في الذكري الثانية لتقطيع أوصال الوطن
تخيم فوقنا هذه الايام الذكري الثانية لإنفصال الاقاليم السودانية الجنوبية، ذكري تقطيع اوصال الوطن قرباناً علي مذبح "المشروعين" الحضاري و السودان الجديد، فيما لايزال شبح الانقسام يرمي بظله الثقيل فوق اقاليم أخري..
الأن، وبعد عامين علي هذا الحدث "المزلزل" ، ليست هذه محاولة لفهم ما جــري، بقدر ماهي محاولة لتتبع موكب الاخطاء المستمرة التي قادت الي الحرب و الانفصال وقادت من بعد ذلك ويومياً الي مزيد من الحماقات والعقبات التي تعترض مستقبل الصلات الدبلوماسية وعلاقات الجوار بين الدولتين والشعب الواحد في الشمال والجنوب،
هي ليست محاولة لفهم ما حدث؛ فأولاً ، إن ما حدث قد حدث، وقلنا حينها ان كل المبررات التي قيلت في الجانبين لتسويق وتسويغ الانفصال "من شاكلة إن الجنوب لم يكن يوماً جزء من السودان – من جانب المؤتمر الوطني في الخرطوم، أو إن الوحدة لم يتم جعلها جاذبة بما يكفي لإقناع الحركة وقادتها و تعبئة الجنوب للتصويت لها وأن المؤتمر الوطني دفع الجنوبيين جنوباً - هذا من جانب الحركة الشعبية في جوبا" .
قلنا حينها ان انكار كون الجنوب جزء من السودان هو مثل انكار العين لضوء الشمس أو انكار الفم لطعم الماء (ولا يكون ذلك إلا بسبب رمد أو سقم الحمى) إذ ان الجنوب جزء من السودان منذ الازل وتأكدت بعضيته تلك في ايام الإدارة التركية في عهد الخديوي إسماعيل باشا الثاني، وعلي يد الضابط الانجليزي (صمويل بيكر) والتاجر السوداني الزبير رحمة باشا (1863-1879م)، كما تأكد ذلك بإرادة الجنوبيين في مؤتمر جوبا (1947م)، بل وهو جزء من السودان الي الان برغم كل ما حدث. وقلنا أيضا ان مواقف المؤتمر الوطني لا تسوغ التخلي عن وحدة أراضي السودان و وحدة شعبه التي بشر بها الزعيم قرنق ديمبيور ... وإن الوحدة جاذبة بطبيعتها ولا تحتاج لمن يجعلها أكثر جاذبية!! وان السودان ليس ملكاً للمؤتمر الوطني حتي (تحرده له) الحركة أو الجنوبيين.
وثانياً، إن سلسلة الأخطاء وسوء التفاهم التي قادت للحرب والانفصال. استمرت بعد ذلك مع الأسف ودشن بها البعض مرحلة الدولتين الجارتين "جواراً غير حسن" علي رأس هؤلاء باقان أموم والذي أطلق أحد أسوء التصريحات حين قال " وداعاً وسخ الخرطوم ..وداعاً العبودية..الخ "، وتلك سقطة لا مثيل لها ومحض إسفاف ، فالخرطوم ليست كلها وسخاً والجنوبيون لم يكونوا يوماً عبيداً أو مواطنين من درجة مختلفة في وطنهم، وان ما حاق بهم من ظلم هو نصيب من الظلم الذي حاق بسائر المواطنين من بسطاء اهل السودان.
كل ما هناك ان النخب المركزية والنخب الهامشية ايضا صعدت الخلاف والقطيعة خدمة لمصالح تافهة و وضيعة وذاتية، واستغلوا في سبيل مصالحهم تلك كل الكروت دون أدني سقوفات وطنية أو أخلاقية، متلاعبين في ذلك بالنسيج الوطني ومغذين لكل النعرات والعصبيات التي تفرق ولا تجمع.
لقد تصاعدت الأخطاء في ملف الجنسية والتي لم يتم التعامل معها بالحكمة المطلوبة ولا بالإجراءات الحقوقية الثابتة، فحكومة المؤتمر تمسكت بالإسقاط الكامل الشامل، والجنوب لوح بازدواج الجنسية ، ثم جارت حكومة الشمال في تصرفاتها وها هي تضايق الشماليين في الجنوب فتوقف المحامين عن العمل برغم مساعي الحريات الاربع بل تضايق الفلاتة (الذين يمثلون جزء من النسيج السكاني في مقاطعتي واو وراجا) والامبررو، وتمتنع عن منحهم الجنسية (الجنوبية) برغم انهم مواطنين فيها ، في حين ان المنطق القانوني لا يسند أي من الدعويين (الاسقاط /الازدواج)انما يعتمد ضوابط الميلاد و وقائع الإقامة والسكن..الخ، ويقول أيضاً بالتخيير التام المعتمد علي الإرادة الحرة للمواطنين .. فالثابت ان الاستفتاء لم يكن عملاً قانونياً حتي تترتب عليه أثار قانونية تمس بحقوق ثابتة (الجنسية) وإنما عمل سياسي يعني الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني لا غيرهما ويلزمهما وحدهما قانونياً.
تمسكت الخرطوم بالاسقاط التام للجنسية حتي من الجنود الجنوبيين الذين قاتلوا في صفوف الجيش الوطني السوداني ، ولا يستطيع أيا كان مهما بلغت درجة عداءه للحكومة المركزية في الخرطوم ان ينكر حقيقة ان الجيش السوداني لم يكن جيشا استعماريا بل جيش وطني ، واسقاط الجنسية عن أفراد اسر الجنود والضباط الجنوبيين الذين أستشهدوا دفاعا عن وحدة تراب وشعب السودان!! وهذا ما لم تفعله الجيوش الاستعمارية (كالجيش الفرنسي في الجزائر).
