التخطي إلى المحتوى الرئيسي

دولــــة اللا قــــانون


       أن تكون مواطنا في دولة "لا قانون" أي الدولة التي لا تقيم وزناً لحكم القانون.. ذاك أمر غاية السوء وأسوء ما يمكن أن يحدث لمواطن "إنسان" في عصر "نهاية التاريخ وسيادة قيم الديمقراطية هذا"..
     فدولة اللاقانون هي التي لا تحتكم "حكومتها" وأجهزتها لأي ضوابط دستورية وقانونية ولائحية ولا تعتبر ولا تلقي بالاً للالتزامات الدولية، وبالضرورة لا تحترم القواعد التي أرستها تجربة إنسانية راسخة بعد صراع مرير وطويل من أجل ترسيخ دعائم الاجتماع البشري المتحضر الحديث (علم الاجتماع والعمران)، وإقامة اسس الدولة الحديثة الوطنية..
    وحكم القانون مرحلة لاحقة ومتقدمة من مراحل الدولة الحديثة المدنية.. ودولة حكم القانون يعني اختصارا أن تخضع الدولة/الحكومة بجميع أجهزتها لقواعد قوانين المجتمع الديمقراطي، ومن ذلك احترامها لمبادئ المساواة أمام القانون وفصل السلطات واحترام حقوق الإنسان وحرياته العامة والشخصية وأبرزها حق التعبير وحرية الرأي والاعتقاد والتنظيم والاجتماع..الخ،
    فان تكون مواطن في دولة لا قانون يعني انك "لا مواطن" بل ولا مقيم ، بل ولا لاجئ حتي، إذا أن المقيم واللاجئ في مجتمعات الدولة الحديثة يتمتع بحقوق تفوق حقوق المواطن من الدرجة الأولي في دولة اللاقانون، ان تكون مواطن في دولة لاقانون يعني أن تتصرف وكأنك عابر سبيل، غاية ما يمكنك فعله هو أن تلاحظ وتدون في ذاكرتك مشاهداتك وملاحظاتك لتدونها لاحقا - بعد أن تعبر-  لنشرها أو الاحتفاظ بها،
    هذا إن كنت مواطن، مجرد مواطن عادي....!! أما إن كنت قانوني ( قاضي أو محامي أو....الخ) في دولة لا قانون فهذا أمر جد مختلف، فوظيفة القاضي والمحامي في دولة اللاقانون تختلف تماماً عن نظيراتها في دولة حكم القانون..
    فالقاضي في دولة حكم القانون يطبق القانون ويسهر علي حسن النظام وسائر أعمال العدالة دون محاباة أو تمييز علي أي أساس، فالمواطنين (المتقاضين) عنده متساوون لا فرق بين حاكم أو محكوم، إلا بما يقرره القانون الموضوع أمامه ونصب عينيه، والقانون نفسه عنده محكوم مبادئ العدالة العامة وبالدستور، لذا ففي إمكانه تفسير القانون بما يحقق مبادئ العدالة السامية ولا يخشي في ذلك إلا ضميره والقواعد التي تحكم جهاز القضاء الذي ينتسب إليه والتي تحمي استقلاله وحيدته وحصانته من تدخل أصحاب الأجندة السياسية والنفوذ (الحكومة والبرلمان)، أما القاضي في دولة اللا قانون فهو مجرد موظف لدي الحاكم (الدكتاتور) وهو غير محصن وغير محمي من تدخلاتهم بل يعمل بتوجيه مباشر يصدر إليه من اصغر موظف أمني وينفذ رغبات أصحاب السطوة والنفوذ من أعضاء الفئة الحاكمة، وهو يلتزم بالقانون في حدود شكلية فقط ان حاول تجاوزها ستمتد ألف يد لتضعه في الخانة التي يريدها الحاكم، ولذا تجد القاضي في ظل دولة اللا قانون متشدداً مع المواطنين ليثبت لنفسه أولا ولهم انه يتمتع بسلطة حقيقية وتجده يسرف في التمسك بالإجراءات الشكلية والقيود والضوابط ويتجنب بكل ما أوتي من طاقة ويحاذر من الاقتراب من الأمور الموضوعية حتى يتجنب ما يضعه في مواجه مع أجهزة النظام القمعي وذلك حتى يحافظ علي وظيفته ومخصصاته وراتبه التي يمن عليه بها سادته أولياء نعمته.
    كذلك المحامي في ظل دولة اللاقانون يتحول من حامي للحقوق الخاصة والعامة وخبير يقدم نصائح وفتاوى وشروح للقانون (بحسب ما تقتضي طبيعة مهنته في ظل الأوضاع المعتادة والطبيعية، أي أوضاع سيادة حكم القانون)، يتحول الي مجرد وسيط بين المواطن وقضاء الدولة (الفاسد)، وإلي مسهل Facilitator يحاول ان يخفف الضرر بكل الوسائل القانونية وغيرها والأخلاقية وخلافها ولذا تجده باستمرار ينغمس في أعمال ومعاملات لا تمت الي مهنته بصله و يهمل المعرفة القانونية لأنه لا يحتاج إليها بحسب ما علمته التجربة الواقعية والممارسة علي الأرض.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...