مكافحة الفساد في الانظمة القانونية المستمدة من الفقه الاسلامي
Anti-Corruption In Legal System Derived out Islamic Jurisprudence “FIGH”
انور محمد سليمان/ قانوني و باحث
مستخلص
تَنوُع و تًشعُب انماط المعاملات التجارية، و تَعقُد مجالات الانشطة الاقتصادية، و تَضْخُم جهاز الادارة و الحكم، أبرزت الحاجة الي افراد تشريعات قائمة بذاتها "اضافة للقانون العام" تحاصر اساليب و انماط الممارسات الفاسدة التي استشرت مع ذاك التشعب و التضخم، من تلك التشريعات؛ كالقوانين التي تجرم الاحتكار و الاغراق، و القوانين التي تضمن عدالة و تساوي الفرص، و القوانين التي تحظر و تحاصر الاساليب الفاسدة و الممارسات الملتوية التي تتحايل علي النظم العامة و لوائح الادارة و الخدمة العامة..
الدول الاسلامية و التي تطبق تشريعات مستمدة من الفقه الاسلامي (الشريعة الاسلامية) ليست استثناءاً في هذا الصدد.
AbstractionDiversity and renewability of commercial deals, the complexity of Economic activities, and the swells of governing authorities, make the necessity to enacting a lot of enactments; for example laws prevent Monopoly, Dumping, laws ensure Equal Opportunity, and Anti-Corruption laws which combat corrupted transactions aimed to breach Public Policy System and Administrations Standards..Islamic States which implement laws derived out of Islamic FIGH is not an exceptions.
مقدمة
مع تنامي التهديد الذي مثلته الممارسات الفاسدة ادارياً او مالياً للمجتمعات و الأنظمة؛ تنامى ايضاً انشغال المؤسسات الوطنية و الأممية الرسمية و الطوعية بقواعد "الافكار النظرية" و أدوات مكافحة الفساد، حتي بلغنا مرحلة اصبحت فيه مكافحة الفساد احد الافرع "العلمية" و الدراسات المستقلة التي تكرس لها المعاهد و المراكز وقتاً و فرقاً بحثية.
ليست المدارس الفقهية و التشريعات الاسلامية بدعاً من ذلك التوجه العالمي لمكافحة الفساد، برغم الاشكالات المتعلقة بالسياقات التاريخية، و المفاهيم الخاصة بهذا القسم من القوانين "القوانين الدينية" ..
فالنصوص المتعلقة بالمبادئ الاساسية التي تعرف الفساد و تقرر الموقف منه "تحريماً له او نهياً عنه" او تقرر عقوبة دنيوية او آخروية عنه، هي نصوص تعود الي عصر الوحي و الرسالة نفسه، بينما تمثل مساهمة و اجتهاد الفقهاء بعضاً من الحلقات المفقودة خصوصاً في قرون الانحطاط و التقليد الفقهي، و فيما كان مأمولاً ان تكون اسهامات "فقهاء عصر الاحياء و التجديد الديني" واضحة و فارقة، الا انه و مع الأسف لم تكن مكافحة الفساد من اولياتهم، اذا انشغلوا بأمور اكثر راديكالية و أصولية كمسألة الدستور الاسلامي، و الحكومة الاسلامية، و قوانين العقاب الاسلامية، و قوانين الاحوال الشخصية و الأسرة، أو امور اكثر إغراءاً و جاذبية كالصيرفة و التأمين الاسلامي.. الخ، و بالمحصلة فان مكافحة الفساد لم يكن من اولويات جماعات الاحياء الديني و خصوصاً ما عرفت في الساحة "الدعوية و الفكرية و السياسية" بتيارات الاسلام السياسي.
أما مفاهيمياً و فيما يتصل بالتصورات المجردة و الاصطلاحات المعرفية فان للفقه الاسلامي منظومته الخاصة من المفاهيم، و هذا ينطبق ايضاً علي حقل دراسات مكافحة الفساد..
مقارنة بين القوانين (الوطنية) الوضعية و القوانين المستمدة من الفقه الاسلامي:
ثمة فروق و تباينات بين القانون و الدين و بالتالي بين القانون و القوانين المستندة الي الدين و منها الشريعة الاسلامية.
تلك فروق جوهرية ينتج عنها اختلافات متشعبة بلا نهاية.
القانون :
ان القانون في تعريفه و علي اختلاف المدارس و نظريات القانون يتميز عن الشرائع الدينية.. ففي النظرية الوضعية هناك اجماع علي (إن القانون يجب ان يُعرّف بحيث لا يتضمن عناصر أخلاقية و يشترط عدم وجود ارتباط بين ما يفرضه القانون و ما تفرضه الاخلاق، بين القانون كما هو كائن و القانون كما ينبغي أن يكون).
كما ان القانون في تعريف جون أوستن هو (أمر صادر عن سلطة عامة تنطوي مخالفته علي جزاء).
اما نظرية القانون الطبيعي فمع كونها تقر بوجود إرتباط بين القانون و الاخلاق و ان العدالة جزء اصيل من القانون و ان تخلفها ينقص من قيمته (القانون) و يخرج به عن كونه واجب النفاذ و ملزم¹.. الا انها تبقي نظرية من نظريات القانون التي تقر بأن مقتضيات القانون تختلف اختلاف تام عن مقتضيات الدين².
