نفكر في احوالنا ومشاكلنا لكن لا نجروء علي اتخاذ قرارات حاسمة او غير حاسمة!! وحتي ان اتخذنا قرارا تظل مشاكلنا هي ذاتها عالقة بلا حلول ويظل حالنا هو ذاته بلا تغير وبلا تقدم !
فأين تكمن المشكلة؟؟
بنظري تكمن المشكلة في العقلية و نمط التفكير الذي نعتمده. فنحن لا نقيم للعقل وزنا اصلا، فهو في المرتبة الثانية علي الأقل بعد المحفوظات 'النصوص الدينية و الادبية والامثال الشعبية' فتفكيرنا تفكير 'نصوصي' بامتياز. نحن علي استعداد لقبول النص ايا كان مصدره علي انه حكم نهائي لا يحل التفكير فيه.
ثم هو عقل 'مع ذلك' بقدرة غريبة علي عقلنة ما هو لا عقلاني و شرعنة ما هو غير مقبول وتبرير ما لا مبرر له!
ويكمن السبب في الطريقة الثنائية التي يعتمدها في التفكير فهو قادر علي الانتقال والسير في مسارين بسرعة عجيبة. الانتقال بين ما هو منطقي الي ماهو لا منطقي. ومن الواقع الي الخيال. ومن ماهو علمي مبرهن عليه الي ما هو سحري!!
بالتالي لا نري ضرورة لتتبع مسار واحد حتي نهايته لنري الي اين يقودنا انما نقفز بخفة لاعب السيرك بمجرد ان نستشعر ان مسار التفكير او النقاش ليس في صالحنا او حتي فقط غير مريح بالنسبة الينا، نقفز دون ان نشعر بذلك كأنها حركة لا ارادية عادية!
وحين نعتمد التفكير العلمي لبرهة 'تفكير منطق المقدمات والنتائج، والسبب والمسبب، والتجربة والخطأ' فاننا نفعل ذلك بحواسنا 'مداخل الادراك' وليس بعقلنا الذي يفترض ان يعالج معلومات الحواس والمدركات بما يتوافر له من خبرات سابقة!
نحن نفكر بحواسنا و باطرافنا.. نفكر بأعيننا و آذاننا و ألسنتنا وانفنا و أيادينا و جلودنا.. الخ، تجد شخصا يقرر حكما ويكون مبرره انه 'رأي ذلك. او سمع به. او لمسه'!!
لا يفوت علينا ان الحواس قد تخدع احيانا فقط، وانما ايضا ان التفكير ليس شغلها و وظيفتها!!
وظيفة الحواس هي نقل المعلومات و والمدركات كمعلومات اولية وليست كنتائج واحكام!
ما تنقله الحواس هو معلومات غير معالجة اي خام للتفكير فيه، فالحواس مداخل العقل و ابوابه و ليست غرفه المغلقة التي يدور فيها التفكير ويتم فيها عقلنة الامور وتفسيرها .. بناءا علي خبرات سابقة و مناهج تم تطويرها مسبقا و اعتمادها كمعايير توزن بها الامور وتقاس، وقواعد حاكمة اعتمدت بعد ان اثبتت صحتها ونجاعتها لتصبح مرجع يحكم بها علي غيرها.
حين يكون العقل خالي من نهج علمي منطقي تقاس عليه الامور وتوزن به يصبح عضوا زائدا بلا قيمة ولا اهمية و لا دور!!
فقد تصل اليه المعلومة الاولية والمدركات والمحسوسات و ترتد دون معالجة و تخرج كما دخلت خام. بينما يظن الجاهل انها اخذت حكم النتيجة و المفكر فيه فيعتمدها علي هذا الاساس ومن ثم تحدث المفارقة!!
التفكير بالحواس و مداخل الادراك معضلة مجتمعنا وهي مستشرية فيه و متفشية علي نطاق واسع بين المتعلمين وليست حكرا علي الأميين، وبين المثقغين/المتثاقفين وليست خاصة بالعوام!
سبب استشراءها هو ان المؤسسة العلمية في هذه البلدة كاليتيم، فالجامعات والمدارس لم تؤسس علي رؤية وبصيرة و انما وضعت كتقليد منتشر عالميا فاضحت شكلا اكثر منه معني و بنايات بلا محتوي، وحين وضعت المناهج والمقررات لم تكن الغاية المرجو منها انتاج عقل قادر علي استيعاب و فهم وانتاج المعرفة بقدر ما كانت وظيفتها انتاج عقل قادر فقط علي القيام بالعمليات البسيطة و الأولية.
كانت وظيفة المدارس ولا تزال اعداد كتبة و ماسكي دفاتر 'محاسبين'. كتبة يكتبون ويحفظون ما يملي عليهم والقيام بعمليات حسابية بسيطة فقط.
وحين انتقلت الي عملية انتاج عقول قادرة بدورها علي انتاج المعرفة لم يتم ذلك بصورة واضحة و معلنة .. لذا كانت المعاهد القليلة التي عهد اليها بهذه المهمة تقوم بتخريج كادر منبت عن وسطه فاما اصيب بالغرور و انعزل عن محيطه او تخلي عن ما اعد له من دور و اعاد غرس نفسه في بيئته ليصبح واحدا منهم اهدر سنوات طويلة في عملية عديمة النفع و قد تكون ميزته عن رفاقه بوظيفة 'ميري' تكفل له معيشة ممتازة وامتيازات لكن بخلاف ذلك فهو يشبههم في كل شئ.
ثم ولأن انتاج عناصر قادرة علي استيعاب وانتاج معرفة لم تكن وظيفة معلنة ولا رسالة يتم العمل علي انجازها بالتركيز الضروري تناست تلك المعاهد رسالتها او نسيتها او تخلت عنها لا فرق فالنتيجة في الختام واحدة وهي ما اصبحنا عليه من حال اليوم .. اذ كلها تخرج العنصر الذي اشرنا اليه 'يشبه العامة في كل شئ خصوصا طريقة التفكير و يتميز عليها في نفس الوقت في المكانة الاجتماعية والوظيفية. ليصبح ترس جديد في ماكينة انتاج اللا معني والخواء'!!
التفكير بالحواس و مداخل الادراك حالة ان لم يتم العمل علي انهاءها فان كل محاولات النهوض ستكون ضرب من العبث محكوم عليه بالفشل كحتمية لا مفر منها!
تعليقات
إرسال تعليق