التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الإرهاب كمهدد و مكافحته كمحدد لنظريات الأمن القومي

" إن مكافحة الإرهاب ليست عملاً عسكرياً ولا أمنياً صرفاً، إنها بالأساس عملا قانونيا وسياسياً..و ثقافياً." إن ازدياد خطر المنظمات الإرهابية في الآونة الأخيرة وخطر الهجمات التي تنفذها علي أمن الدول والأمن الدولي برمته يقتضي تغيير النهج المتبع في التعاطي معها، فالإرهاب لم يعد مهدد آني أو محدود؛ وإنما مهدد وجودي لمعظم الدول. إذ أدي نشاط جماعات إرهابية لإنهيار دول عدة، وقاد لبروز مصطلح "الدول الفاشلة" كما حدث في الصومال وافغانستان، ويحدث الأن في العراق وسوريا وليبيا واليمن ومالي. فيما تعاني دول أخري مصاعب جمة من جراءه كنيجيريا وتشاد وتونس ومصر... ومالم يحدث تغيير و تتم معالجة فعالة فستلحق عديد الدول بركب الدول الفاشلة والمنهارة تحت وطأة يد الجماعات الإرهابية . أولـي الخطوات لتغيير نهج مكافحة الإرهاب المتبع (الذي يعول بالأساس علي عمليات المكافحة العسكرية والبوليسية والمخابراتية) هي إعادة صياغة مفهوم و نظريات الأمن القومي لتنبني عليها سياسات و قوانين التصدي للإرهاب ومكافحة تنظيماته، سياسات تكون أنجع وأكثر فاعلية. وفي هذا السياق تأتي هذه الدراسة التي تهدف لنهج واستراتيجية جديدة لمكافحة المنظمات الإرهابية الإرهــــــاب : ليس هناك تعريف مجمع عليه ومشترك بين الدول لظاهرة الإرهاب، بل ليس ثمة شئ أختلف حوله مثل الإختلاف الحاصل حول تعريف الإرهاب، لكن معظم التعريفات حالياً والمتبناة في قوانين وطنية واتفاقات اقليمية تتفق علي الاقل في انها تعرف الإرهاب إنطلاقا من ثلاث عناصر هــي :-

 (أ‌) الفعل المادي : ويقصد به استخدام الأسلحة والمتفجرات لتخريب منشأت عامة مدنية أو عسكرية وقتل أفراد. 
(ب‌) الباعث : ويقصد به تحقيق غاية سياسية او دينية ومذهبية أو ايدولوجية، و إجبار الدولة والمجتمع علي اتباع اجراءات أو سلوك معين.
 (ح) الغرض : ويعني به النتيجة المتمثلة في احداثة حالة الترويع والترهيب والتخويف العامة. و نرجح ان تؤدي ظاهرة تنامي انشطة التنظيمات الارهابية التي تتبع نهجا أشد ضراوة و وحشية (داعش و بوكو حرام) الي خلق ارادة تتجه لتبني صيغة موحدة تعرف الظاهرة الإرهابية، علي كلٍ تتفق معظم التعريفات الواردة في القوانين الوطنية التي شرعت حتي الأن علي أن إستخدام الإسلحة والمتفجرات أو التهديد بإستخدامهما هو الركن المادي لجريمة الإرهاب؛ مع ان الغرض من الإرهاب يمكن ان يتحقق بإستخدام القوة البدنية المجردة، أو مجرد التلويح والمطالبة بتطبيق قوانين دينية أو اجتماعية، أو تأليب الرأي العام وإثارة مشاعر الكراهية الدينية أو العرقية أو السياسية...الخ، فكل تلك الأفعال يمكن أن تحدث النتيجة التي المتوقعة من الفعل المادي للإرهاب إشعار أفراد أو مجتمع بالخوف وعدم الإطمئنان.