التشريعات القانونية المستمدة من الفقه الاسلامي:
تستخدم مصطلحات الشريعة الاسلامية و الفقه الاسلامية علي نطاق واسع كمترادفات، بينما يُفرق بعض "العلماء" العلوم الشرعية بينهما. لكن علي كل حال فان الفروق بينهما و ببن القانون الوضعي متفق عليها بذات الاجماع.
يُعرف العلماء الشريعة بأنها : (ما شرعه الله للناس من قواعد الدين سواء كانت متعلقة بالعقيدة الدينية أو بالأخلاق أو بأخلاق المكلفين من عبادات و معاملات)³.
و انها "الشريعة" تختلف في جوهرها عن القانون الوضعي.
و إن الشريعة و الالتزام بها شرط ضروري و قبلي لتكوين الدولة الإسلامية.
أما الفقه، فيُعرفونه لغةً بأنه (الفهم الدقيق النافذ الذي يتعرف غايات الأفعال و الأقوال).
و (فهم مُراد المتكلم من كلامه الفهم الدقيق).
اما في الاصطلاح الشرعي فهو ( العلم بالاحكام الشرعية العملية من ادلتها التفصيلية). و العلم بالقواعد الشرعية بجميع انواعها؛ اعتقادية- اخلاقية- عملية).
اما اصول الفقه فهو: العلم الذي يبين المناهج التي انتهجها الأئمة المجتهدون في استنباط و معرفة الاحكام الشرعية من النصوص و البناء عليها باستخراج العلل التي تبني عليها الأحكام، و تلمس المصالح التي قصد اليها الشرع الحكيم، و أشار اليها القرآن الكريم، و صرحت أو أومأت لها السنة النبوية و الهدي المحمدي.
و هو مجموعة القواعد التي تبين للفقيه طرق استخراج الأحكام من الأدلة الشرعية، سواء كانت تلك الطرق لفظية كمعرفة دلالات الألفاظ الشرعية علي معانيها، و طرق التوفيق بينها عند تعارض ظواهرها، أو اختلاف تاريخها، أو كانت معنوية كاستخراج العلل من النصوص و تعميمها و بيان طرق استخراجها و أسلم المناهج لتعرفها.
السؤال المهم هو هل يمكن اعتبار القوانين المستمدة من الشريعة الاسلامية و الفقه الاسلامي منظومات قانونية بالمعني الصحيح؟ و المعني الحديث؟ أي انها تصلح أساس لعمل آليات و أجهزة الدولة "الحديثة" من قضاء و شرطة و نيابة عامة و مجلس تشريعي و جهاز بيروقراطي اداري.. الخ؟
الاجابة عن هذا السؤال لها صلة بما نبحثه هنا (دور و امكانات تلك القوانين في مجال مكافحة الفساد) .. و للإجابة علي السؤال ثمة اضاءات من قبيل ما أدلي به الفقيه و الأزهري و القاضي المصري الشيخ علي عبد الرازق إذ انه يري أننا (ان كنا نبحث عن تاريخ القضاء زمن النبي (ص) إن حال القضاء في ذلك الوقت لا يخلو من غموض و إيهام يصعب معها البحث، و لا يكاد يتيسر معها الوصول لرأي ناضج يقره العلم و تطيب به نفس الباحث..)
و يضيف: (في التاريخ شئ صحيح من قضاء النبي "ص" لكننا إذا أردنا أن نستنبط شيئاً من نظامه في القضاء نجد ان إستنباط شئ من ذلك غير يسير، بل غير ممكن، لأن الذي نُقل إلينا من أحاديث القضاء النبوي لا يبلغ أن يعطيك صورة بينة لذلك القضاء، و لا لما كان له من نظام، إن كان له نظام)⁴.
اضاءات حول بعض المفاهيم الفقهية الاساسية:
بما ان القوانين الاسلامية هي قوانين دينية، و بالتالي فان الفقه الاسلامي هو فقه يعتمد علي نصوص دينية، و علي مبادئ تم تطويرها فيما هي مستمدة في جوهرها من الدين.. فمن الطبيعي ان يكون هناك اختلافات اساسية بين التشريع الاسلامي و بين مبادئ القانون المتعارف عليها نسبة لاختلاف المرجعية في كل قسم، و من المفاهيم الفقهية المتمايزة نرصد:
١. اختلاف مفهوم القاعدة "الآمرة" الفقهية عن القاعدة الآمرة القانونية، ففيما تعد القاعدة الآمرة في القانون دالة علي تجريم مخالفتها و بطلان اثر اي فعل يرتكب بالمخالفة للقاعدة القانونية⁵ فان مخالفة القاعدة الدينية او القاعدة الفقهية لا يترتب عليها بالضرورة ادانة او تجريم، اذ تدخل بعض الممارسات في توصيف "الإثم" او "اللمم"، و هذه تعادل -مع الفارق- الجنح في القانون، فالأمر في الفقه (الأمر الشرعي)
يتراوح بين الواجب-الفرض و الجائز-المباح و المندوب (و هو الذي يثاب فاعله و لا عقاب و لا اثم علي تاركه) و المكروه (و هو الذي يثاب تاركه و لا اثم و لا عقاب علي مقترفه) و المحرم (و هو الذي يعاقب و يأثم مقترفه)⁶ فلكل منهم حكم مختلف ..
