التخطي إلى المحتوى الرئيسي

توقيت مـكة و تقويم الأعــراب

طائفة الاخوان الاسلاميون التي حكمت السودان وهي سليلة فكر منتشر في المنطقة بمسميات ولافتات عدة تختص بعقلية غريبة. عقلية تفكر دائما في التميز لأجل التميز الاختلاف لذات الاختلاف.
 هذه الخصيصة قد لا تبين في القضايا الكبري لتشعبها وكثرة تقاطعاتها و لا في امور اقل اهمية لذا لا يستبين الناس اثرها الا ضحي الغد؛ كالبنوك الاسلامية مثلا!!
 لكن اغرب تجليات عقليتهم الخلافية الساعية للتفرد كغاية في ذاته والتميز لوجه التميز تتبدي في التوافه!!!
التوقيت هو النموذج المثالي هنا، ففي العالم هناك عدة انظمة لتقسيم و قياس الزمن وتحديد الوقت، كلها انظمة علمية تراعي قواعد الجغرافيا والفيزياء والفلك، ولسبب ما حدث اجماع علي النظام المعروف ب' قرنيتش' والذي حدد توقيت قرية قرنيتش كنقطة اساس و تختلف بقية المناطق معها او تتفق حسب موقعها علي خطوط الطول ' قرنيتش تقع في خط الطول صفر' وتعرفون ان خطوط الطول والعرض في الجغرافيا هي خطوط وهمية وضعت لتقسيم الكرة الارضية مناخيا او زمنيا.
لكن الاسلامويين الذين لهم رأي في كل شئ فقهي او علمي دنيوي او اخروي، تافه او جليل، لم يعجبهم هذا التقسيم لأنهم لم يستشاروا فيه !! فقرروا الا تكون قرنيتش مرجعيتهم و للمزايدة علي بني جلدتهم ومن يشاركونهم الهوية الدينية الاسلامية قرروا ان تكون مرجعيتهم 'مكة' !!! مهبط الوحي الاسلامي و القرية التي بني ابراهيم عليه السلام بيتا فيها لله بأمره.
طبعا ليس لهم سند من فلك او جغرافيا او فيزياء بل وليس ثمة سند من دين!! لكن من يحترف المزايدة لن يعوزه السند. 
قبل كيزان/اخوان السودان كانت قيادة التنظيم العالمي التي تسير وتدير قناة التنظيم العالمي للاخوان المسلمين 'الجزيرة' قد بدأت هذه السنة حين كانت تعلن عن نشراتها  بالقول 'بتوقيت مكة المكرمة' مع كونها تبث من الدوحة!! تقول ذلك لكن دون تغيير توقيت مكة المكرمة ليعتبر توقيت اساس بدوره انما هو توقيت يتماشي مع موقع مكة علي خطوط الطول 'فارق ثلاثة ساعات عن قرينتش'.
فيما قرر اخوان السودان ان تكون الخرطوم ايضا كمكة بفارق الثلاث ساعات رقم وجودها علي للخط 30درجة شرقا ما يعني انها تزيد عن قرنيتش بفرق ساعتين لا ثلاثة!! 
تلك الخطوة كانت احد القرارات الادارية والسياسية التي تصلح كنموذج للقرار عديم المعني والجدوي والذي يخلق حالة من الارباك لمدة من الوقت حتي يعتاد الناس علي الترتيب 'الجديد'!! .. ونموذج علي تغليب الهوي الايدولوجي علي النظم العلمية والمنطق!! الأن بعد نحو خمسة عشر عام يتم التراجع بهدوء عن تلك الخطوة وكأنها لم تكن!!
 من قرارات الهوي ايضا كان النميري علي ايام ممالاته للأخوان قد قرر ان تلتزم الادارات الرسمية بالتقويم (القمري/ العربي/الاسلاموي/الهجري ) وان يقدم علي التقويم الميلادي الشمسي ( الجريجوري )، وقد ظن اعوان النميري من المتأسلمين انهم  سباقين بادخال التقويم الهجري لهذه البلاد وما دروا ان اهلها عرفوا هذا التقويم منذ امد بعيد وعرفوا شهورها بل ولهم تسميات لها مختلفة كثيرا عما هو متعارف حاليا ومعروف في بقية الاقطار الاسلامية وتلك التسميات كما اوردها نعوم شقير في جغرافية وتاريخ السودان  صفحة 133هي : الضحية، العقابية الوحيدة، الكرامة الاولانية، الكرامة الثانية، الكرامة الثالثة، سابق الكرامات، رجب، القصير، رمضان، الفطر الاولاني، الفطر الثاني، الضحية الاولانية!!!
ومع كون مسائل التقويم هي مسائل حساب و مسائل علمية تحدد بالمنطق الا ان القرار كان سياسيا فقط و يضرب علي وتر الهوية الاسلامية والعربية وليس المميزات الطبيعية او الحسابية. وهكذا ما بين عشية وضحاها اضحت الشهور العربية والتقويم الهجري مقدم علي الميلادي .. ولم يتم ابدا النظر الي ميزات اي تقويم او عيوبه، فالتقويم الهجري معلوم عنه انه متبدل اي ليست هناك صلة بين الشهور والمواسم فالشهر الذي يصادف الصيف او الشتاء هذا العام سيصادف الخريف بعد عدة سنوات وبالتالي لا يمكن بناء خطط طويلة المدي علي اساس التقويم الهجري، واهل السودان يعرفون ذلك فهم يراقبون الطقس ويقومون بعملياتهم 'الدنيوية' وفق التقويم الميلادي و القبطي ايضا 'الفلاحة والزراعة' بل ولديهم تقويم محلي يعينهم في التنبوء بالطقس و هطول الامطار 'تقويم العين' .. فيما لا يعنون بالتقويم الهجري الا مع اقتراب المواسم الدينية شهر الصوم وموسم الحج مثلا. ولم يكونوا بحاجة لمن يلزمهم او يذكرهم او من يحملهم علي الاهتمام بتقويم اكثر من البقية. لكن اوهام التميز والبحث عما هو مختلف التي تحرك وتحفز عقل الاخوان فقط هو مايصور لهم ان ما يفعلونه يمثلا فتحا اسلاميا في عصر ما بعد الفتوحات !!!!! 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...