يمكن تقسيم أسباب
الثورات العربية إلى قسمين اثنين، قسم يشمل الأسباب التي أدت إلى تراكم الغضب
الشعبي والسخط العام عبر عقود طويلة، وقادت لهذا الاحتقان العظيم، وقسم ثانٍ يضم
الأسباب التي أدت وتؤدي إلى تفجير هذا الغضب في شكل تظاهرات وحركات احتجاج وعصيان
مدني وتمرد شعبي.
أسباب الغضب:
هنالك مجموعة من الأسباب
أدت لتراكم وتفاقم الغضب الجماهيري، وهي الأسباب التي وضعت الشعوب في النهاية في
مواجهة مع أنظمتها وحكوماتها، ويشمل قسم أسباب الغضب ما يلي:
1.
التضييق السياسي: وتندرج تحت عنوان (التضييق السياسي) كل
الأفعال التي ارتكبتها الأنظمة العربية لقهر وترويض شعوبها وتدجينها؛ من قمع
لحريات الرأي والفكر والاعتقاد؛ حيث أن النظام الرسمي احتكر حق التفكير والرأي
والتعبير واختزله في وسائل إعلام رسمية أو خاصة (صحف قومية أو مستقلة) يسيطر عليها
الموالون له، وتزوير الانتخابات لاحتكار مقاعد البرلمان والمجالس المحلية
البلدية... ومن قمع كذلك لحريات التنظيم والاجتماع ووقفها على تكوين المنظمات
والأحزاب والجمعيات التي تسبح بحمد نظام الزعيم وحزبه الأوحد..
ومن قمع كذلك لحريات
التنظيم والاجتماع ووقفها على تكوين المنظمات والأحزاب والجمعيات التي تسبح بحمد
النظام وبحمد الزعيم وحزبه الأوحد..
ومن مصادرة لكل الحريات
والحقوق الاقتصادية التي تكفل المنافسة الاقتصادية متساوية الفرص، فلم يعد بعدها
في مقدور أي فرد أو مؤسسة (مهما ابتكرت وأبدعت) تحقق نجاح مالم تنل رضا النظام
ونافذيه ومؤسساته وبعد دفع نسب معلومة من الرشاوي والهبات.
وكذلك مصادرة حقوق الإنسان
الأساسية وعلى رأسها الحق في الحياة والسلامة الشخصية والمعنوية، إذ أن في مقدور
الأنظمة أن تعتقل (في الواقع تختطف..!! لأن الاعتقال الذي تقوم به لا يرعى فيه
أبسط التدابير القانونية كإبلاغ الشخص بالتهمة أو التهم الموجهة إليه وبحقه في
إعلام أسرته أو رب عمله بالمكان الذي يتحفظ عليه فيه وحقه في تكليف محامي... الخ)
وتقتل وتعذب أي شخص معارض أو غير معارض وذلك دون سبب قانوني ودون سند أيضاً وبلا
خوف من حساب أو مساءلة.
2.
الفساد: كذلك من الأسباب التي أدت لتراكم الغضب
وانتشار الفساد والمفسدين دون خوف أو حياء، وانتشار الفساد يعني تراكم الثروة في
أيدي أناس دون وجه حق وإفقار فئات شعبية أخرى.. وتراكم الثروات بكل تلك السهولة في
أيدي قلة يؤدي لبروز سلوكيات ومظاهر دخيلة على المجتمعات وتهدد أساساته
بالانهيار.. ورأينا في حالة تونس كيف أن الثروة اجتمعت في يد ثلاث أسر هي أسر الطرابلسي
(أصهار الرئيس) وبن عياد وبن بدر.. وفي مصر تجمعت الثروة في يد فئة من كبار رجال
الحزب الحاكم ورجال الأعمال المقربون كـأحمد عز وإبراهيم سليمان.. الخ.
والفساد هو خرق وتجاوز
لبنود الدستور ذات الصلة بالحياة الاقتصادية، وخرق كذلك لكل بنود القوانين المالية
والمحاسبية، وكسر لقواعد الإدارة ولما تتطلبه من مساواة في الحقوق وفي الالتزامات
وما تقتضيه من شفافية.