هذا التباين في قوة و الزامية القاعدة الشرعية و الأمر الشرعي هو ما يؤثر علي التزام اتباع الدين او المنهج او المذهب المعين بقواعد و احكام الدين باعتبار ان الالتزام لا يتحقق بالكامل انما يسعي العبد ليحقق قسط منه! و بهذا تتأثر معايير و احكام محاكمة الفساد بهذا التباين.
فيما القاعدة القانونية تتراوح بين الفعل و الترك فقط و أي اقتراف لفعل تأمر القاعدة بتركه، و أي ترك لفعل تأمر القاعدة القانونية بالقيام به، يعتبر مخالفة بنفس الدرجة للقاعدة القانونية، يوقع تحت طائلة الجزاء المنصوص عليه في متن القاعدة. ⁷
٢. مفهوم العقاب في الدين يتراوح بين عقاب دنيوي منصوص عليه عيناً كما في الحدود، و عقاب اخروي متروك تحديده لله سبحانه يوم الجزاء -القيامة.. اما في
القانون فإن العقاب دنيوي فقط بطبيعة الحال و مبدأ الشرعية يوجب ان يكون العقاب محدد بدقة و محصور في خيارات
محدودة و مدي معروف، و ان تكون سلطة القاضي في تقدير العقاب محصورة في نطاق معين.
٣. تتباين انواع المخالفات للقاعدة الشرعية "الفقهية" و تتراوح بين الحدود "الجرائم الست او السبع -حسب المذهب الفقهي- المنصوص علي تجريمها و عقوباتها بنص قرآني او حديث نبوي صحيح"، و القصاص و التي تتعلق بالاعتداء و الأذي البدني و المنصوص كذلك علي مقدار الجزاء فيها (النفس بالنفس و العين بالعين و السن بالسن و الجروح قصاص) و التي تتوقف سلطة ايقاع العقاب علي رأي المجني عليه او ذويه، أو التعزير و هي مخالفات متروك تجريمها و تحديد عقابها لولي الأمر..
بينما في القانون ليس هناك اختلاف كهذا، فالفرق الوحيد بين الجرائم في القانون هو مدي شدة خطر الجريمة علي المجتمع، و الدولة ممثلة في النائب العام وحدها هي التي لها سلطة المطالبة بايقاع العقاب او عدمه.
كما ان هناك تباين في الاليات و التشريعات .. فقوانين كقانون حركة المرور -قانون السير- و قانون الملكية الفكرية و قانون الشركات "الهيئات الاعتبارية التجارية" ليس لها اصل في الفقه الاسلامي، مثلما بالمقابل هناك قوانين تستند للفقه الاسلامي كقانون الأمر بالمعروف و قانون الزكاة ليس لها نظير او مقابل في فلسفة القوانين.
تلك الاختلافات المفهومية الثلاث الرئيسية بين الفقه "الديني / الاسلامي" و القانون تلقي بظلالها علي قواعد مكافحة الفساد في ظل منظومة القوانين المستندة الي الفقه الاسلامي.
يصلح السودان نموذجاً لمنظومة القوانين المستندة الي الفقه الاسلامي لكونه :
أولاً: كان من الدول السباقة الي النص دستوراً (دستور السودان لسنة ١٩٧٣م) علي (دين الدولة الرسمي). و النص علي ان الشريعة الاسلامية هي (مصدر أول) للتشريعات و القوانين.
ثانياً: أجري تعديل علي القانون الجنائي (١٩٨٣م) و القانون المدني (١٩٨٤م) تبني فيها عقوبات و جرائم و قواعد فقهية، كما سن عدد من التشريعات المستحدثة كلياً و التي لا نظير لها في انظمة القانون الحديثة كقانون الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لسنة ١٩٧٧م، و قانون الزكاة و قانون أصول الاحكام القضائية لسنة ١٩٨٣م و الذي اعطي القضاة سلطة بلا حدود لتطبيق الفقه الاسلامي عند غياب النص او عند وجوده اذا رأي القاضي ان نص القانون يخالف الشرع3.
منظومة القوانين التي تستند للفقه الاسلامي تنشئ واقع قانوني يختلف تماماً عن واقع قوانين مجتمع الدولة الحديثة ..
فالتقسيم الديني للجرائم؛ لحدود و قصاص و تعزير قدح في الاذهان ان الجرائم الكبيرة هي الحدود "الكبائر" اما ما عداها فليست مخالفات دينية خطيرة!
كما ان التباين الواسع في القاعدة الفقهية خلق انطباع كذلك بأن معظم ممارسات الفساد تدخل في باب الشبهات و اللمم و انها ليست مخالفات دينية! و ان كل ما لا نص علي عقوبته يدخل في باب الالتزام الاخلاقي الذي تجوز المسامحة فيه و يسقط الجرم بالاستغفار فقط و بالتوبة!
