التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ضِعنا يوم أضعنا كولمبيا

 الي السيد صديق المتهمين، رئيس لجنة التحقيق المستقلة في احداث فض اعتصام القيادة العامة؛ 

السيد رئيس اللجنة المستقلة يعلم أن القوانين العسكرية (و محاكمها) لا تقر بنظام المرافعات الحر و المستقل (والمحاماة) فهي تسمي من يتولي الحديث بإسم المتهم للدفاع عنه (صديق المتهم)؛ و حيث ان السيد المحترم نبيل اديب المحامي قد تطوع للدفاع عن المتهم صلاح قوش ابان اتهامه و آخرين بالتخطيط و التأمر لقلب نظام الحكم و تقويض النظام الدستوري (غير الدستوري)؛ فهو صديق المتهمين.

فليسمح لنا ان نخاطبه بهذه الصفة،

 و ليس لنا اعتراض علي ان يتطوع محامي بالدفاع عن أي متهم مهما كانت جريرته أو التهمة التي تنسب له، فهذا عمل المحامي و هو حر في تقديراته، لكن لنا ملاحظة هي ان المحامي عندما "يتطوع" للدفاع عن متهم لا يقر بحكم القانون، و أمام نظام قضائي مدني أو عسكري لا يقر بحكم القانون، و لا استقلال القضاء، و في ظل منظومة عدلية كاملة تعتمد نظام متكامل في الافلات من العقاب و انتهاك الحقوق و المبادئ فإن تطوعه يكون بمثابة تواطؤ ضد القانون و ليس انحيازاً للعدالة!

سيادة "صديق المتهمين" رئيس لجنة التحقيق في ابشع جريمة سياسية ترتكبها سلطة ضد شعب ثائر و مسالم؛ طالعنا لكم قبل أيام تصريح صاغت منه الصحيفة التي حاورتكم أحد عناوينها البارزة مفاده ان أحداث المنطقة المسماة كولمبيا لا تدخل في نطاق اختصاص لجنتكم الموقرة! و نخشي ان يكون هذا التصريح هو فاتحة تفريغ عمل اللجنة من مضمونه فتكون اللجنة هي آخر مسمار في نعش الحقيقة و التي هي ضالة المؤمن و ضالة كل انسان يروم الانصاف.

فأولاً، لا نري في التفويض الممنوح للجنة في امر تشكيلها الذي طالعناه ما ينتقص من سلطتها؛ فيجعلها قاصرة علي حيز جغرافي معين بحيث تخرج "كولمبيا" عن نطاق صلاحياتها، أما زمانياً فان كان الأمر يتحدث عن فض الاعتصام بتاريخ الثالث من يونيو المشؤم فان ذلك التاريخ لا يعدو كونه تسمية و وصف لحالة و حادثة و لا يعوق ذلك و لا يمنع البحث في شأن سبقها أو اعقبها زمانيا، طالما انه يرتبط بها ارتباطاً و ثيقاً و لا فكاك منه، و طالما ان البحث و التقصي بشأنه يعين علي فك طلاسم الحدث الرئيس و فهم ملابساته و ابعاده.

ثانياً، اننا و من خلال معايشتنا اللصيقة ليوميات الاعتصام، نعلم علم اليقين ان منطقة "كولمبيا" كانت احد المداخل الاساسية لتشويه ذلك الحشد النبيل و الانتقاص من الثورة الشعبية برمتها، و نعلم ان تقاصرنا عن حماية المتواجدين في المنطقة المعنية و المسماة كولمبيا و تخلينا عنهم و عن السيطرة عليهم باعتبارهم مواطنين قبل ان يكونوا ثواراً.. كنا نتخلي عن المشهد الثوري برمته، فقد ضعنا يا سيادة رئيس اللجنة يوم أضعنا كولمبيا و "الكولمبيين" ، كما ان التصريحات التي استمع لها الجميع "و استمعتم لها بلا شك كمتابعين للشأن العام حينها" ممن كانوا قائمين علي الأمر وقتئذٍ و من أمروا بفض الاعتصام أو برروا حدوث الفض؛ فانها تصريحات ورد فيها ذكر كولمبيا مراراً و تكراراً باعتبارها المعنية بالعملية الأمنية المشؤمة و التي راح جراءها نفر عزيز من الضحايا الشهداء و من المصابين و من المفقودين و المعتقلين.. لذا فلسنا بصدد منطقة أو حدث منعزل بل منطقة واحدة و حدث واحد يجب ان يكون التحقيق بشأنه شاملاً و متعمقاً و ليس سطحياً و انتقائياً.

