حينما انطلقت الثورات العربية من تونس اواخر العام 2010م و أوائل 2011م كان السودان يشهد أسوء أوضاع يمكن ان يشهدها وطن علي الاطلاق؛ فبالاضافة للأقاليم الجنوبية التي كانت تتأهب للإستفتاء علي تقرير المصير واعلان استقلالها عن الدولة السودانية ..كانت ايضا النزاعات الاهلية والحروب تمتد من الاجزاء الجنوبية للسودان الشمالي في شريط يمتد من أقصي الغرب (دارفور ، التي عرفت صراع اكتسب اهتمام دوليواسع بسبب الفظائع التي ارتكبت فيه والاتهامات التي راجت بارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب) الي جنوب النيل الازرق في اقصي الشرق... هذا بالاضافة ايضا الي انهيار تام لمؤسسات الدولة ماجعل خدمات كالتعليم،والصحة، والامن..الخ في ادني مستوي تعرفه الدولة السودانية منذ اعادة تأسيسها علي ايدي الاستعماريين (الحكم الثنائي الانجليزي المصري) في 1899م.وبالاضافة كذلك لإنهيار البنيات الاقتصادية الناتج عن انهيار مؤسسات الاقتصاد السوداني وتشكّل مؤسسات جديدة تعتمد كليا علي جني عائدات نفط الجنوب وصرفها علي الامن وعلي أغراض استهلاكية تفاخرية أخري علي النسق الخليجي رغم هشاشة البنية الاقتصادية في السودان.
واذا وضعنا في الاعتبار حالة الشد السياسي والاستقطاب بين الحزب الحاكم من جهة والاحزاب التقليدية والحركات المسلحة من جهة اخري فان الصورة تمثل لنا مشهد لحالة من الفوضي في اقصي تجلي يمكن ان تصل اليه،
فمع ضعف المعارضة السياسية وعدم ارعواء قيادات الحزب الحاكم ..تحللت الانتماءات السياسية وارتد السودانيون الي درك سحيق من الولاء القبلي والعرقي والعشائري البدائي..
عند انتقال شرارة الثورة من تونس الي مصر ،وليبيا ،واليمن،وسوريا... ودخول البحرين،والاردن ،والجزائر الي خارطة الاحتجاجات المطالبة بالاصلاح السياسي أضحي العديدين في داخل السودان ومن خارجه يتساءلون :متي سيثور شعب السودان؟؟؟؟!!! وفي الواقع كانت الاوضاع في السودان أسوء من ان تتيح فرصة للتحرك واندلاع ثورة شعبية سلمية،
فبروز الجار الجديد (دولة جنوب السودان) مع احتمالات ونزر حرب بالاضافة للتمردات الحادثة وتهتك النسيج الاجتماعي .. كل تلك كانت معوقات ، لكن كانت هناك ثورة من نوع مختلف .. ثورة علي مستوي الافكار والرؤي تنضج عقب أول دعوي للتظاهر في 30/11/ 2011م ،
كان الثوار ينشطون علي الارض وعلي مواقع التواصل الاجتماعي ووسائط الاعلام لتوحيد الرؤية الشعبية وتجاوز العقبات والالغام التي نشرها النظام بدقة وعناية وسط الفئات الشعبية السودانية ومؤسساتها الاجتماعية ، فقد كانت هناك حملات مكثفة للتعاطي مع النعرات العنصرية التي روج لها النظام واشاعها المؤتمر الوطني الحاكم واستجابت لها جماعت معارضة عدة، كما نشطت حملات تدعو لتغليب خيار العمل السلمي المدني وغير العنيف والتخلي عن اسلوب العمل العسكري المسلح الذي راج منذ العام 1995م وتسبب في فصل الجنوب وعديد الماآسي .
بالتوازي ايضا نشطت حملات للتعامل مع سؤال البديل الذي لوحت به الجهات الداعمة للنظام لإبراز المؤتمر الوطني الحاكم وكأنه الدواء المر وكأنه الضمان الوحيد للإستقرار ونجحت تلك الحملة نجاحا لافتا (مثلما نجحت سائر الحملات الشبابية) في توضيح ان البديل هو نظام ديمقراطي ذو خيارات مفتوحة ومتعددة علي عكس خيار السلطة الذي بان ان له نهاية واحدة مغلقة، أوضحت ايضا ان الطائفية ليست خيار وحيدا للسودانيين خصوصا في ظل التحالف (غير الكامل ) بين النظام والسيدين (المهدي والميرغني).
والأن بعد عام ونصف من الحراك السياسي الثوري والحوار العميق الهادئ حينا والعاصف آخر ، فإن وقت العمل قد حان ،فقد دشنت ثورة السودان عملها وأعلنت ميلادها من جامعة الخرطوم ومن مسجد الامام عبدالرحمن ومناطق أخري في اغلب مدن السودان، ولم تتبقي الا اللمسات الاخيرة التي ستوضح فقط كيف سينتهي نظام البشير وماهي ملابسات خلعه وعلي اي جنب سيسقط ؟.
تعليقات
إرسال تعليق