التضييق السياسي
والفساد أوصلا المواطن العربي لمرحلة القطيعة التامة مع الأنظمة، وحالا دون أي
إمكانية لتسوية عادلة يحقق المواطن بموجبها ضرورياته الحيايتة ويحفظ كرامته
واحترامه لنفسه ويستمر بموجبها النظام (بعد أن يتخلص من صفات الاستبداد)، ووضعا
الطرفين في مواجهة مباشرة فكان كلاهما مواجه بسؤال وجود (أكون أو لا أكون) لن
استمرار المواطن مستمتعاً بحقوقه يتطلب إلغاء النظام، واستمرار النظام المستبد
يتطلب إلغاء المواطن. ومثل هذه المواجهة تحسم (طال الزمن أو قصر) لصالح المواطن،
ففي السياسة البقاء للشعب والفناء للحكومات.
أسباب القسم الثاني:
وتحت هذا القسم تندرج الأسباب التالية:
1/ توريث الحكم:
بعد أن أحكمت الأنظمة
قبضتها على زمام الأمور، كاتمة على أنفاس كل القوى الشعبية أو اطمأنت إلى خمول تلك
القوى واستتباب الأمر لها، تمادت في عسفها وعوضاً عن تداول السلطة وسط الفئة
الاجتماعية الحاضنة لذلك الاستبداد والمستفيدة منه، آثر الزعماء نقل السلطة إلى
سلالتهم ونسلهم الذي هو من صلبهم، بتواطؤ من النخب المنظرة لأنظمة الاستبداد، عكف
كل زعيم على إعداد وريث من بين أبنائه ليكون خليفة له بعد رحيله..
وقد اكتمل ذلك
السيناريو في الجمهورية السورية بوصول الأسد الابن للسلطة في 2000م (وكان الأخ
الأكبر لبشار –باسل الأسد- قد أعد قبله لإتمام هذه العملية –التوريث- لكن الأقدار
التي عاجلته في حادث سير منعت تنصيبه)؛ وهذا يدل على أن التوريث في الأنظمة
العربية لم يعد مجرد فعل أو حدث عابر منفرد ومعزول، وإنما عمل مستهدف ومقصود
لذاته.
وفي مصر تقدم مبارك
الابن (جمال) وأصبح قاب قوسين من خلافة والده، بعد رئاسته للجنة السياسات في الحزب
الحاكم، ولم يعفه من الوصول وخلافة والده إلا ثورة25 يناير التي اندلعت بعد سلسلة
من الاحتجاجات الرافضة لسيناريو التوريث.
وبطبيعة الحال لم تكن
عملية توريث المنصب الأول وقفاً على ما تم في سوريا وماكان بسبيل الاكتمال في مصر،
وإنما كانت هناك محاولات حثيثة للتوريث في تونس واليمن وليبيا، وكلها بالمناسبة
جمهوريات (عدا الأخيرة فهي جماهيرية؟!) هذا الوضع حدا بأحد المفكرين لتسمية الأنظمة العربية سخريةً منها
"بالجملوكيات".
في حالات أخرى تمت
عمليات توريث وخلافة في ظروف مختلفة كما في حالة لبنان، فقد وصل سعد الحريري
للموقع الذي شغله والده الراحل (رفيق الحريري) وقد تمت هذه العملية في إطار
ديمقراطي وعبر الانتخابات والإجراءات البرلمانية! ومع كون أن استفادة الحريري
الابن من نفوذ وسمعة الأب، ومن حالة التعاطف التي نتجت عن جريمة اغتياله، فيمكن أن
يدخله في مظلة التوريث! (في هذا السياق يمكن أن يعتبر انتخاب بوش الابن عام 2000م
لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية توريث أيضاً؟!!)، ففي فرنسا مثلاً هناك حساسية
عالية ضد مسألة استغلال النفوذ الأسري في السياسة لدرجة حدت بالرئيس نيكولا
ساركوزي للضغط على ابنه ومنعه من مجرد الترشح لمنصب صغير (عمدة باريس).
الواجب قوله أن التوريث
الذي الغي بظلاله على المشهد السياسي العربي، أصبح حالة عامة ومستفزة ملازمة لكل
الأنظمة ملكية كانت أو جمهورية، وهذا ما عجل بانفجار الأوضاع في الشارع العربي
وقادت لاندلاع الثورات التي حكم الوارث ومورثه.
2/ ثورة المعلومات:
وثورة المعلومات هي أحد
العوامل التي سهلت ومكنت من اندلاع ونجاح الثورات، فالثورة التي أحدثتها تطورات
تكنولوجيا أنظمة الاتصالات وأجيال الكمبيوتر المكتبي والمحمول والدفتري واللوحي،
وثورة الإنترنت والإعلام المرئي (الفضائيات المختلفة أو المنحازة للثوار).. وفرت
بالأساس بيئة مناسبة أولاً لتبادل المعلومات، ومثلت حاضنة للتوعية والتثقيف
والتعبئة، ثم عقب ذلك للتنظيم والاتصال الفاعل عبر المدونات ومواقع التواصل
الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، يوتيوب).