اخيرا، سيادة رئيس اللجنة  "و صديق المتهمين" ان هذه الثورة ما قامت إلا لتقويض دولة اللاقانون و الافلات الممنهج من العقاب، و لاقامة دعائم و اعمدة دولة حكم القانون و مؤسساتها الديمقراطية بما في ذلك السلطة القضائية المستقلة و محاكمها، و حيث ان التحقيق النزيه و الشامل هو المدخل الصحيح بل و الوحيد لمحاكمات عادلة و لكشف الحقيقة لا تزييفها و طمسها و لانصاف الضحايا و عائلاتهم و من ثم المدخل للاستقرار الاجتماعي و السياسي.. فانت و لجنتك مدعويين للعمل وفق منظور شامل و شفاف و تجنب الانتقائية و التحيزات و الترضيات أو أي اعتبارات اخري لا صلة لها بكشف الحقائق و تحقيق العدل و الانصاف.

-------------------------

٤/ ١١/ ٢٠١٩ م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم تفريغ الجامعات والمعاهد من اي مضمون واضحت الدرجات العلمية مجرد القاب مملكة في غير موضعها...     فاحاديث الرجل لا توحي بشئ في هذا المضمار.. التخصص، كما ان المعلومات المتوافرة في قصاصات الصحف ولقاءات الاذعة لم تفصح عن شئ ايضا!    السيرة الذاتية المتوافرة علي موقعي البرلمان السوداني 'المجلس الوطني' و البرلمان العربي تقول ان البروف-الشيخ حاصل علي بكالريوس العلوم في الفيزياء و ايضا بكالريوس الاداب-علوم سياسية من جامعة الخرطوم! ثم دكتوراة فلسفة العلوم من جامعة كيمبردج. اي شهادتين بكالريوس و شهادة دكتوراة. مامن اشارة لدرجة بروفسير "بروف" والتي يبدو ان زملاءه في السلطة والاعلام هم من منحوه اياها!!    سيرة ذاتية متناقضة وملتبسة تمثل خير عنوان للشخصية التي تمثلها وللادوار السياسية والتنفيذية التي لعبتها!    ابرز ظهور لشخصية الشيخ-البروف كان ابان صراع و مفاصلة الاسلاموين، حينها انحاز البروف لف

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بينها ع

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانتهازيين علي اختلاف مشاربهم ( مؤتمر وطني، و مؤتمر شعبي،اخوان مسلمين، سلفيين، سبدرات، وابوكلابيش، والراحل شدو، اتحاديين الميرغني، و حاتم السر، و الدقير، و احمد بلال، واشراقة سيد، و احزاب امة مسار، و نهار، و مبارك المهدي، وحسن اسماعيل.. الخ ) و غيرهم يحاولون جميعا تصوير الأمر علي انه يعني سقوط البشير لوحده!   البشير لم يسقط وحده، فهو يرمز لعهد باكمله، و يرمز لاسلوب في الحكم و الإدارة وتسيير الشأن العام ( السياسة )، و بسقوطه سقط مجمل ذلك العهد و اسلوب الحكم و السياسة و الادارة..   و سقط ايضا كل من اعانوه او اشتركوا معه و كانوا جزء من نظامه في اي مرحلة من مراحله المقيتة. و حين تقوم مؤسسات العدالة وتنهض لاداء دورها سيتم تحديد المسؤوليات بدقة و بميزانها الصارم و سيتم توضيح ( من فعل ماذا؟ و من تخاذل متي؟ ). البشير لم يحكم وحده حتي وان استبد في اخريات ايامه و سنوات، بل كان له مساعدون و اعوان في ذلك الاستبداد و داعمين لان