التخطي إلى المحتوى الرئيسي

استعادة الموصل و الرقة... نهاية الارهاب الاصولي ام دورة جديدة من العنف ؟؟!

 تشارف معركة استعادة مدينة الموصل التي تخوضها القوات العراقية (جيش الدولة و قوات البشمركة والحشد الشعبي) مدعومين بغطاء جوي دولي؛ والتي انطلقت في اكتوبر الماضي، تشارف علي نهاياتها الان، وبالتزامن مع استعادة الموصل (والتي تمثل آخر وأهم واكبر معقل لتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام بالعراق) انطلقت معركة استعادة الرقة السورية (التي تعتبر حاضرة تنظيم داعش) وما حولها من المدن التي يسيطر عليها التنظيم الارهابي في سوريا. لكن ما هي دلالات هذا الحدث - إستعادة الموصل والرقة؟!
  قبل البحث عن الدلالات يحق لنا ان نسأل ايضاً؛ لماذا تطلب إستعادة الموصل والرقة أكثر من عامين من الاستعدادات الحربية و أكثر من ستين يوما من العمليات وحشد من القوات الوطنية "رسمية وشعبية/الحشد" والاقليمية وحلف دولي يوفر غطاءاً جوياً، مع انها سقطت في أقل من اربع وعشرين ساعة فقط؟! أ ليس لهذا التأخير دلالات أيضاً!!
   السبب وراء ذلك يكمن في الفلسفة التي تقف خلف مفهوم (الحرب علي الارهاب) الذي تتبع الدول الغربية (والشرقية ايضا)، وخلف معاهدات وقوانين مكافحة الارهاب والتي لا تعدو كونها مجرد تدابير اجرائية شكلية، بينما يتم اهمال الشق الموضوعي تماما، ذاك الشق المتعلق بطبيعة الارهاب كجريمة منظمة والخصوصية التي تميزه عن الجرائم الاخري..، وما تقتضيه تلك الطبيعة من تكتيكات مكافحة جريمة لا تكتيكات (حرب)!!، وما لم تختلف تلك الفلسفة سيظل الارهاب متقدما بخطوات عن الجهات التي تروم القضاء عليه (حربا). 
  اذ ان مكافحة الارهاب ليست عملا عسكريا او امنياً فقط، وانما بالاساس عمل قانوني، وسياسي، واقتصادي، وثقافي، وليس مشروع حكومات وانما مشروع مجتمعات بكل ما تقتضيه العبارة من معني.
   إن استعادة الموصل والرقة قد تعني نهاية داعش (تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام) ونهاية دولة الخلافة التي اعلنتها، نهاية الارهاب الداعشي كنمط جديد ارتفع به الي مستويات غير مسبوقة من الوحشية و البهيمية و الفظاعة؛ كما انتقل به الي مستوي السيطرة علي الارض و الموارد (البترول، و الاثار، وفرض الرسوم الادارية والجزية والجبايات..!!) بل و أكثر من ذلك الي استعباد الناس وبيعهم كجواري وعبيد !!
  لكنها لن تعني نهاية الارهاب الاصولي في صوره القديمة (القاعدة علي رأسها)، فتلك النسخ ستبقي وقد تتجدد لعدة أسباب منها بقاء واستمرار الانظمة القمعية التي ترعي العنف و تتطبق سياسات تستهدف محاربة المعرفة وترويج الجهل والخنوع والخرافات وتشيع الفقر، واستمرار وجود جهات مخابراتية علي استعداد لدعم وتوظيف الحركات الارهابية لغراض سياسية محلية أو اقليمية أو دولية، واستمرار الأزمة الدولية في فلسطين، فهذه الاسباب الثلاث تمثل اعمدة الارهاب الاصولي الاسلامي في نسخه المعاصرة.

   ارهاب ما بعد داعش سيبحث فقط عن وجه جديد و أرض جديدة؛ وفي رأيي الشخصي سيجد في تركيا ضالته المنشودة، فقد تعلمنا انه دائما يبحث عن ضالته في الاماكن المغرية (ماديا ومعنويا)؛ و جدها من قبل في افغانستان "علي تخوم جمهوريات السوفيت السابقة" حيث تجارة الافيون رائجة و ادرت عليه ملايين الدولارات، وفي العراق و سوريا "علي تخوم الخليج الثري" وحيث النفط والاثار.
   الأن سيجد في تركيا "وعلي تخوم اوربا نفسها" هدفا ولقمة سائقة، اذ كل الظروف مواتية ليضرب ضربته، تركيا الان منقسمة بعد استهداف حكومتها لأنصار الداعية فتح الله غولن حيث فتكت بهم سلطة اردوغان و فعلت بهم ما يشجعهم علي الاتجاه للعنف المضاد" غالبا ما تحدث انقسامات في الحركة نتيجة الضغط الحكومي وعدم استجابة القيادة الرسمية للحركة لذلك العنف، ما يؤدي لتوالد اجسام من الحركة تلجأ للعنف المقابل"،
  تركيا ايضا منقسمة بفعل استهداف السلطة للأكراد ممثلين في حزب العمال الذي يقوده عبدالله أوجلان ويتبني الكفاح المسلح وحزب الشعوب الديمقراطية الذي يتزعمه السياسي والنائب البرلماني صلاح الدين دمرداش ويتبني العمل السياسي المدني السلمي.. وضغط السلطة في تركيا علي الاكراد سيؤدي لإرتفاع اصوات المنادين بالعمل المسلح ومن يؤمنون بالعنف ما يفتح الباب لتوالد الاجسام الارهابية و دخول العناصر الاجنبية ايضاً. 
   وما تنامي التفجيرات مؤخرا في اسطنبول و قيصرية والتي راح ضحيتها نحو 50 قتيلا في اقل من اسبوعين، واغتيال السفير الروسي في انقرا، وكذلك حوادث الاعتداء دهسا في برلين الا مؤشرا قويا علي اتجاهات الارهاب مستقبلا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...