التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بلاك لايف متر: تأمل في نهج مكافحة العنصرية الاميركي

  لطالما كان البعض ينظر الي النموذج الاميركي في مكافحة العنصرية و تعزيز التعايش بين مكونات المجتمع علي انه النموذج المثالي.. هؤلاء لا اظنهم قرأوا عن نضال السود ضد العبودية و العنصرية في اميركا و لا عن حركة الحقوق المدنية و لا يعرفون عن مارتن لوثر كنج إلا عبارة مبتورة من خطابه الشهير "لدي حلم"!

صحيح ان الرئيس ابراهام لنكولن "الرئيس السادس عشر" انهي العبودية و انتهت في عهده بعد ان كانت عمل مشروع يحمي القانون ممارسته و تحولت بعدها لعمل يجرمه القانون، لكن استمرت بعدها لاكثر من قرن العنصرية التي يحميها القانون! كثيرون لا يعلمون ان امريكا حتي اواسط ستينات القرن الماضي كانت تمنع السود من ارتياد بعض الجامعات و المدارس و قانونها يحظر دخول الكثير من السود للمرافق للعامة و استغلال الكثير من وسائل النقل العامة و كان يمنع الزواج المختلط بين البيض و السود؟! و إن كل تلك القوانين و الممارسات لم تتوقف إلا في عهد الرئيس الخامس و الثلاثون "ليندون جونسون" في العام 1964م.

بل و حتي 2000م كان دعم اميركا القانوني لنظام الفصل العنصري الجنوب افريقي "الابارتايد" يبقي وصمة عار في صفحات تاريخها، فزيارة عابرة للزعيم نلسون مانديلا "الذي و للمفارقة تنظم الخارجية الاميركية برنامجا لتدريب الشباب باسمه!" كشفت انه كان موضوعا في قوائم الممنوعين من دخول الولايات المتحدة و إن حزبه "المؤتمر الوطني الافريقي" كان يصنف لدي ساكني البيت الأبيض منظمة ارهابية!!!

إذاً سجل اميركا "القريب" ليس ناصع كما يتوهم معظم "الباحثين عن الحرية" اليوم!

ثم ان الطريقة التي مات بها المواطن الأسود "جورج فلويد" ليست طريقة اعتادت ان تمارس بها الشرطة الاميركية عملها بقدر ماهي رسالة من متطرف أبيض "رجل شرطة ايضا" خنق بها ضحيته بذات الطريقة التي كان يحتج بها نجوم كرة البيسبول و السلة و كرة القدم الاميركية عند عزف السلام الوطني الاميركي "بالجثو علي ركبهم اعلانا بأن هذا اللحن و النشيد لا يمثل كل الاميركيين بقدر ما يمثل سلطة الرجل الأبيض و التي تمارسها عنه مؤسسات الدولة"، و هذا الشرطي لا يتصرف من فراغ بل هو مدفوع بارث سياسي مهم يمثله اليوم الرئيس ترامب و الذي لا يمثل تيار شعبوي فقط انما ارث اليمين العنصري الأبيض و الذي سبقه فيه رؤساء اخرين (بوش الاب، و بوش الابن، و ريغان).

ان شعار حركة "حياة السود مهمة" يعكس مدي الضعف الذي تردت إليه حركة الحقوق المدنية الاميركية و حقوق الانسان عامة بها، هو شعار يشبه سؤال اثير قبل سنة في منطقتنا "المتخلفة" حين تساءل البعض "هل المرأة انسان؟" .. اذ لا يعقل ان تكون حياة إنسان أياً كان لونه أو اصله محل سؤال، مثلما لا يصح ان تكون طبيعة المرأة محل شك و سؤال ايضاً.. 

هذا الشعار يكشف ضخامة العمل الذي يجب علي الامة الاميركية القيام به لعلاج اثار قرون العبودية و العنصرية قبل ان تلتفت لحقبة اكتشاف اميركا نفسها و ماصحبها من معارك سعت لاستئصال شأفة سكانها الاصليين "الهنود الحمر".

يونيو ٢٠٢٠م.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم تفريغ الجامعات والمعاهد من اي مضمون واضحت الدرجات العلمية مجرد القاب مملكة في غير موضعها...     فاحاديث الرجل لا توحي بشئ في هذا المضمار.. التخصص، كما ان المعلومات المتوافرة في قصاصات الصحف ولقاءات الاذعة لم تفصح عن شئ ايضا!    السيرة الذاتية المتوافرة علي موقعي البرلمان السوداني 'المجلس الوطني' و البرلمان العربي تقول ان البروف-الشيخ حاصل علي بكالريوس العلوم في الفيزياء و ايضا بكالريوس الاداب-علوم سياسية من جامعة الخرطوم! ثم دكتوراة فلسفة العلوم من جامعة كيمبردج. اي شهادتين بكالريوس و شهادة دكتوراة. مامن اشارة لدرجة بروفسير "بروف" والتي يبدو ان زملاءه في السلطة والاعلام هم من منحوه اياها!!    سيرة ذاتية متناقضة وملتبسة تمثل خير عنوان للشخصية التي تمثلها وللادوار السياسية والتنفيذية التي لعبتها!    ابرز ظهور لشخصية الشيخ-البروف كان ابان صراع و مفاصلة الاسلاموين، حينها انحاز البروف لف

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بينها ع

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانتهازيين علي اختلاف مشاربهم ( مؤتمر وطني، و مؤتمر شعبي،اخوان مسلمين، سلفيين، سبدرات، وابوكلابيش، والراحل شدو، اتحاديين الميرغني، و حاتم السر، و الدقير، و احمد بلال، واشراقة سيد، و احزاب امة مسار، و نهار، و مبارك المهدي، وحسن اسماعيل.. الخ ) و غيرهم يحاولون جميعا تصوير الأمر علي انه يعني سقوط البشير لوحده!   البشير لم يسقط وحده، فهو يرمز لعهد باكمله، و يرمز لاسلوب في الحكم و الإدارة وتسيير الشأن العام ( السياسة )، و بسقوطه سقط مجمل ذلك العهد و اسلوب الحكم و السياسة و الادارة..   و سقط ايضا كل من اعانوه او اشتركوا معه و كانوا جزء من نظامه في اي مرحلة من مراحله المقيتة. و حين تقوم مؤسسات العدالة وتنهض لاداء دورها سيتم تحديد المسؤوليات بدقة و بميزانها الصارم و سيتم توضيح ( من فعل ماذا؟ و من تخاذل متي؟ ). البشير لم يحكم وحده حتي وان استبد في اخريات ايامه و سنوات، بل كان له مساعدون و اعوان في ذلك الاستبداد و داعمين لان