المشهد المصري الحالي الملتهب والمأزوم قادت
اليه جملة من الخطايا والاخطاء وقعت فيها معظم الاطراف وللأسف الاغلبية تنسي أو
تتناسي اسباب تلك الازمة وتنساق خلف آثارها وتتداعياتها وتنجر خلف اغراء جدل (أهي
ثورة ام انقلاب؟؟) برغم ان ذلك الجدل لا يفيد كثيرا في تسوية الازمة، هذا ثبت
فعليا، لذا سنتجنب كل هذا ونركز علي الأسباب، ونبدأ بخطايا الأخوان الناجمة عن
اوهام خاصة بهم واوهام روج لها الاخرون وصدقها الاخوان ، وبعضها قديم قدم الجماعة
والآخر جديد جدة الاحداث.
خطايا الاخوان التي اراها أهم تتمثل في :
أولاً) انهم انخدعوا
بمقولة انهم الاكثر تنظيما والاوفر حظاً لخلافة النظام الديكتاتوري الذي تهاوي تحت
وقع ضربات الشعب، البعض صور للإخوان، والإخوان صدقوا فرية انهم وحدهم من كان يعارض
نظام مبارك (وسائر الانظمة العربية التي هوت مؤخراً) فتوهموا أحقية وراثة ذلك
النظام بكل قبحه وبذات ممارساته المرفوضة، لقد نسي الاخوان انهم في اغلب مراحل
النظام السابق كان عبارة عن وجه آخر له وكانوا فزاعة في يده، بل وشاركوه في
مناسبات عديدة (وحدهم من سمح لهم بدخول برلمانات الحزب الوطني!) .. ونسوا ان
الدولة المصرية والمجتمع كله كان يناضل ويكافح ضد حكم مبارك (كل حسب طريقته وتصوره
وامكاناته) فالفنانون كانوا يقاومون والادباء، والقضاة، والاعلاميون، والعسكر
نفسهم.. وان تصور الاخوان الخاطئ هذا هو ما دفعهم للتفكير في صنع نظام خاص بهم
يستبدلون به نظام مبارك لذا ناصبوا الاعلاميين العداء ولوحوا بشعار خطير هو شعار
تطهير القضاء! كيف يتطهر القضاء؟؟ فالجميع يعرف استقلال القضاء اما مبداء التطهير
فهو من بنات افكار الاخوان وحدهم والله وحده يعلم ما سيكون عليه حال القضاء لو تم
التطهير!
ثانياً) الاخوان
تصدوا وهجموا علي الحكم دون ان تكون لديهم رؤية محددة أو فهم حتي لما هم مقدمون
عليه، وفهم لفكرة الدولة وشروط ادارتها، لذا اوغلوا في معادة الاجهزة الرسمية
والشعبية وظنوا ان كونهم منتخبين يلغي شرعية وجود من عداهم.
ثالثاً) عندما تمت
مواجهتهم بحقيقة فشلهم الذريع تعنتوا وعاندوا واشتطوا ورفضوا حتي مجرد مناقشة
المطالب الشعبية المشروعة التي رفعت لهم.
رابعاً) تم تصويرهم
علي انهم حركة "شعبية" واعتقدوا ذلك جازمين، وما دروا انهم حركة شعبوية
(شعبوية تماما كشعبولا، ذلك المغني صاحب الجماهيرية الطاغية داخل مصر وخارجها،
بينما لا أحد بإمكانه ان يزعم انه فنان او مطرب جيد الاداء). شعبوية الجماعة تلك
قادت الي تكوين قيادة ونخبة داخلها تتصف هي ايضا بالشعبوية وتسيطر عليها عقلية
"إشمعنا" التي برزت بوضوح بعد الاطاحة بحكمهم في حركة "حتي لا نقل
ثورة ولا انقلاب" 3 يوليو، لذا كلما
قيل لهم لا يصح ان تفعلوا كذا أجابوا بـ "إشمعنا ايام حكم مرسي كان يحدث كذا
وكذا !!" و " اشمعنا" مبرر يمكن ان يقبله الصبية فقط لكونه ينم عن
عقلية ساذجة وبسيطة تصدق الشائعات والاكاذيب والواهي من المنطق، ولا يقبله
المفكرين أو الساسه بل وليس الراشدين بالمطلق.
خامساً) ثم بعد أن
وقع المحظور وحدث تحرك 3 يوليو، فشلوا في مواجهة ذلك التحرك سياسياً، بل ارتكبوا
سلسلة من الاخطاء التي تدل انهم لا يزالون مبتدئين في فن السياسة، كانت كل
استراتيجياتهم وتكتيكاتهم لمجابهة ما حدث وما قاد الي تدخل الجيش وما نجم عنه..
كانت كلها فجة وفطيرة، لا تقدر علي اعادة ما سلب منهم ولا تعد بخير في المستقبل.
سادساً) انخدع
الاخوان كذلك بالتأييد المفتوح الذي وجدوه من دولة قطر سياساً واعلامياً من قناتها
الفضائية واسعة الانتشار (الجزيرة) فظنوا ان بمقدورهم كسب المعركة عبر رفع الصوت
واستباحة عين وأذن المشاهد بصور صادمة وعبارات مكرورة وارتال من الشائعات
والاكاذيب.
