التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حركة 27 نوفمبر .. شعب السودان يطور ويختبر اليات مقاومة جديدة

   دخل نضال شعب السودان ضد عصبة الانقاذ (تحالف مجموعة من العسكر الخارجين علي الضبط العسكري وبعض الشيوخ الملتحفين بلباس الدين وثلة من اصحاب المصالح والمنتفعين) ومن أجل الحرية العدل و العيش الكريم دخل مرحلة حاسمة عقب تدشين شباب ناشطين علي مواقع التواصل الاجتماعي لحملة عصيان مدني سلمي لمدة ثلاثة أيام ابتداءا من الاحد 27نوفمبر الماضي، اثر اعلان السلطات المالية حزمة من القرارات التي وصفتها بالاصلاحية اسفرت عن تحرير صرف الجنيه مقابل الدولار ما أسفر بدوره عن زيادات غير مسبوقة في اسعار كل السلع بما فيها سلعة الدواء ..
   أثارت خطوة الدخول في عصيان مدني و الرواج الكبير التي حظيت بها الدعوة لدرجة تجعلنا نقول بإطمئنان ان أي سوداني داخل القطر سمع بالخطوة (العصيان) بل واشترك في نقاش بشأنها سواء كان ذلك قبل 27 نوفمبر او بعدها بغرض تقييم جدواها من حيث المبدأ أو اثرها بعد انتهاء فعل العصيان بمن في ذلك الرئيس البشير الذي صرح لصحيفة خليجية من أبوظبي قائلا :( العصيان فشل بنسبة مليون في المائة)!!! وعلامات التعجب من عندي طبعا.
   فيما انشغل المسؤولون في حكومة البشير و الاعلاميون الموالون لها بمحاولة اثبات فشل العصيان المدني للتقليل من شأنه لدرجة انهم أخذوا يبحثون في العصيان المدني من ناحية اصطلاحية ليخلصوا الي ان ما حدث يوم 27 نوفمبر لم يكن عصيانا بالمعني الدقيق للمصطلح!، حتي ليظن المتابع ان العصيان السياسي مصطلح "علمي فيزيائي" وليس فعل اجتماع-سياسي .
   ان ما حدث في 27 نوفمبر هو من ابتداع شباب السودان في حراكهم المستمر لوضع حد للحال الشاذ والقائم منذ وصول البشير للسلطة ليلة 30 يونيو 1989م، فلقد لاحظ الشباب ان حكومة البشير جردت الشعب السوداني من مختلف اليات العمل السياسي والمدني؛ فقد سيست السلطة النقابات ودجنتها تماما، كما انها اضعفت جهاز الخدمة المدنية عبر سياسة الاحالة للصالح العام لكل من لا يوالي أو يساير السلطة القائمة، واتباعها لنهج المحسوبيات السياسية والقرابات في التعيين في جهاز الدولة حتي اضحي غالب العاملين في جهاز الدولة من الموالين للسلطة ولا هم لهم الا ارضاء اولياء نعمتهم في الحزب الحاكم، كل ذلك في غياب نقابات حرة تحمي حقوق العاملين في الدولة وغياب صحافة مستقلة تسلط الضوء علي حالهم وكذا غياب قضاء محايد يحرس مجمل العملية.. كل ذلك اضافة لسجل اسود في مجال حقوق الانسان و حكم القانون، فحكومة البشير لا تتورع في اطلاق الرصاص الحي أو اعتقال و تعذيب كل من تسول له نفسه مناصبتها العداء السياسي، وما تجربةسبتمبر 2013م ببعيدة عن الاذهان حين اصدرت السلطة قرارات مثيلة لما اصدرته في نوفمبر من هذا العام وخرج حينها الشباب و تلاميذ المدارس الثانوية الايفاع فاطلقت المليشيات الموالية للبشير النار عليهم وكأنها تطلق مبيد علي حشرات فكان الضحايا بالمئات!
   ففي مثل هذا الظرف تكون الدعوة لعصيان مدني "كلاسيكي" ضرب من المثالية، لذا لجاء الشباب الي اعلان عصيان سياسي من نوع جديد، عصيان يقاطع فيه الجمهور اجهزة الدولة والمنظمات والبنوك وكل الاجهزة الخاضعة لسلطتها، عصيان يشارك فيه تجار الاسواق واصحاب المركبات (النقل في كل مدن السودان يدار بواسطةافراد)، عصيان سلمي يلزم فيه جمهور المواطنيين بيوتهم وليس اضراب عمال وموظفي الدولة عن العمل .
   ان حكومة البشير وعبر سياسات التخويف والتشكيك التي تتبعها تظن انها نجحت في تخويف شعبها! في حين لا يثبت ذلك الا انها تجهل أي شعب تحكم!، فالتخويف لن يردع الشعب السوداني والذي تمكن أعزلا من انهاء سلطة الامبراطورية العثمانية في السودان عام 1885م، الشعب الذي وقف في وجه اعتي مدافع الترسانات الانجليزية في موقعتي النخيلة وكرري، وقبلها في كورتي وتوشكي.. تجهل انها تحكم شعب اسقط من قبل اثنان من الجنرالات (ابراهيم عبود 1964م/ و جعفر نميري 1985م) في انتفاضتين شعبيتين وسلميتين..
 ان ساسة اليوم من شباب السودان يعلمون تمام العلم ان الحكومة التي خربت كل شئ " من اجهزة الدولة الي الـ بني آدم" ليست حريصة علي الوطن ولا علي الشعب ولا تمل وعي يلجم نيرانها المسعورة، بينما المواطن (صاحب الحق) يملك وعيا كافيا يجعله يخوض معركته ضد سلطة البشير بالآليات التي يراها ملائمة وفي التوقيت الذي يناسبه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...