ثورة التكنولوجيا هذه
كان لها دور مهم وفاعل، قامت مقام كل الوسائل بكفاءة عالية، ووفرت بيئة وفضاء آمن
للتحرك والتجمع والتواصل وتبادل المعلومات الموثقة..
لقد بقيت واستقرت
الأنظمة العربية طيلة العقود الماضية لأنها احتكرت المعلومات وأخفتها عن الجماهير،
واحتكرت المعرفة، أما وقد فقدت احتكارها للمعلومة في عصر المشاعية العالمية
للمعلومات فإن سند بقاءها منفردة في الساحة قد انتفى.
3/ تلاشي شبح الأخوان:
كانت فزاعة هيمنة
الأخوان المسلمين وغيرهم من الجماعات السلفية والحركات الأصولية الإسلامية (التي
قد تعيد المجتمعات العربية إلى عصور سحيقة)، كانت هي الآلية الحاسمة لإحباط أي
محاولة أو طموح في حياة ديمقراطية وسياسية سوية.. ولا يمكن الجزم بما حدث وقاد
لتلاشي فزاعة الأخوان وباقي الحركات الإسلامية وتبديد فزاعة النظام، ربما كان ما
أوصلت إليه الأنظمة شعوبها من حياة بائسة دفع تلك الشعوب والمجتمعات لطلب التغيير
ونشدان البديل السياسي حتى ولو كان البديل هو الأخوانية أو السلفية.
أو ربما كان السبب هو
ما أشرنا إليه في الفصل الأول، أي أن الجميع اكتشفوا – بما في ذلك الأخوان
والحركات الإسلامية الأخرى- أبعاد اللعبة التي ظلت الأنظمة تلعبها وذلك باستخدامها
(وأجهزتها الأمنية) لتلك الحركات كتميمة وفزاعة لقمع الطموح السياسي الشعبي وإبقائها
لها (الحركات الدينية) في الحجم السياسي الذي يمكنها فقط من أداء هذا الدور
المرسوم وبحيث لا تتعداه.
أو ربما كان للنجاح
المحدود الذي حققته بعض الجماعات الإسلامية ( الرفاه في تركيا والأخوان في مصر
وحماس في فلسطين) دوراً في إقناع تلك الجماعات في تجاوز النص الرسمي المكتوب لها،
ودوراً في إقناع الجماهير بأن الأخوان وسائر التنظيمات الإسلامية ليست بالسوء ولا
بالحجم الذي تصورهم به الأنظمة وإعلامها الرسمي.. تتعدد الـ(ربما) ولكن المحصلة
واحدة وهي لم تعد فزاعة الأخوان تعمل. وقد ينخدع البعض بان المظاهر الدينية طغت
على ساحات الفعل السياسي وميادينه، فلهذه المظاهر أسباب تبررها، فطالما أن الأنظمة
اتخذت موقف متعسف حيال الحريات الدينية ومناوئ لها فمنطقي أن تقترب الجماهير من
الشعارات الدينية... ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنها ثورات دينية.
4/ فوز أوباما:
مثل وصول السياسي الشاب
ذو الأصول الأفريقية والمنحدر لأب مسلم (باراك أوباما) للمكتب الرئاسي البيضاوي
بعد الانتخابات الأمريكية التي أجريت في نوفمبر 2009م، مثل حافزاً و دافعاً للشعوب
العربية لطلب التغيير.
فأوباما الذي كانت كل
المؤشرات والظروف تخدم خصمه تمكن بإرادته ومواهبه وطموحه الجامح ومبادئه التي يؤمن
بها ويمثلها من الوصول للبيت لأبيض رغم أنف المؤشرات؛ في مسيرة أشبه بالملاحم
الرومانية العتيقة، وقد أعطي بفوزه المؤثر وبشعاره الملهم (نعم يمكننا) أعطى أملاً
للشباب في العالم ولم يكن الشباب العربي استثناءاً، وأعطاهم ثقة بالنفس طالما
افتقدوها، ورغم أن موقف الرئيس الأمريكي المنتخب وموقف إداراته لم يكن مناصراً
للثورات ولا معادياً للأنظمة القمعية، بل ولم يكن محايداً حتى، إلى أن تبين للجميع
أن الشباب العربي الثائر والحشود الشعبية التي دعمته قد حسمت الصراع لصالحها، فقد
تحقق النجاح وتأكد للجميع أن الدعم الأمريكي للثورات الشعبية لم يكن مطلوباً بل
ولم يكن مرغوباً فيه حتى، فأمريكيا تبقى أمريكيا في أذهان شعوب المنظمة العربية
والعالم الثالث، رمزاً للطغيان والهيمنة والظلم، ولن تتغير تلك الصورة بمجرد فوز
رئيس يعد مشروع متفائل.. لكن على العموم كانت الرسالة التي بعث بها مجرد حدوث ذلك
الفوز قد وصلت. وإلى أن تتغير صورة أمريكا
(بتغير أفعالها وسياساتها) فإنه يبقى على الشعوب أن تحرص على حسم معاركها دون تدخل
ودون تأييد أو تعاطف أمريكي.