علاوة علي كل ذلك، فان الفقه الاسلامي ان كان قد تضرر في قرون الانحطاط و التقليد و تأثر بغلق باب الاجتهاد و اعمال الفكر و النظر في مختلف مجالات الحياة فانه قد تأثر في مجال التشريع القانوني و التشريع الجنائي و حتي الاخلاق بوجه اخص اشد تأثير و هذا خلق فجوات كبيرة بين الفقه و الواقع، و هنا فان مجال مكافحة الفساد يمثل احد الحقول التي يبين فيها تقصير الفقهاء.
مكافحة الفساد في التشريعات الدولية و الوطنية :
لا يقتصر خطر الفساد في انه يبدد موارد او مبالغ يمكن رصدها و حسابها و عدها و تحديدها؛ انما يتجاوز ذلك في انه يقعد بالدول و مؤسساتها و مجتمعاتها و يعيق تنميتها و نهضتها أيضاً.. فمقابل كل مبلغ يتم رصد تبديده فان ثلاثة اضعافه علي الاقل تضيع علي المجتمع و الدولة جراء الاساليب الملتوية التي تنهض عن الفساد و تعيق التنمية و تصيب قطاع الاعمال بالعجز و الفشل، و كذلك جراء احجام رؤوس الاموال عن الاقدام علي مغامرة الدخول في نشاط حقيقي قد تضيع معه تلك الاموال خوف الفساد.
قبل ان تتنامي جرائم الفساد و تتنامي و تزيد بالتالي الجهود الوطنية و الأممية لمجابهته كانت التشريعات الوطنية (الجنائية و الادارية) تفي بغرض محاصرته و تقليص ضرره.
لكن بعدها و مع تنامي منظمات الاجرام و (عولمتها) قادت المنظمات الدولية جهود مكافحته، و تعد اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية التي تم التوصل اليها في سنة ٢٠٠٠م هي الاساس الذي تستند عليه عملية مكافحة الفساد . حيث تنص المادة الثامنة من الاتفاقية علي تجريم الفساد، و تنص المادة التاسعة منها علي قيام الدول باتخاذ الاجراءات و التدابير اللازمة لمكافحته⁸.
في العام ٢٠٠٣م و عقب ترسخ القناعة لدي الدول اعضاء المنظمة بعدم كفاية نصوص اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، و بضرورة إفراد معاهدة خاصة بمكافحة الفساد تم ابرام إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ..
افردت اتفاقية مكافحة الفساد نصوص سمت فيها ممارسات بعينها ليتم تجريمها علي اعتبار كون ارتكابها ارتكاب لجريمة فساد، ابرز تلك النصوص المادة الخامسة عشر (تقديم رشوة لموظف
1/ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية سنة ٢٠٠٠م.
وطني)، و المادة السادسة عشر (تقديم رشوة لموظف أجنبي)، و المادة السابعة عشر (اختلاس و تبديد المال) ، و المادة الثامنة عشر (المتاجرة بالنفوذ) ، و المادة التاسعة عشر (إساءة استغلال الوظائف)، و المادة عشرون (الإثراء غير المشروع)، و المادة الحادية و العشرون (رشوة الموظف في القطاع الخاص) كما نصت الاتفاقية علي جملة من التدابير لتفعيل مكافحة الفساد و رفع كفاءة الاجهزة التي تختص بملاحقته؛ من ذلك المادة الثانية و العشرون (التي تنص علي حماية الشهود في جرائم الفساد)، و المتدة الثالثة و العشرون (التي تنص علي اجراء حماية المبلغين).
كل الدول التي صادقت علي تلكم الاتفاقيات الدولية سنت قوانين و تشريعات وطنية، و اتخذت اجراءات و تدابير لانفاذ توجه مكافحة الفساد (تكوين هيئات وطنية مختصة لمكافحة الفساد).
الفساد قانوناً و فقهاً:
الفساد في اصطلاح القانون هو استخدام شخص لموارد أؤتمن عليها و تحت تصرفه لغرض غير الذي خصصت له، و استغلال نفوذ أو صلاحيات وظيفة عهد بها اليه لتحقيق مصلحة خاصة به او لآخرين علي صلة به.
اما لغةً و فقهاً، فالفساد هو التلف و الخراب و المَحل و الكوارث، حسب قاموس المعاني الجامع¹، و بهذا المعني يفهم قوله تعالي:" ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت ايدي الناس " الروم ٤١
(و اذا تولي سعي في الارض ليفسد فيها و يهلك الحرث و النسل و الله لا يحب الفساد) البقرة ٢٠٥
و قوله تعالي: (فلولا كان من القرون قبلكم اولوا بقية ينهون عن الفساد في الارض الا قليلا ممن انجينا منهم و اتبع الذين ظلموا ما اترفوا فيه و كانوا مجرمين) هود ١١٦
و قوله: (و أحسن كما احسن الله اليك و لا تبغ الفساد في الارض ان الله لا يحب المفسدين) القصص ٧٧
و قوله عز وجل: (الذين طغوا في البلاد* فاكثروا فيها الفساد) الفجر ١٢
و قوله تعالي: (انما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الارض فساداً أن يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم و ارجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا و لهم في الاخرة عذاب عظيم) المائدة ٣٣
و قوله تعالي: (كلما اوقدوا نارا للحرب اطفأها الله و يسعون في الارض فسادا و الله لا يحب المفسدين) المائدة ٦٤
و قوله تعالي: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض و لا فسادا و العاقبة للمتقين) القصص ٨٣
1/ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد سنة ٢٠٠٠م
و قوله تعالي: (من أجل ذلك كتبنا علي بني اسرائيل ان من قتل نفساً بغير نفس أو فسادا في الارض فكأنما قتل الناس جميعا و من احياها فكأنما احيا الناس جميعا) المائدة ٣٢
و يلحظ ان عبارة (فسادا في الارض) او (في الارض فساداً) هي الاكثر وروداً،
المعني الذي يتبادر من تلكم الصيغة هو اختلال نواميس و سنن الطبيعة الكونية و كذلك سنن و نواميس المجتمعات البشرية ..
