التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الأخوية .. والأخوانية



   تنظيم الاخوان المسلمين ؛ هو تنظيم قديم جداً اذ تأسس في بدايات القرن الماضي وتحديدا في العام 1928م علي يد الاستاذ /الشيخ (الامام) حسن البنا في القطر المصري، لتكون بذلك تلك الجماعة (التنظيم) أول تنظيم اسلامي دعوي اجتماعي قبل ان تتحول الي تنظيم سياسي بل جهادي – عسكري في بعض الاحايين.
  هناك عدة اسئلة لم تطرح من قبل علي رموز وقيادات هذا التنظيم منها: هل ثمة حاجة حقيقة وفعلية لإيجاد تنظيم ديني في مجتمع متدين (تنظيم إسلامي وسط شعب غالبيته العظمي من المسلمين)؟ وان كان ثمة ضرورة، فما هي تلك الضرورة؟؟ والسؤال المهم هو من اين جاءت هذه التسمية (الاخوان) وهل لها علاقة بمفهوم وبتنظيمات الاخوية؟؟!.
  قد يقول مدافع عن التنظيم ان ضرورة قيام جماعة دعوية واجتماعية (إسلامية) يمليها واقع المجتمع المسلم وذلك للتصدي لحالات الانحطاط والضعف وللنهوض بالامة الاسلامية لتواجه تحدياتها...الخ،
  كل هذه الحجج مع وجاهتها ومهما كانت قدرتها وتماسكها الذي تبدو عليه لن تقوي علي الصمود في وجه التمحيص والتدقيق من وجهة النظر الفقهية الاسلامية نفسها!
   فالاسلام يأمر المسلمين أن يبقوا متحدين؛ وينهي عن الاختلاف والانقسام و الاختلاف والتفرق الي جماعات وفرق وطوائف ( واطيعوا الله والرسول ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين) الاية. وتكوين تنظيم وسط المسلمين وفي المجتمع المسلم يفتح الباب علي مصراعيه لتكاثر التنظيمات الدينية (الاسلامية) وبالتالي تقوي احتمالات اشتجار وتنازع وتحارب تلك التنظيمات علي الموارد والنفوذ والسلطة بل وبمبرر امتلاك كل منها للفهم الحق والصحيح والممارسة الاصيلة للدين.
  الاثر النبوي الشريف كذلك يتحدث عن تفرق المسلمين الي بضع وسبعين فرقة (كلها في النار الا فرقة واحدة) .. والفرقة الواحدة – الناجية هذه ليست تنظيما صغير (مهما كبر) ولا جماعة منغلقة وانما هي جماعة المسلمين..هي الفرقة التي تضم كل من لم يفارق جماعة المسلمين لينتسب الي تنظيم او حركة او (فرقة) ما.
  هذا بالطبع لا يعني ان يكون كل المسلمون نسخة واحدة بلا أي اختلاف، فباب الاختلاف مفتوح طالما بقي باب الاجتهاد مفتوح، أما ما هو ممنوع فهو ان يقوم كل فقيه (مجتهد) بتنظيم من يسايرونه أو يوافقونه الرأي من الخاصة و العوام في جماعة تسعي لتمييز نفسها عن سائر المؤمنيين وذلك بغرض الترويج لمذهبه علي حساب باقي المذاهب وليتعصبوا لرأيه علي حساب راي باقي الفقهاء وعلي حساب اجماع المسلمين.
  إن القرآن الكريم يدعو المسلمين ويأمرهم بان يكونوا إخوانا هذا صحيح، (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً * وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) الاية. وهذا يعني ان يشعر كل مسلم بمشاعر الاخاء تجاه اي مسلم آخر بغض النظر عن أي اعتبار آخر غير الانتماء للدين الاسلامي، وليس في وسع أي تنظيم ان يضم كل المسلمين إليه ويآخيهم، فما يأآخي بين المسلمين هو الاسلام الذي آخي بين الانصار و المهاجرين في صدره. وسنة الرسول كذلك تأمر المؤمنين المسلمين بالمؤاخاة فيقول النبي (ص) ا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا- ويشير إلى صدره ثلاث مرات- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه )
   عليه فان انشاء أي تنظيم او كيان في قلب مجتمع مسلم ويسعي لخلق علاقة تميز اعضائه دينياً عن باقي اعضاء المجتمع يكون بمثابة جسم غريب في جسد الامة وخروج علي قاعدة وآصرة الاخوة التي تشمل جميع المسلمين ولا تقتصر علي اعضاء جماعة معينة او فرقة بعينها ، وهذا الخروج هو اول خطوة علي درب تكفير المجتمع ذلك الدرب الذي سارت فيه جماعات اخري انطلقت من ذات منطلق جماعة الاخوان، يمكن بالتأكيد تكوين روابط وجماعات أو اي تشكيلات اجتماعية لأي غرض أو هدف والا يكون اساس الانتماء دينياً ولذا يجب ألا يكون الغرض منها دينياً، فالانتماء الديني واحد لدي كل المسلمين وينبغي ان يبقي كذلك دائماً. فتنظيمات كتنظيم الحركات الاسلامية عموما والاخوان خصوصا تصب كلها في خانة تقنين وتعميق الخلاف والاختلاف والشقاق.
