التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ما الذي يحرك الناشطين السودانيين علي الوسائط .. و ما الذي يكبحهم؟!

   انقضت نحو عقدين تقريبا منذ ان اختبرنا تجربة الصحافة الالكترونية و نحو عقد منذ ان عرفنا وسائط التواصل الاجتماعي، وتلك فترة كافية للنظر في حصاد هذه التجربة و لنقيم اداءنا فيها. 
  بخصوص المواقع الاخبارية والتي كانت كبديل للصحافة الورقية التي ترزح تحت نير رقابة سلطوية مشددة بقيود القانون واجهزة تنفيذه و بقيود السوق والتوزيع وشروط التأسيس والتمويل والادارة في ظل وضع يمنح كل الامتيازات والتسهيلات للاعلام الموالي للسلطة ولاعلاميي الحزب الواحد الحاكم..  كانت المواقع الاخبارية علي الشبكة العنكبوتية خيارا مناسبا وبديل أتي في وقته بالنسبة لفصيل الصحفيين المنحازين للمهنية والاحترافية وايضا للقوي السياسية التي ضيق عليها وعلي وسائل اعلامها..
   اليوم وبعد كل هذا الوقت الذي انقضي ما هي المكاسب التي تحققت للفريقين ( المحترفين والمعارضين) من فرصة الاعلام الالكتروني،
   للأسف ليست هناك مكاسب تذكر، وتضاءل المكاسب ليس عائد بالكلية لضعف البنية التحتية الداعمة للانترنت ولا لنقص الوعي ' وان كان ذلك حادث نسبيا' انما بسبب اختيارات وطريقة عمل من بادروا واقتحموا دنيا الاعلام الالكتروني.
ان الاعلام السوداني و الصحافة ايضا لم تتجاوز محطات صحافة القرن التاسع عشر رغم انها رأت النور فعليا في القرن العشرين!!
فالاعلام المرئي في غالبه مملوك للسلطة، بينما المقروء مملوك ويدار بواسطة افراد 'اعلام فرد وليس مؤسسة، كل الصحف يملكها افراد و يديرونها بذات الفردانية بما يجعلها لسان حالهم الشخصي ولا تعبر عن تيار او مجتمع او فئات!'
   هذه الصفة انتقل بها مؤسسو الاعلام الافتراضي الي مشاريعهم الجديدة، ما جعل المواقع الالكترونية السودانية عبارة عن 'خمر قديمة في قوارير جديدة'!!
   ثم ان ماهو اسوء ان مناخ الحرية المتوفر في الاعلام الجديد تم تبديده بالسبهللية و عدم الدقة والفوضي التي يتصف بها الاعلام القديم، وبسبب صعوبة الرقابة عليه فان الاعلام الالكتروني السوداني استحال الي ساحة للقيل والقال 'الشائعات' و تصفية الخلافات الشخصية و للمعارك 'في غيرما معترك'.
   ان ضعف الاحترافية 'الموضوعية والصدقية' و تغليب السياسي علي المهني حولت نعمة صحافة الانترنت الي نقمة وبددت حرية التعبير المتاحة فيه، ولم تضف جديدا للخطاب السياسي والثقافي في البلد.
اليوم يتحدث الناشطون السياسيين عن تأسيس قناة فضائية تحمل خطاب معارض لما هو سائد رسميا وفاتهم ان ما ينقصنا ليس الادوات وانما المضمون وانهم بفعلهم هذا يكونوا كمن يتبرع باواني فارغة لجوعي! فأي خطاب لديهم يريدون تمريره عبر الفضائية الجديدة "قناة المقرن"؟ فالمعارضة منقسمة و تجتر خطاب اثبتت الايام فقره وعدم جدواه.
   هذا مايلي صحافة الانترنت اما ما يخص مواقع التواصل الاجتماعي فان مصيبتنا فيها اكبر وخسارتنا فيها افدح،
ان العمل علي منصات سودانية علي مواقع التواصل كفيسبوك و تويتر يدور اغلبه حول قضايا انصرافية، صحيح ان اجهزة الامن تنبهت لخطورة هذه الوسائط الجديدة فجندت كثيرين لافتعال معارك جانبية وقضايا ثانوية الا ان الناشطين ساعدوا تلك الاجهزة في عملها بسبب العشوائية التي يتخبطون فيها،
   ان عدم التركيز علي القضايا وعدم ترتيب الاولويات علي طريقة الاهم فالمهم سهل عمل تلك الاجهزة لأننا علي استعداد للإنسياق خلف الانصرافيات،
   بل حتي عندما يتم التركيز علي امور مهمة كالوقفات الاحتجاجية و دعوات العصيان المدني فان نقل ما يدور في الفضاء الافتراضي الي الشارع الواقعي يجابه بصعوبات تلامس الاستحالة احيانا، السبب الرئيسي في ذلك هو اننا نترك بعض الامور الخلافية وراءنا دون معالجة ونهمل اشياء مهمة يستحيل معها نقل ماهو افتراضي الي ما هو واقعي،
   هناك امثلة ايضا علي العشوائية في تلك المنصات، ربما تكون ناتجة بالأساس الي نظرتنا انفسنا لدور مواقع التواصل؛ فالمفارقة ان اجهزة السلطة انتبهت لخطورة الميديا الجديدة فيما لا نزال نحن نقلل من شأنها ومن شأن انفسنا!!
 فمعظمنا يعتبر تلك المواقع وسائل للتسلية والترفيه ليس الا، ومعظمنا ايضا لا يفهم تكنيكاتها و ما توفره من امكانات، بعضنا يهتم بكسب صداقات علي ال 'فيسبوك' مثلا دون ان يعي معني الصداقة نفسها، و بعضنا ينخرط في مجموعات وصفحات دون التحقق من مصداقيتها و جدواها بل وحقيقتها حتي!!
البعض يعتقد ان مجرد دعوة للتظاهر يمكن ان تسقط النظام متجاهلين تعقيدات ثلاث عقود من سياسات السلطة الخاطئة و من ردود فعل معارضة سياسية أضل و لا تقل خطأ و خطايا عن السلطة! هناك الكثير كان يمكن عمله ولا يزال علي الوسائط، يجب صياغة خطاب جديد يعيد توحيد الأمة المنقسمة ويقترح حلول لأزمات المجتمع الاقتصادية و الثقافية و الامنية والسياسية ..الخ
كما يجب تقديم بدائل جديدة لأطر العمل الحزبي القديم  والبالية، تقديم نماذج تتجاوز احزاب العوائل و تنظيمات 'الشلة'!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...