فالفساد اذا استشري و عم فان نتيجته النهائية تكون لا محالة انخفاض قيمة الانسان و سهولة ازهاق الارواح و التساهل مع سفك الدماء. و في الفقه يقال قياس فاسد اذا كان به خلل في وجه من وجوهه، بمعني قياس غير صحيح..
نماذج لممارسات فاسدة حظرها التشريع الاسلامي:
حظر الاسلام و حرم ضربا من الممارسات الفاسدة نذكر منها علي سبيل المثال؛
اولاً: الربا:
الربا هي احدي الممارسات التي كانت رائجة في العصور الغابرة، و فيها يقوم صاحب المال باقراض المفلسين "نقدا او عينا -سلعة" مقابل ان يردوا قيمة القرض بمقابل يحدده هو، و تزيد قيمة المقابل كلما كان العرض محدود و لم يكن هناك تاجر اخر ينافسه بتقديم القروض.. هذا ما يعرف في الفقه الاسلامي ب(ربا النسيئة) و هو يعتمد علي تأجيل السداد مقابل مبلغ بعينه و يزيد ذلك المقابل كلما امتد او تأجل موعد السداد و كان من العسير ان يتخلص الانسان من دين الربا لأن الزيادة فيه باهظة، فيصبح المستدين اشبه بالعبد المملوك للدائن يعمل و يبذل كل جهده بينما تذهب المنفعة كلها للدائن.. و هناك نوع اخر يعرف بربا الفضل و يقوم علي مبادلة صنف بصنف مع زيادة في احدهما.
كل ذلك في وقت لم تكن فيه النقود معروفة او واسعة الاستخدام كأداة تقييم.
و برغم ان القرآن حرم الربا تحريما قاطعاً بعدة ايات قرآنية و احاديث نبوية (الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا انما البيع مثل الربا و أحل الله البيع و جرم الربا) ٢٧٥ البقرة، و قوله تعالي: (يا ايها الذين أمنوا اتقوا الله و ذروا ما بقي من الربا لعلكم تفحلون() فان لم تفعلوا فآذنوا بحرب من الله و رسوله فان تبتم فلكم رءوس اموالكم لا تظلِلمون و لا تُظلمون) ٢٧٩ البقرة، الا انه مع ذلك لم ينص علي عقاب جنائي دنيوي لمن يتعامل في الربا، و اكتفي فقط بالوعيد بالعقاب الاخروي! فهو ليس جريمة او جنحة جنائية بالمفهوم الجنائي القانوني المعاصر و لا بمفهوم القانون الديني نفسه اذ انه ليس من الحدود الا ان بمكن ان ينص عليه فيكون من التعازير التي يقررها الحاكم!
مع ذلك فكثير من قوانين الدول التي توصف بأنها "اسلامية التشريعات و القوانين" مثل القانون السوداني الذي لم ينص علي الربا كجريمة جنائية؛ فقط يعتبر عمل غير مشروع و ان اثبت احد الاطراف في دعوي جنائية ان المعاملة "ربوية" فان القانون يبطل ما ترتب عليها و لا تحكم المحاكم الا برأس المال "أصل المبلغ" دون عقاب علي التعامل الربوي.
ثانياً: الرشوة:
حرمت الديانة الاسلامية الرشوة؛ ففي الأية الكريمة (و لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل و تدلوا بها الي الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم و انتم تعلمون) ١٨٨ البقرة.
و الادلاء بالمال الي الحكام هو الرشوة عينها.
في الحديث الشريف عن أبو حميد الساعدي قال: (استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من بني أسد يقال له ابن الأتبية على صدقة، فلما قدم قال هذا لكم وهذا أهدي لي. فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر قال سفيان أيضا فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ما بال العامل نبعثه فيأتي يقول هذا لكم وهذا لي فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه ألا هل بلغت).
و الرشوة كذلك ليست من جرائم الحدود و لا القصاص..
ثالثاً: الاغلال:
الاغلال هو الاختلاس من اموال الغنائم الناتجة عن الحرب، و هي في المعايير الحديثة هي جريمة عسكرية.
هل يجرم الاسلام الاختلاس؟ و خيانة الأمانة؟:
يحرم الفقه الاسلامي الاختلاس و خيانة الأمانة، فالنصوص التي تحض علي اداء الأمانة لا يسع المجال لذكرها هنا منها قوله تعالي :(ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الي اهلها و اذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل) النساء ٥٨
و لا يسمح بالانتقاص منها الا للضرورة و بقدرها و بالمعروف.. اي بالقدر المتعارف عليه الذي يزيل الاضطرار (و من كان فقيرا فليأكل بالمعروف) النساء ٦.