  وبخصوص التسمية (الاخوان) فهي تسمية وثيقة الصلة بمفهوم الاخوية، خصوصا ان وضعنا في الاعتبار ان الفترة التي شهدت تكوين الجماعة كانت هي ذات الفترة التي شهدت رواجا ونشاطا مكثفا لروابط وتنظيمات الأخويات، و(الأخوية) هي روابط مسيحية في الغالب " وإن بدت تتحلل مؤخرا من هذه الصفة مع انتشارها في مدارس وجامعات الغرب خصوصا امريكيا" وهي تعني قيام رابطة ثيقة بين اشخاص ليس بينهم رابطة دم، وهي روابط تعتمد السرية والغموض المفرط   في عملها وعضويتها وطقوسها..الخ، ويعرف عنها التنظيم الدقيق والانضباط الصارم الذي يقربها من كونها عصابات للجريمة المنظمة اكثر من كونها منظمات مجتمع مدني او منظمات ديمقراطية أو اي منظمات ذات أهداف قانونية مشروعة. وقد ارتبطت تلك الاخويات بالحركة الماسونية "تنظيم سري قديم ومشبوه يقال ان اعضاءه يسعون لإحكام سيطرتهم علي العالم دون ان يشعر بهم احد او يعرف ذلك"، والأخويات عموما حركات مشبوهة لكونها تقوم علي التعاضد والتضامن بين اطرافها ويكون الولاء فيما بين الاعضاء للأخوية اكثر من ولائهم لأي جهة أخري (أسرة أو وطن ...الخ)  وتضامنهم فيما بينهم وفي مواجهة (الأخرين) لا تحده أي حدود حتي لو كان الأخرين هؤلاء علي حق. وهي (الاخويات) تعتمد فرضية ان أعضائها في مرتبة اعلي من بقية الناس ، كما ان السرية التي تكتنف اعمالها وانشطتها وقواعد وطبيعة العلاقات داخلها تمثل غطاء ملائم لارتكاب تجاوزات ومخالفات وجرائم ايضاً.
  وبخلاف (الماسونية) فإن من ابرز الحركات والتنظيمات الاخوية في التاريخ (أخوية فرسان الهيكل أو فرسان المعبد) وهي تنظيم مسيحي نشط إبان الحروب الصليبية وقد تلاشي نتيجة اصطدامه بالسلطة الدينية والسياسية حينه في اوروبا نتيجة سعي المنظمة المحموم لفرض سطوتها ويبدو ان هذا هو مصير كل الاخويات والاخوانيات. واذا قرنا بين انشاء تنظيم ديني/ اسلامي في مجتمع مسلم بالحركة الاخوية العالمية (هل للأمر علاقة بالتنظيم العالمي!) فإن النتيجة ستكون مزيدا من ظلال الشك والريبة تجاه هذا التنظيم الذي تثير افعاله وتصرفات منتسبيه الريبه دوما. وما موقف جماعات الاخوان المسلمين (علي اختلاف اقطارها أو في تنظيمها العالمي) من جماعات التكفير والهجرة والجهاد وعلي رأسها تنظيم قاعدة الجهاد إلا دليل علي ذلك؛ فهي وان كانت لا تدعمه علناً ولا تؤيد نهجه الا انها لا تدين أفعاله الشنيعة والمنكرة اطلاقاً.
  ما يجب التنويه اليه مجددا هو ان الدعوه الي اتجاه فقهي هو عمل مشروع ومسموح به دائما أما تنظيم الاتباع تنظيما دقيقا لتمييزهم عن باقي المسلمين هو العمل الضار وغير المسموح به والواجب حظره ومكافحته. 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...