سابعاً) لقد اختار
الاخوان مواجهة ما حدث بذات العقلية التي كانوا يواجهون بها النظام السابق وبثقة
زائدة هذه المرة، دون ان يلحظوا أو ينتبهوا الي ان الظروف تبدلت والاحوال تغيرت،
فدخلوا في مواجهة مفتوحة مع النظام والدولة وظهرهم مكشوف سياسياً و أمنياً، وكانت
تقديراتهم كلها خاطئة ومغلوطة، ففي صراعهم مع النظام السابق لم يكن الكثيرين من
عناصر الاجهزة الامنية تقمع الاخوان إلا اداءاً لواجب ثقيل، لذا لم يكونا يعدمون
تعاطفا حتي داخل المعتقلات علاوة علي التعاطف المجتمعي ، بل وان الدولة والنظام
نفسيهما ما كانا يهدفان الي كسر ظهر الجماعة انما فقط جعلها تتراجع خطوات الي
الوراء لأن النظام كان يرغب بشدة في بقاء الجماعة في اطار المشهد السياسي لأن ذلك
الوجود يخدم مصالحه ويمنحه شرعية يفتقد اليها، أما مواجهتم للسلطة الجديدة فقد
كانت مختلفة كلياً، فعمل الجماعة كله اصبح في العلن لا سر فيه، و السلطة الجديدة
محمية ومحصنة ومدفوعة بسند (وتفويض) شعبي لا يستهان به ..
إن أكثر ما أثار جنون تنظيم الجماعة هو قرارات
تجميد أرصدة بعض قياداتها ، فهكذا قرار لم يتخذ من النظام السابق حتي في اعتي
لحظات حربه عليهم، ولأن المثل الشعبي يقول: (قطع الرقاب ولا قطع الارزاق) ومع
احساس اعضاء الجماعة بأنهم خُدعوا وسرقت "شرعيتهم" وان خطر وجودي
يتهددهم لذا كان رد فعلهم انفعاليا متشنجا بعيد عن الحكمة او التعقل.
كان اسلوب الاعتصاد الذي انتهجوه (في ميدان
نهضة مصر ومسجد رابعة العدوية) يدل علي ضعف استراتيجي قاتل.. فالاعتصام كعمل سياسي
لا يتم هكذا " وضع حشود لمدة اربعين يوماً بلياليهن في مكان واحد !!"
حتي تحفظهم الاجهزة الامنية عن ظهر قلب !!، والاعتصام الذي يؤدي الي اسقاط نظام ما
لايكون بهذه الكيفية وانما تكون مواجهة ازرع الدولة اولا ثم يأتي الاعتصام خطوة
ثانية بعد ان تأمن جانب قوة الدولة.
هذه هي خطايا الاخوان الفادحة، لذا خسروا
المعركة امنيا وسياسياً، وان كسبوا بعض عبارات الشجب والادانة، وبعض التعاطف
الخجول من جهات دولية.. إن التنديد الذي وجهت به السلطات المصرية بعد فضها
للاعتصامين، خصوصا من الدول الغربية هو تنديد مفهوم، فتلك الدول لا تعرف ولم تختبر
التعامل مع معتصمين ينتمون لتيارات دينية متطرفة تسيطر عليها عقلية ايدولوجية
منغلقة يستحيل الحوار معها بما يفضي الي تفاهم وحلول وسط، وحكومات دول الغرب معتادة
علي فض اعتصام وتظاهر جماعات مدنية ديمقراطية "عقلانية" اذ ان الحركات
الدينية اندثرت هناك باكراً. كما ان تلك الدول ما أصدرت عباراتها الشاجبة والمنددة
الا ارضاءا لرأي عام داخلي فيها ورأي عالمي تعد حقوق الانسان بندا مهما في تشكيله،
واصحاب ذلك الراي لايحبون صور الموت واعداد مرتفعة من المصابين الجرحي، اذ يبدو ان
حسابات الربح والخسارة حاسمة فيه!!
هناك جهات أخري اقترفت اخطاء، ففي وجهت نظري
اان قيادة الجيش استعجلت الخطوة في 3 يوليو وكان في مقدورها التريث قليلا حتي يتضح
المشهد للجميع خارج مصر وداخلها بما يجنبها النقد الذي تتعرض له الأن،
لكن الاخطاء الاكثر فداحة من خطأ الجيش كانت
اخطاء السيد البرادعي الذي كانت استقالته عشية فض الاعتصامات "خطوة ربما اراد
من ورائها حفظ فرصه وحظوظه السياسية مستقبلا" بمثابة ثالثة الاسافي وربما
القشة التي ستقظم بعير البرادعي "السياسي".. فأول اخطاء البرادعي كان
تخاذله وتراجعه عن قرار ترشيح نفسه في السباق الرئاسي الذي مضي بحجة ان الشروط لا
تناسبه!! وهو ما زاد من فرص نجاح مرشح الاخوان "المعزول"، وثاني اخطاءه
كان قبوله شغل المنصب الذي استقال منه وقبوله منصب رئاسة حكومة 3 يوليو "
والتي حال بينه وبينها اعتراض حزب النور السلفي!" فتلك حكومة انتقالية تأتي
في ظرف استثنائي ولا يليق بسياسي يمكنه المنافسة ان يقبل بها فليس ذلك من اخلاق
الفرسان السياسيين اذا جاز القول... فبتلك الاخطاء الثلاث اثبت البرادعي للجميع (
ولنفسه ايضاً ربما) انه لايصلح لممارسه السياسة في هكذا "بيئات" وذلك
بعد ان تسبب بنصيب وافر في تعقيد المشهد المصري.