هذا فيما يتعلق بامانات و اموال الافراد اما الامانة العامة و المال العام فليس ثمة نص صريح الا ما ورد في الأثر عن التعامل مع اموال بيت مال المسلمين و التي ورد انه لا يعتبر سرقة لشبهة ان الجميع "بما فيهم السارق" شركاء في المال العام.
و ما قيل في تجريم و النص علي عقوبة الربا و الرشوة ينطبق علي الاختلاس و خيانة الأمانة العامة!
و هل السرقة ضرب من الفساد؟ :
السرقة هي من اقدم الجرائم التي عرفتها النظم القانونية الدينية و الوضعية، و مع انها تدخل في تعريف الفساد بصورة عامة؛ الا انها ليست كذلك في التعريف المتخصص لأن الفساد يتعلق بساءة استخدام و توظيف الاموال التي تدخل تحت تصرفه ايتداءاً، فيما السرقة هي الاستحواز و تملك مال الغير تعديا علي حرز و حراسة ذلك الغير و اخراجها منه خفية دون ان تكون للسارق سلطة للتصرف فيه او حراسته..
لذا فان السرقة و ان كانت من المال العام (و هي من جرائم الحدود) فانها تبقي جريمة سرقة و لا تدخل في تعريف ممارسات الفساد.
و ان كان الفقه الاسلامي قد حرم السرقة كبقية التشريعات الدينية فان ذلك لا يعتبر من تشريعات مكافحة الفساد.
هل تعتبر جرائم التهريب و التهرب الضريبي و الجمركي ضرب من جرائم الفساد فقهاً؟
تهريب السلع من داخل الحدود الي خارجها او العكس لتجنب ضوابط الدولة التي تمنع دخول او خروج سلع بعينها او التي تفرض رسم معين "جمرك" علي تلك التجارة يعتبر ممارسة فاسدة ان تمت بمعاونة موظف عام او دونه لأن ذلك العمل يتضمن جحد و عدم سداد مال عام.
كما يعد جحد سداد رسوم ضريبية للدولة او رسوم جمركية ممارسة فاسدة ان تمت بتسهيلات من موظف عام او بدون تلك التسهيلات لأنها تصرفات تتضمن جحد و انكار تسليم مال عام للجهة المختصة، و ان كان الفقه الاسلامي لم ينص صراحة علي تجريم تلك الممارسات في باب الحد او القصاص الا انها تدخل في باب التعازير الواسع بتشريع من ولي الأمر سواء كان ولي الامر هو "البرلمان" المنتخب او الحاكم المطلق، فالمهم ان يصدر عن سلطة مختصة..
و هل ممارسات الاحتكار و الاغراق تدخل في باب الفساد في الفقه الاسلامي؟!
تعتبر قوانين مكافحة الاحتكار و الاغراق من احدث قوانين تنظيم التجارة لمنع سيطرة و تحكم جهات او افراد علي السوق التجارية.. و لكونها جرائم ذات طبيعة خاصة "تجارية و مالية" فان عقوبتها تأخذ طابع مختلف ايضاً اذ تنحصر في الغرامات المالية الباهظة و الحرمان من رخص ممارسة النشاط الاقتصادي اكثر من الميل الي اصدار عقوبة بالسجن مثلاً..
و لم يتطرق الفقه الاسلامي لجرائم الاغراق و الاحتكار لذا لا تجد لها اساس فيه الا بالمقاصد العامة للتشريع (مبدأ منع الاضرار) و من ثم تدخل في حق ولي الأمر في التشريع (التعازير) ..
كما ان هناك ثمة العديد من الجرائم التي اعتمدتها المنظومة القانونية الحديثة ضمن رؤيتها لمكافحة الفساد فيما لا أصل لها و لا اثر لها في الفقه الديني الاسلامي و الشريعة مثلما لا وجود لها في معظم القوانين المعاصرة التي تستمد اصلها من الفقه و الشريعة الاسلامية، تلك الجرائم هي:
.lobbying, استغلال النفوذ -
.extortion, الابتزاز -
cronyism, المحاباة في الوظائف و المحسوبيات -
.nepotism, المحسوبية -
parochialism, المحاباة علي اساس جهوي مناطقي -
.patronage, احتكار المناصب -
influence peddling, تسهيل التعامل في الاموال -
القذرة.
- كسب غير مشروع (مال او منفعة) مقابل تقديم خدمة لشخص غير مستحق, graft.
الفساد و تدابير مكافحته (النموذج السوداني):
قبل مصادقة السودان علي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية و اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد لم تكن قوانين و سياسات مكافحة الفساد ضمن اولوية انظمة الحكم فيه.
كانت قوانين مكافحة الفساد قاصرة علي قانون الثراء الحرام و المشبوه لسنة ١٩٨٩م بتعديلاته اللاحقة، و هو قانون ليس له أثر يذكر علي أرض الواقع حتي في ابسط التدابير التي نص عليها و هو ايداع اقرارات الذمة لكل شاغلي المناصب السياسية و الادارية العليا بالدولة حيث اهمل هذا البند دائماً.
