولك ورضاك وفقا لما يفرضه عليك (قومك)، بل من حقك ان تعيش وفق ما تختار من اسلوب،

 ثم ان الهوية بالأساس هي جدل مجتمع وليس جدل حكومات وسلطة.. لذا يجب ان يترك (جدلها) لمنظمات المجتمع المدني المعنية بهذه الامور، وحتي الاحزاب السياسية عندما تشترك في هذه المناقشات عليها ان تشارك بصفتها منظمات مجتمع وليست منظمات سلطة سياسة مباشرة، فالهوية جدل مثقفي المجتمع، وفي السودان افتتح هذا الجدل أدباء وشعراء وكتاب؛ فكانت مدرسة الغابة ولاصحراء ، وابادماك، ومدرسة الخرطوم،...الخ، لكن أؤلئك الادباء غفلوا عنه فاختطفه الساسة واستسلم لهم المثقفين، ثم ان جدل الهوية هو ايضا وبالأساس "جدل رفاهية"، اي ينخرط فيه مثقفو مجتمع عندما يصل ذلك المجتمع لحدود الكفاية والرفاهية أي بعد ان يتأكد الناس من كفأة دولتهم وكفأة  اجهزة حكمها.. واي انخرط في الجدال قبل ذلك ستصبح الهوية جزء من الازمة وليست جزء من الحل لأنها تكون حينها هوية مأزومة ..
 ان جدل الهوية في حالتنا يصبح مثله مثل (جدل الحمقي) وجدل أهل بيزنطة (هل الملائكة رجال ام اناث!!) وحديث البيضة والدجاجة (أيهما أسبق؟!) جدل لا طائل منه بل له مضار وليس فيه منافع، وسيعقد الاوضاع اكثر حتي يستعصي الحل وقد يصل الي مستوي " القتل علي الهوية" وهي من اخطر المستويات والدرجات وحروب الهوية تعد كذلك من اعقد الحروب، "رواندا،بورندي،من نماذج حروب الهوية" فعندها يصطف الناس ليس علي أساس برنامج أو رأي أو معتقد سياسي؛إنما علي أساس تمايز عرقي، لساني، لوني، دينين مذهبي، ...الخ، وفي هذه الحالات يكون الصراع فيها عبثي لانهاية عقلانية له بل وظالم لمن يشترك فيه او حتي من يعتزله.

  لقد فشل حكم الاسلاميين في السودان لأن الدين درجة من الانتماء ينبغي ان تقود الي درجة أعلي وهي اإخاء الانساني (الوطنية ليست من شئون الدين خصوصا الدين الاسلامي، فبرغم كل محاولات فذلكة فهم للوطنية في الاسلام فان مفهوم الوطن عند الاسلاميين يرتبط بالارض كلها/عالمية الرسالة) والاسلاميين فشلوا في تحقيق إخاء ديني بين الناس أو حتي فيما بينهم، فارتدوا الي مستويات ادني، أي اخاء علي اساس مذهبي- جزئي للدين ، هذه الجزئية الي مزيد من التجزئة والتشظي لذا كان طبيعيا ان ينقسم الاسلاميين علي أسس ادني (أكثر تخلفا) كالجهويات والاعراق فيرتدون الي زرقة وحمرة وعرب ونوبة وبجا وفور وزغاوة ومساليت... الخ.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...