5/ تقسيم السودان:
ظل السودان طيلة تاريخ
المنطقة المعاصر يلعب دوراً هامشياً في المسرح السياسي العربي، ويمثل حديقة خلفية
مهملة لا تلفت اهتمام أحد ولا يزورها احد، بل وحتى لا يذكرها أحد.
لكن وإلى ما قبل انتشار
حركة الاحتجاجات، وما قبل اندلاع الثورة الشعبية في تونس كان، الحدث المهم الذي
استرعى اهتمام الرأي العام العالمي والعربي، وسيطر على وسائط الإعلام كلها كان هو
الاستفتاء المزمع إجراءه لتقرير مصير إقليم جنوب السودان (أجري الاستفتاء في 9
يناير 2011م) وذلك الاستفتاء لفصل جنوب السودان عن شماله.
وبمجرد أن ترنح نظام
زين العابدين بن علي انصرفت الأنظار عن عملية الاستفتاء في السودان، وابتعدت عدسات
آلاف الكاميرات التي أعدت لنقل الحدث إلى تونس ثم مصر ثم اليمن..الخ.
وليس من السهل الربط
بين الأمرين (تقسيم السودان وسقوط الأنظمة العربية المستبدة) لكن بلا شك هنالك صلة
وإن كانت مبهمة ومتهافتة بين الحدثين، ولعل البعض لا يزال يذكر مشهد الضابط الشاب
بالجيش المصري الذي أعلن ولائه للشعب وانضمامه للمعتصمين في ميدان التحرير وحديثه
أمام عدسات القنوات الفضائية عن تقاعس مبارك ونظامه عن دعم وحدة السودان. ما يعني
أن تقسيم السودان يمثل حدثاً مهماً لفئات مهمة في الشارع المصري والعربي، ويلزم
التأكيد بأن الدول العربية أو شعوبها تحديداً تجمع بينها روابط و وشائج عاطفية
قوية، وكل شعب منها يشعر بأن أي ضير يلحق بشعب عربي أو بأرضه أو لدولته هو ضرر
مباشر يمسه.
من ثم فإن التقسيم الذي
حدث للشعب والدولة السودانية أحدث هزة قومية قوية، وعلى عكس واقع الحال في
السودان، اعتبرت تلك الشعوب أن ما حدث يمثل جريمة وكارثة تتحمل جريرتها وإثمها
الأنظمة العربية والتي بحق لم تولي ذلك الأمر أهمية تذكر.
ولا يمكن بحال استبعاد
أن يكون لتقسيم السودان دور في إشعال فتيل الثورات، خصوصاً وأن دوائر غربية تتهم
على نطاق واسع بأنها خططت وسهلت عملية التقسيم تلك وعلى رأس تلك الدوائر الولايات
المتحدة الأمريكية.
6/ تحييد العامل الإسرائيلي:
ظل الوجود غير المرحب
به للكيان الإسرائيلي يلقي بظل ثقبل على المشهد السياسي طيلة العقود الست الماضية،
بينما ظلت كذلك الأنظمة العربية المستبدة أو معظمها، يستمد شرعية وجودها من حالة
الحرب والعداء للكيان الغاضب في المنطقة، ولعل الكل يذكر الشعار الذي رفعه ناصر في
مصر واستخدم أبشع استخدام (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة)! فبحجة الحرب ضد العدو
(الدولة اليهودية) تم إسكات كل الأصوات المطالبة بالتغيير أو الإصلاح أو الحرية، بل
وتم وصم كل من رفع صوته بكلام مختلف عن كلمات الزعيم بأبشع الصفات التي تشكك في
وطنيته وإخلاصه (عميل، مرتزق، مندس، جاسوس...الخ).