كما إحتوي القانون علي بند مثير للجدل القانوني و السياسي و هو المادة ١٣ و التي تنص علي اجراء التحلل و الذي يقصد به امكان اجراء تسوية يقبلها النائب العام يتم لموجبها اسقاط التهمة و عدم محاكمة من يقومون بارتكاب جرائم فساد حتي و ان كانت التسوية و الصلح لم تضمن اعادة كل المال موضوع الجريمة¹.
هذا الواقع القانوني تسبب في تفشي الفساد حتي وصل ترتيب السودان في تقارير منظمات رصد الشفافية مراتب متأخرة كان احدها المرتبة (١٧٢) في قائمة من (١٨٠) دولة. و المرتبة (١٦٢) في تقرير ثانٍ.2
كما وصف أحد تلك التقارير نمط الفساد المنتشر في السودان بأنه (فساد ممنهج).
و وصف التقرير سياسات حكومة السودان في هذا الصدد بالتناقض.. اذ في آخر سنوات حكم البشير تم الاعلان عن التزام الحكومة السودانية لفرق اميركية و فرق تتبع للبنك الدولي باستيفاء معايير النظام المالي العالمي و ذلك في سبيل ازالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، و بالفعل تم تشكيل لجنة مكافحة غسيل الأموال و تمويل الارهاب تتبع للبنك المركزي.. الا ان تلك اللجنة كانت خاضعة لجهاز الأمن و المخابرات و هي الجهة المتهمة بممارسات فساد3 .
كما في العام ٢٠١٦م تم الاعلان عن تكوين هيئة وطنية لمكافحة الفساد لكن رئيس الجمهورية رفض المصادقة علي تشكيلها لأن قانون الهيئة الذي مرره البرلمان يمنح الهيئة سلطة استدعاء أي شخص و مساءلته دون اعتبار للحصانات التي اضفيت علي اغلب المسؤولين الحكوميين.
بما يمكن تعليل تفشي الفساد في الأنظمة التي ادعت تقديم نموذج للقوانين و للحكم الاسلامي؟!
تدعي كل الدول الواقعة في نطاق العالم الاسلامي (و من بينها السودان) انها تطبق في منظومتها السياسية و القانونية و الادارية للحكم قيماً اسلامية، علي اختلاف في درجات زعمها و "البروبغاندا" الاعلامية التي تروج بها زعمها ذاك، فبين تونس و ماليزيا و تركيا التي تطبق نوع من العلمانية و مستوي من التحديث المدني و القيم الليبرالية الممزوجة بتقاليد و اعراف اسلامية ، و مصر و الاردن و الجزائر و الامارات التي تطبق مستوي اخف من الليبرالية، الي
السعودية و قطر و الكويت التي تطبق مستويات اعلي من التشريعات الدينية "الاسلامية، الي
ايران و افغانستان-أمارة طالبان التي تتبع نهج اكثر تشدداً في الفهم و التفسير الديني...
مع ذلك تقبع تلك الدول في مؤخرة قوائم مراكز رصد الفساد و الشفافية، كما اتضح بجلاء من خلال نموذج السودان!
تلك القوائم لا تعكس الا جزء من الواقع و قدر و وجه واحد للحقيقة، فالفساد في تلك البلدان و المجتمعات وصلت درجة اصبحت معها النزاهة هي الاستثناء فيما التجاوزات هي الاصل! و يتم الاحتفال اذا قام موظف بعمله دون ان يطلب مقابل و اذا انجز مواطن معاملته دون ان يتكبد مشاق لا لزوم لها من مال او وقت، و اذا حصل باحث عن عمل علي وظيفة رسمية او في القطاع الخاص دون محاباة او محسوبية!!
انه لم يكن متوقع من دول و انظمة تدعي تحقيق قيم دينية و سياسة اسلامية ان تكون خالية بالمطلق من الفساد، لكن ان تتذيل القوائم و ينتشر الفساد بشكل لا تخطئه العين، و يزكم الانوف فهذا يستدعي التأمل و البحث!
فان كانت الانظمة تستخدم الشعارات الدينية كغطاء سياسي؛ فما الذي يدفع المجتمعات و الشعوب للتسامح مع استشراء الفساد بل مشاركة قطاعات اجتماعية واسعة فيه؟!
- اذ لا عمل يمكن ان يتم في تلك المجتمعات دون "وساطة" او رشوة (عمولة) للحصول علي خدمة او وظيفة حكومية او لابرام عقد او اتفاق)
استرعي هذا الوضع انتباه كاتب الورقة قبل سنوات ما دفعه لطرح سؤال علي احد الفقهاء المقربين من السلطة السياسية في بلده¹ يتعلق بانتشار التزوير في المستندات الرسمية الخاصة بمؤهلات الالتحاق بالوظائف و انتشار "الوساطة" و كانت اجابة الشيخ صادمة و مستفزة اكثر من الواقع نفسه؛ اذ و مع تجريمه للتزوير الا انه برر الواسطة و اعتبرها نوع من الشفاعة فقط حاول ان يميز بين نوعين من الشفاعة (حسنة و سيئة) و ان كان طالب الوظيفة او الخدمة مؤهل لها فان الشفاعة (الوساطة) من اجله تكون شفاعة حسنة و تلك جائزة شرعاً!
