آخر ابناء الملك عبد العزيز

الملك عبد العزيز الذي حكم في الفترة من 1922-1953م ويعتبر هو مؤسس الدولة السعودية الحديثة والتي تعرف تاريخيا بالسعودية الثالثة، قد اسس ملكه علي تحالفات دينية وقبائلية اعتمدت بشكل رئيس علي المصاهرات "الزيجات" حيث تزوج بنفسه من 38 امرأة كلهن من قبائل وعشائر وبيوت مهمة لترسيخ اركان حكمه و مملكته، هذا عدا عن المصاهرات التي عقدها بواسطة انجاله من الذكور واﻻناث " له 36 ابنا من الذكور و ﻹبنه سعود 115 ابنا ذكور واناث".. اسلوب ترسيخ الحكم بالمصاهرات هو اسلوب عربي قديم اعتمده عدد من الملوك والامراء والخلفاء العرب والمسلمين. وبما ان المملكة تأسست علي هذا المبدأ فان آل السعود تحولوا من مجرد "اسرة مالكة وبيت حاكم" الي حزب سياسي - اجتماعي؛ اذ ﻻ يكفي ان تكون ابن عبد العزيز المؤسس لتجلس علي العرش، بل ذلك يعتمد علي مركزك داخل الاسرة أي علي قوة اشقائك و مركز خؤولتك بين القبائل او البيوت الدينية. من هذا فإن التيار السيديري يمثل اقوي التيارات فالملك المؤسس نفسه خؤولته من تلك اﻷسرة والسيديريين السبعة "اﻷمراء اﻹشقاء وبينهم عدد كبير من الملوك واولي العهد؛ فهد وسلمان وسلطان و نايف " ولهم عدد اخر من اﻹشقاء يمثلون حلف و سند.. وهناك من اﻷمراء من ينتسبوه بجهة اﻷم لعائلة محمد بن عبد الوهاب "ال الشيخ" منهم الملك فيصل ، وهناك من ينتسبون لآل رشيد "البيت الحاكم قبل آل سعود" و منهم الملك عبد الله. نظام التنصيب و التوريث: ليس هناك نظام دستوري معين يحكم عملية تنصيب الملوك في السعودية؛ وكما سبقت اﻹشارة فإن مراكز القوي داخل العائلة الحاكمة هي التي تحدد لحد كبير من يعتلي العرش، فمثلا الملك سعود "اكبر اﻷبناء عند رحيل الملك المؤسس" و اول الخلفاء تم عزله وهي حالة لم تتكرر بعد ذلك" بسبب حالته الصحية، هو اول من دفع ثمن بروز مراكز القوي داخل العائلة اذ ان خؤولته من عائلة العريعر".. وهي عائلة ليست ذات خطر سياسي. بينما الملك فيصل " و أمه من عائلة محمد بن عبدالوهاب/ آل الشيخ/ الحليف الرئيسي لآل سعود و الذين يمثلون السند الفكري" انتهي عهده مقتوﻻ "فهو دفع ثمن خلافات أسرية؛ اذ قتله ابن اخيه مساعد بن عبد العزيز ويقال انتقاما لقتل اﻷمن السعودي لشقيقه"، بينما انتهي عهد الملوك التالين "خالد وامه من ذات عائلة ال سعود، و فهد من السيديرية و عبد الله من ال رشيد" بالوفاة الطبيعية.. وتم مراعاة الترتيب السني " العمر" ومراكز القوي في تنصيبهم. وبين اوﻻد عبد العزيز من رفض شغل منصب سياسي و وﻻية العهد كاﻷمير محمد. بينما فيهم من حرم من المنصب بسبب ضعف الفرع الذي ينحدرون مثل اﻷمراء طﻻل و بندر اذ ان امهاتهم اجنبيات. وايضا اﻷمير مقرن و أمه من عسير و الذي سعي الملك عبد الله لضمان وﻻيته للعهد واستحدث في سبيل ذلك منصب " ولي ولي العهد". لكن بمجرد اعتﻻء الملك سلمان لعرش المملكة اطاح بهذا الترتيب و قرر نقل وﻻية العهد لجيل اﻷحفاد. الي اين يقود سلمان المملكة والعالم السني؟؟ سلمان آخر اﻷبناء الملوك و المنتسب ﻹحدى اكثر العوائل نفوذا سياسيا في المملكة "خؤولة الملك المؤسس"، يقود المملكة الي سكك وعرة و دروب مهلكة؛ فهو اشعل حربا في الجزء الجنوبي من شبه جزيرة العرب، و يؤجج النيران المستعرة في سوريا، و العراق ايضا، و يصعد التوتر مع ايران، و يدخل المملكة في رباط مقدس مع قطر و تركيا اللتان تمثلان اجنحة دعم اﻻسلام الحركي.. فعل كل هذا بعد ان أقصي كبار "أصحاب السمو الملكي اللقب الذي يختص به اوﻻد عبد العزيز فقط،بينما يطلق علي بني عمومتهم من ال سعود لقب اصحاب السمو".و اعتمد علي ابنه و ابن اخاه الشقيق " ابن نايف" عديمي الخبرة، كما انها خطوة قد تمثل بداية النهاية لحكم "الحزب" السعودي، و تأسيس علني لحكم "السيديرية" أو ربما "السليمانية". سيفتقد العالم اﻹسلامي "السني تحديدا" للملكة التي طالما لعبت دور الشقيق اﻷكبر الذي يبرع في تسوية الشجارات و الخلافات و يزيل الجفوة و يعقد المصالحات، اضافة اقالته للعثرات المالية بدعمه السخي، فاﻷن العالم "السني" موعود بمملكة أخري، مملكة تعيد لحمة الصلة مع اﻷخوان المسلمين و تزيد دعمها للتيارات السلفية المتشددة "كان دعم الأخوان المسلمين وتحويلها لحركة سلفية بعد ان كانت مجرد حركة نهضة دينية، قد ابتدره فيصل الملك/سليل آل الشيخ/ نكاية في الزعيم المصري جمال عبدالناصر بسبب تدخله في اليمن وسعيه ﻹنهاء الملكية في المنطقة"؛ هذه المرة بغرض عرقلة التغيير و ايقاف الثورات الشعبية و وضع العصي في دواليب الاصلاح الديمقراطي. ذلك اﻻصلاح الذي كان مجرد مصطلح تلوكه اﻷفواه اﻷمريكية في اجتماعاتها مع حلفائها ممن يتسمون بـ"منظمات المجتمع المدني" وما هي اﻻ بيوتات مقاولة، و في بعض الحاﻻت "عندما يعتكر مزاج اﻹدارة اﻷمريكية" يصل الي سفاراتها و غرف اجتماعات مبعوثيها مع زعماء المنطقة، لكن لحسن الحظ هي مملكة لديها ايضا متاعب غير مسبوقة اهمها عودة ايران الي الساحة اﻷقليمية والدولية اقوي مما سبق في عهد الشاه و ذلك من بوابة اﻹتفاق النووي.. و اسعار نفط في ادني مستوياتها لما يقارب العقدين، علاوة علي تنامي الحاركات اﻹرهابية اﻷصولية.. الغريب في اﻷمر ان ايران في السابق "ما قبل 1979م" لم تكن هاجسا للسعودية؛ بل و حتي عهد قريب "عهد الملك الراحل عبد الله" - والذي قد يتحسر عليه العالم اﻹسلامي بأسره ان استمر سلمان في سيرته هذه- كانت العلاقات اﻹيرانية السعودية بحال حسن حتي ان مراسم تشييع عبدالله والتي شهدت حضورا دوليا ﻻفتا؛ قد مثلت فيها ايران بوفد رفيع قاده وزير خارجيتها محمد جواد. ان انفعال دول الخليج بثورات الربيع و تورطها وانشغالها بها كان مبالغ فيه و يعكس خوف مرضي اكثر من كونه خوف له مبررات امنية او سياسية او حتي ثقافية.. فكان التدخل في اليمن لصالح الرئيس علي عبدالله صالح ثم لصالح نائبه منصور هادي، والتدخل بقوة في البحرين لصالح اﻷسرة الحاكمة فيه ثم محاولة التأثير علي مجريات اﻷمور في مصر وليبيا و توجيه اﻷحداث في سوريا... وأخيرا إجراءاتها المستعجلة حيال لبنان! كل هذه التدخﻻت افقدت المملكة توازنها ففقدت حكمتها واصبحت كل خطواتها تشي عن نفاذ صبر و نفاد بصيرة. ان الربيع العربي ظاهرة سياسي ستأخذ وقتها و تنتهي بانتهاء ضروراتها؛ فيما ستبقي آثار السياسة السعودية والخليجية المتخبطة ﻷمد طويل، بل و ربما تقود ﻹنهاء عهد حكم اﻷسر. ................................. 28 فبراير 2016م