تمسكت الخرطوم بالاسقاط التام للجنسية حتي من الجنود الجنوبيين الذين قاتلوا في صفوف الجيش الوطني السوداني ، ولا يستطيع أيا كان مهما بلغت درجة عداءه للحكومة المركزية في الخرطوم ان ينكر حقيقة ان الجيش السوداني لم يكن جيشا استعماريا بل جيش وطني ، واسقاط الجنسية عن أفراد اسر الجنود والضباط الجنوبيين الذين أستشهدوا دفاعا عن وحدة تراب وشعب السودان!! وهذا ما لم تفعله الجيوش الاستعمارية (كالجيش الفرنسي في الجزائر).
كذلك تواصل دعم الحركات الخارجة علي الخرطوم وجوبا (في الجبهة المقابلة) حتى وصلت الدولتين علي شفير المواجهة الشاملة أكثر من مرة، وقاد وقف السفر بالجو و الي إغلاق الحدود بما يصاحبها من صعوبات اقتصادية واجتماعية وإنسانية تحيق بالمواطن المطحون البسيط.
ان صعوبة تأسيس علاقة دبلوماسية صحية بين الدولتين السودانيتين ترتكز علي الخلفية التي تحرك الجانبين، فالانفصاليون الجنوبيون وضعوا الوحدة كمرادف للعبودية والاستعمار!! و وضعوا تقرير المصير كمرادف للحرية، بذا أضحت الحرية والوحدة نقيضان في ذهن المواطن الجنوبي المستهدف بحملة الدعاية في التصويت لعملية الاستفتاء.. بينما تعامل انفصاليو الشمال (داخل المؤتمر الوطني) مع الأمر برمته علي انه شأن لا يخصهم فإن اختار الجنوبيون الوحدة يكونا قد عادوا بظلفهم لحظيرة الشمولية المؤتمروطنية، وان اختاروا الانفصال فقد كفوهم شر ومؤنة فصله بيدهم مع ما يصحب ذلك من مسئولية سياسية وتاريخية.
الأن وبعد عامين علي واقعة الانفصال، فان المقارنة الامينة بين الحال في الدولتين (السودان وجنوب السودان)وبين (المركزين) الخرطوم وجوبا، والحزبين الحاكمين (الحركة والمؤتمر)وبين الشعب (الواحد) والمنقسم جبراً الي شمالي وجنوبي تبين انه مامن فرق يذكر، نفس المعاناة والتخبط، نفس التسيب والانحلال، ذات الانهيار والاقتتال والانقسام ..ذات الفوضي والسمبلة،
ان كان ثمة فرق فهو فرق طفيف الدلالة ويكمن في الاختلاف بين شخصيتي الرئيسين (المشير البشير/ والفريق سلفا) حيث ان الاخير خلع البزة العسكرية بمجرد تعيينه نائبا لرئيس حكومة الجنوب ثم لاحقا رئيسا لحكومة الجنوب ونائب اول لرئيس الجمهورية وأخيرا رئيس دولة الجنوب، وهذا يشير الي اقراره ضمنيا (الرئيس سلفا) بالاساس المدني للعمل السياسي ولمهام الرجل الاول، وان كان استعاض عن قوة اشارة البزة العسكرية بحصر الوظائف العسكرية الحساسة في المقربين منه (عصبياً وقبيلياً) حتي يضمن ولاء الجيش الشعبي، في حين ان البشير لا يتواني في تذكير الجميع بأنه الممسك بزمام القوة العسكرية في البلاد. وبذا يكون السيد باقان قد استعاض عن وسخ الخرطوم بوسخ آخريخصه هو وسخ جوبا!!.
الأن وبعد عامين علي واقعة الانفصال، فان المقارنة الامينة بين الحال في الدولتين (السودان وجنوب السودان)وبين (المركزين) الخرطوم وجوبا، والحزبين الحاكمين (الحركة والمؤتمر)وبين الشعب (الواحد) والمنقسم جبراً الي شمالي وجنوبي تبين انه مامن فرق يذكر، نفس المعاناة والتخبط، نفس التسيب والانحلال، ذات الانهيار والاقتتال والانقسام ..ذات الفوضي والسمبلة،
ان كان ثمة فرق فهو فرق طفيف الدلالة ويكمن في الاختلاف بين شخصيتي الرئيسين (المشير البشير/ والفريق سلفا) حيث ان الاخير خلع البزة العسكرية بمجرد تعيينه نائبا لرئيس حكومة الجنوب ثم لاحقا رئيسا لحكومة الجنوب ونائب اول لرئيس الجمهورية وأخيرا رئيس دولة الجنوب، وهذا يشير الي اقراره ضمنيا (الرئيس سلفا) بالاساس المدني للعمل السياسي ولمهام الرجل الاول، وان كان استعاض عن قوة اشارة البزة العسكرية بحصر الوظائف العسكرية الحساسة في المقربين منه (عصبياً وقبيلياً) حتي يضمن ولاء الجيش الشعبي، في حين ان البشير لا يتواني في تذكير الجميع بأنه الممسك بزمام القوة العسكرية في البلاد. وبذا يكون السيد باقان قد استعاض عن وسخ الخرطوم بوسخ آخريخصه هو وسخ جوبا!!.
تعليقات
إرسال تعليق