- في كل تلك الدول يسمح لموظفي الدولة بالقيام بانشطة تجارية او اقتصادية اخري، ما يعني تضارب مصالح الموظف او شاغل المنصب العام "المصلحة الشخصية" بالمصلحة العامة..
- في كل تلك البلدان لا تغيب قواعد المساءلة و المحاسبة و تسود ثقافة الافلات من العقاب و حسب، بل تنعدم اي فرصة لتطبيق تلك القواعد، فالمؤسسات المختصة بالمساءلة (البرلمانات، و المراجع العام و النيابة و الشرطة و القضاء..) اضعف من ان تقوم بذلك، ثم ان منسوبيها انفسهم والغون في نفس الممارسات الفاسدة..
- في كل تلك المجتمعات فان سلطة الرأي العام و الصحافة و الاعلام لا تتوافر لها شروط حرية التعبير و الرأي انما هي مجرد واجهة لخدمة السلطة و تبليغ رسالتها (المحسنة) للمواطن!
التوصيات:
السبيل الي توطين ثقافة و اجراءات مكافحة الفساد في المجتمعات و الدول الاسلامية،
و تغيير واقع المجتمعات و الدول الاسلامية في مجال الفساد و تعزيز ثقافة الشفافية و المساءلة فيه يقتضي سلسلة من الاجراءات و مجموعة تدابير تطبق كحزمة متكاملة، تلك التدابير و الاجراءات تتمثل في:
اولاً: حث المراكز الدينية و المرجعيات علي وضع مكافحة الفساد في قلب تصوراتها و اولويات خطابها و رسالتها الدينية لاتباعها و لعموم المسلمين المؤمنين.
ثانياً: التعليم و تعزيز ثقافة مكافحة و رفض الفساد، أن تقوم وزارات التعليم و الثقافة بتضمين قيم مكافحة الفساد و تعزيز النزاهة و الشفافية ضمن مقررات رسالتها التعليمية و الاعلامية ..
ثالثاً: بناء اجهزة الادارة و الحكم الرشيد، بأن تقوم الطبقة السياسية ببذل جهد حقيقي لبناء جهاز دولة و مؤسسات حكم و ادارة قوية تتمتع باستقلالية و قادرة علي اداء دور رقابي و محاسبي و علي تطبيق القانون بعدالة و مساواة دون انحيازات و محاباة و محسوبيات..
ثالثاً: بناء مؤسسات المجتمع المدني و صحافة المجتمع الحر، بجهد متوازي و متكامل بين الدولة و المجتمع بحيث تقوم مؤسسات المجتمع الرقابية و اعلام المجتمع بالاشراف علي حسن تطبيق معايير تساوي الفرص و التنافس الشريف من مراكز متساوية و عادلة و تتدخل لكشف اي انتهاكات او خروقات و تجاوزات تفوح منها رائحة فساد.
المراجع:
الكتب
١/ روبرت ألكسي، فلسفة القانون / مفهوم القانون و سريانه، الطبعة الثانية، سوريا، دار الحلبي، ٢٠١٣م، ص ٥٥.
2/ مونتسكيو، روح الشرائع، الطبعة الثانية، مصر، دار هنداوي، ٢٠١٣م ص ٤٨.
3/ محمد ابو زهرة، اصول الفقه، مصر،دار الفكر العربي، ١٩٥٨م، ص ٦.
4/ علي عبدالرازق الاسلام و أصول الحكم/ بحث في الخلافة و الحكومة و الاسلام،مصر، مطبعة الاسكندرية، سنة ٢٠١٢م، ص ٥٧.
5/ روبرت ألكسي، فلسفة القانون، مرجع سابق ص٤٣.
6/ محمد مصطفي، نظريات الحكم و الدولة - دراسة مقارنة بين الفقه الاسلامي و القانون الدستوري الوضعي،الطبعة الثانية، لبنان، مركز الحضارة لتنمية الفكر الاسلامي، 2002، ص12.
7/ محمد ابو زهرة، اصول الفقه، مصر،دار الفكر العربي، ١٩٥٨م، ص ٢٨.
القوانين و المواثيق الدولية:
1/ دستور السودان الدائم لسنة ١٩٧٣م.
2/ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية سنة ٢٠٠٠م.
3/ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد سنة ٢٠٠٣م.
4/ قانون الثراء الحرام و المشبوه لسنة ١٩٨٩م
المواقع الالكترونية.:
1/ قوانين السودان- وزارة العدل www.moj.sd.gov.sudanlaws
2/ موقع قاموس المعاني الجامع www.almaany.com
3/ تقرير مدركات الفساد لسنة ٢٠١٨م، موقع منظمة الشفافية الدولية www.transparency.org
4/ تقرير مدركات الفساد لسنة ٢٠٢٢م، موقع منظمة الشفافية الدولية.
5/ موقع مشروع كفاية- تقرير فريق Sentry (مساعي تحسين مكافحة الفساد في السودان. www.thesentry.org
6/ مقابلة شخصية للباحث مع عضو الهيئة الشرعية لعلماء السودان."
تعليقات
إرسال تعليق