هذا هو المشهد والازمة المصرية بكل اخطاء
اطرافها وتعقيدات اوضاعهم، فما هو المخرج الان، وما هي امكاناتات وفرص ايجاد صيغة
تسوية تجنب المزيد ومن الألام؟ وهل حل جماعة الاخوان وحظر نشاطها من جديد يمثل حل
جذري؟ ثم ما هو الموقف من حزب الحرية والعدالة (الواجهة السياسية للجماعة) هل يكون
مصيره مصير التنظيم والحزب الوطني؟ بإعتقادي ان الحكومة المصرية لو اتبعت هذا النهج
(نهج الحل والحظر والتصفية المعنوية) تكون بدات في ارتكاب سلسلة خطايا بدورها.. ان
اسلوب الحل لا يجدي مع مثل هذه التنظيمات فقد تم تجريبه من قبل وثبت فشله، فتلك
التنظيمات قادرة علي اتخاذ اشكال ومسميات مختلفة، بل انني ازعم ان السماح لها
بممارسة العمل تحت سمع وبصر الراي العام قبل القانون والرقابة النظامية هو ما يقود
هكذا تنظيمات الي التلاشي الطبيعي..، لذا يجب ان تتم معاقبة من تثبت ادانته بجرم
فقط و وفقا للقوانين السارية، ويسمح لمن يشأ ممن لم تثبت ادانتهم من اعضاء الجماعة
ممارسة العمل الدعوي او السياسي وينطبق عليه ما ينطبق علي سائر المواطنين،
هذا في المجمل، اما ما يخص الأزمة التي نجمت عن
تحرك 3 يوليو وعن فض اعتصامي رابعة العدوية نهضة مصر وما تبعهما من سلسلة احداث
مؤسفة، مع استمرار ضبابية الموقف في ظل اصرار قادة الجماعة علي مطلب "عودة
الشرعية واحترام خيار الشعب الديمقراطي!" وبحيث يرشح الموقف لمزيد من
التصعيد،
حتي لا يحدث ذلك وسعياً للتهدئة في الشارع
المصري بما يضمن مصالح وامن مصر فانا اقترح بنود التسوية التالية:
1) يتنازل الرئيس المعزول وجماعته عن مطلب العودة
الي منصب الرئاسة ويعلن قبوله بالوضع الراهن حسب بنود الخطة التي اقترحها هنا،
وينازل بالمقابل كل من وزير الدفاع و وزير الداخلية عن منصبيهم ويتولي نائباهما
تسيير العمل.
2) يتعهد كل من الرئس الحالي
والرئيس المعزول و وزير الدفاع و وزير الداخلية باعتزال المشهد السياسي لسنوات
مقبلة (أقترح أربعة سنوات).
3) تتعهد كل قيادات الاخوان
التي لعبت دورا في تازيم الوقف وتصاعد الاحداث الاخيرة ( بديع، الكتاتني، الشاطر،
العريان، البلتاجي، العوا، حجازي) تتعهد باعتزال العمل السياسي والتنظيمي لذات
المدة.
4) يتعهد كل من يشغل
منصب في الحكومة الانتقالية الحالية او التي تتألف لاحقا بالتعيين بعدم الترشح في
الانتخابات الرئاسية اة البرلمانية القادمة.
5) يتم اجراء انتخابات رئاسية
خلال (ستين يوما) من الموافقة علي هذه التسوية ويتم بالتوازي الاتفاق علي دستور
انتقالي يوضح صلاحيات الرئيس وسلطاته ومدة رئاسته.
6) تكون مهمة الحكومة التي
يشكلها الرئيس الانتقالي المنتخب هي تسيير الاعمال، وعقد الانتخابات النيابية خلال
ثلاث سنوات وعقد الانتخابات الرئاسية.
7) يتم اعتبار كل من سقط
قتيلا خلال الاحداث الاخير (شهيدا) تنطبق عليه احكام شهداء الثورة ويتم اعلان حالة
حداد رسمي ، ويتم تعويض المصابين والمتضررين.
8) يوقع علي هذه الخطة
بالموافقة كل من تمت تسميته فيها، و يكون توقيع مندوبي جبهة الانقاذ وحزب العدالة
والحرية وشيخ الازهر وبابا الكنيسة
القبطية بمثابة ضامنين.
تعليقات
إرسال تعليق