بلا شك ان عملية فض اعتصام القيادة يعد احد اكبر الخطايا في تاريخ السودان، ليس لبشاعته رغم فداحتها "فبشاعات الانقاذ و سابقاتها من الانظمة في الجنوب و الغرب و الشرق و الوسط و الشمال و الخرطوم لا تقل عنها فداحة بل تزيد" ، و ليس لانها وقعت في الخرطوم تحت عتبات مقر قيادة الجيش السوداني أو لأنها وقعت تحت انظار العالم الذي كان مشدوداً لأشهر لما يقوم به شعب السودان من ثورة ابهرته و اقتلعت نظام تطاير شره لما وراء الحدود، و تحت انظار كاميرات كبريات وكالات الانباء و القنوات و الصحف الدولية، انما فقط لأن اعتصام القيادة كان من انبل و اجل الفعاليات التي حدثت في تاريخ السودان الحديث، و كانت امال كبيرة منعقدة علي ان لا ينفض ذلك الجمع المبروك إلا بعد ان يتوصل المجتمعون لصيغة تخرج هذه البلاد من المتاهة التي ادخلتها فيها النخب السياسوية!
و لهذا السبب فان التحقيق لكشف ملابسات حوادث فض الاعتصام يمثل بدوره عمل جليل و معقد، و من يشارك في فريق التحقيق المعني يضع نفسه في وضع لا يحسد عليه، أما من يقود الفريق فانه يضع نفسه في فوهة المدفع بل في فوهة بركان..
فبسبب ما سبق ذكره و علاوةً علي ضعف ثقافة التحقيق و لجان التحقيق لدي عامة الناس و خاصتهم في بلادنا، فان الكثيرين يضعون في ظنهم و اعتقادهم ان ثمة نتيجة واحدة ينبغي ان يخلص اليها التحقيق، هي النتيجة التي يعتقدونها أو يتوقعونها، و أي خلاصة اخري ستكون بمثابة تنصل أو تنكر أو "خيانة" للشهداء و للثورة و للوطن.
هنا تكمن ورطة لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة التي يقودها المحامي نبيل اديب، و التي لا يبدو انها تعرف كيف تتعامل مع هذا الوضع المعقد الذي وجدت نفسها فيه!
في حين ان لجان التحقيق بطبيعتها لا تهدف الوصول الي نتائج معروفة سلفاً و محددة مسبقاً! فهي لجان تتشكل بالاساس للتعامل مع قضايا معقدة و حوادث غامضة و تهدف عبر الاستماع لمختلف الافادات و الروايات و تمحيص كل الادلة المادية "فيديوهات، تسجيلات، صور، اضافة لمختلف الادلة و الاثار كالاسلحة و الطلقات و مظاريف الطلقات الفارغة و البصمات ..الخ" لبناء أقرب الروايات للحقيقة و من ثم وهذا هو المهم التوصية لدي الجهات المختصة باتخاذ اجراءات قانونية محددة.
ان تقارير لجان التحقيق في الغالب لا يتم نشرها كلها للعامة انما يتم تسليمها للجهة المختصة و فقط يتم نشر ملخص عنها.
أما من جانب اللجنة و طبيعة عملها و تعاملها مع الرأي العام فانها يلزم ان تقوم بعملها بحرفية تامة بأن تستمع لكل الأطراف من اعلي قمة الهرم و حتي ادناه بما فيها شاغلي المناصب عالية الحساسية و الامنية، لذا و حتي يكون عمل لجنة فض الاعتصام مهنياً و احترافياً يلزم ان تستمع لكل اعضاء المجلس العسكري الانتقالي الذي كان حاكماً ليلة فض الاعتصام بما فيهم رئيس المجلس "القائد العام للقوات المسلحة" و قائد قوات الدعم السريع و مدير الشرطة و مدير الامن.
كما يلزم ان يتواصل بشكل منتظم مع الرأي العام عبر الاحاطات الصحفية و التنوير ليوضح الخطوات و الاجراءات التي اتخذت و في وقتها حتي تبني ثقة بين الرأي العام و اللجنة المعنية.
١٧ مارس ٢٠٢٠م
تعليقات
إرسال تعليق