وبمبرر (إننا في حالة
حرب) تم كتم الأنفاس وإخماد كل ملمح لحيوية في الجسد السياسي العربي وفي الشعوب
العربية، وفقد الآلاف حياتهم وحريتهم. ورغم أن الأنظمة العربية لم تخض حرباً ضد
إسرائيل منذ اكتوبر 1973م، ورغم أن العديد من الدول والأنظمة العربية دخلت في
اتفاقات ومعاهدات وتفاهمات أو على الأقل مفاوضات (سرية أو علنية، مباشرة أو عبر
وسيط) مع دولة الكيان اليهودي، إلا أنها، -الأنظمة- كانت حريصة كل الحرص على أمر
واحد هو أن لا تقود تلك المعاهدات أو المفاوضات إلى سلام يفضي إلى تطبيع حقيقي، ولم
يكن ذلك الحرص مراعاة لرغبة الشعوب العربية أو تماشياً ونزولاً عند إرادتها، وإنما
لأن الأنظمة كانت تعلم أنها ستفقد أهم مبررات
وجودها وانفرادها بالسلطة إذا سادت
حالة من السلام في المنطقة.
وقد كان لطول فترة حالة
اللا حرب واللا سلم التي سادت منذ اكتوبر 1973م، والهزائم التي منيت بها الأنظمة
والشعوب العربية في الحروب السابقة (1948م، 1956م، 1967م) دور مهم في تنحية الشعوب
العربية للعامل الإسرائيلي في المشهد السياسي الداخلي لكل قطر عربي و وضعه جانباً،
على الأقل إلى ما بعد حسم الصراع السياسي بين الشعوب والأنظمة القمعية.
وما حدث في الربيع
العربي هو أن الشعوب تحركت وقد حيدت العامل الإسرائيلي، وتخلصت من عبء ثقيل طالما
أقعد بها عن اللحاق بركب الحرية والديمقراطية. وبذكاء تغبط عليه تجاوزت الجماهير
العربية الثائرة كل التلميحات والتصريحات والاتهامات الرسمية والمخاوف الدولية
التي حاولت الزج بهذا العامل وإقحامه من جديد في أتون هذا الصراع الداخلي على
السلطة والسيادة.
فقد كانت الشعوب تعلم
(وقد استوعبت الدروس جيداً) أن إسرائيل حاربت كل أنظمة ودول المنطقة (منفردة أو
مجتمعة) وهي –إسرائيل- متمسكة بنظام داخلي ديمقراطي لا تحيد عنه. فما الذي يمنع
الشعوب من مواجهة هذه الدولة بذات السلاح –الديمقراطية- وقد كانت ديمقراطية العدو
تلك أمضى سلاح في معارك الإعلام والدبلوماسية والسياسة الخارجية.
7/ عجلة التاريخ:
كان العامل الأشد حسماً
في الصراع بين الشعوب العربية وأنظمتها المستبدة القمعية هو عامل التاريخ، وكان
موقف الأنظمة خاطئاً بالكلية وذلك لوقوف تلك الأنظمة عكس عجلة التاريخ! بينما كان
موقف التحركات الشعبية سليماً لوقوفها خلف تلك العجلة وهو ما مكنها من إعطائها قوة
دفع إضافية. فتحرك التاريخ، داهساً تحت عجلته كل الأفراد والمنظومات والفئات التي
سعت لإبقاء الوضع على ما هو عليه، أو سعت لإبطاء تقدم التاريخ أو إيقاف عجلته عن
الدوران.
لم يكن ذلك في مقدور
الأنظمة والأحزاب الحاكمة، فالتاريخ لا يقبل التوقف لحقب طويلة عند نقطة واحدة لأن
التقدم هو سنته، وسنة الحياة. وعندما تجد قوى التاريخ مبرراً للتقدم، فإن لا قوة
على سطح البسيطة تستطيع إيقافها، وقد وجدت عجلة التاريخ مبرراً للتحرك والتقدم
والدوران، وذلك في الدفع الذي وفرته الحركة الشعبية، وكان دفع في الاتجاه الصحيح،
اتجاه الحراك والتطور السلمي، اتجاه الحياة، كما أنها وجدت في اهتراء الأنظمة بسبب
الجمود والخمول والتراخي والفساد...الخ، وجدت فيه عامل يساعد على تخطيها بسهولة
ويسر، وما عادت الأنظمة العربية قادرة على إيقاف عجلة التاريخ عن التقدم مثلما
فعلت لستة عقود خلت، والتاريخ قد يقبل التراجع –لكن بخطوات محسوسة- أما أن يقف
ويتجمد فلا.
تعليقات
إرسال تعليق