 الأمـــــن : الأمن كذلك من المفاهيم التي تختلف حول تعريفها النظريات المتبناة من قبل الاستراتيجيين في مختلف الدول، ذلك بحسب الوجهة التي ينظر منها كل باحث أو مختص، لكن المتفق حوله هو أن الأمن لغةً هو التحرر من الخوف والغزو... (1) ويري البعض ان الأمن مفهوم متغير بتغير المهددات الأمنية وبالتالي يختلف تعريفه من ححقبة لأخري ومن مكان لآخر. لكن في الواقع فان الأمن مفهوم مطلق وقيمة مستقلة، وتحقيقه هو النسبي، فالإستقرار هو غاية أي مجتمع، وزعزة الإستقرار هو هدف اي عدو، لذا فمعني الأمن ثابت لا يتغير انما ما يتغير هو محددات الأمن لكل ظرف زماني ومكاني معينين بتغير و اختلاف مهددات المجتمع المعني. هناك تعريف للأمن بمفهومه الشامل "الواسع" وهو ضمان الإستقلال السياسي للدولة والإستقرار الإجتماعي والإقتصادي للشعب. كما هناك تعريف يركز علي الجانب الخشن للأمن، وهو إعداد القوة العسكرية اللازمة لردع و دحر أي عدوان. كما هناك تعريف "ناعم" يركز علي التحديات المدنية والبيئية والتي تتمثل في جرائم الإغتيالات وغسيل الأموال والجريمة المنظمة و الإرهاب والاتجار بالبشر وتجارة المخدرات والتعدي علي البيئة..الخ. وفيمت يتعلق بالإقليم (الأرض) هناك مفاهيم : الأمـن القومي : وهو مفهوم مرتبط بشكل وثيق بمفهوم الدولة القومية، ويعد الأمن القومي من أعمدة العلاقات الخارجية للدول ويؤثر بشكل كبير علي التنمية والعلاقات الدولية (2)، كما يرتبط بشكل دائم "حسب التعريفات الرائجة" بالقدرة علي الردع العسكري ؛ ويهدف لمجابهة التهديدات الاقتصادية والسياسية لخلق تبعيات "دول تابعة". لذا يمثل عامل التهديد الخارجي العسكري المحدد الأهم في صياغة نظريات الأمن القومي للدول. (3) لكن الواقع يضحد هذا الإتجاه "الرائج" فثمة مجموعة من الدول إنهارت تماما تحت وطأة مهدد داخلي "الإرهاب الأصولي هنا" كالصومال وافغانستان واليمن وليبيا ومالي .. والي حد ما سوريا والعراق. الأمن الإقليمي : ويعني بأمن اقليم " مجموعة من الدول تتشارك رقعة جغرافية واحدة او متقاربة"، كأمن الخليج مثلاً، والبحر الأحمر، والقرن اللأفريقي، والبحر المتوسط..الخ، سيما في حالة وجود مهدد مشترك فتلجأ الدول التي تتشارك الاقليم لنتسيق جهود مجابهة ذاك التحدي أو المهددات عبر منظومة أمنية "دفاعية أو بوليسية"(4). والأمن الإقليمي يتطلب نظام اقليمي (حلف أو اتفاق أو تفاهمات اقليمية). ان وجود مصالح اقتصادية مشتركة تعني بالضرورة أمن مشترك (5) ( فالسوق المشتركة تتطلب نظام تأشيرات موحد و حق إقامة وعمل ونظام تجاري واحد) و هذا يستدعي بالضرورة نظام تسليم مجرمين وتنفيذ احكام و أوامر قضائية ونظام هجرة موحد. فيما يستدعي التحدي الخشن وجود منظومة دفاع مشترك تنسيقي أو أمن جماعي. الأمـن الـدولي : يتحدث ميثاق الأمم المتحدة عن السلم والأمن الدوليين ويفوض مجلس الأمن الدولي في التعامل مع مهددات الأمن والسلم وبالتالي تعريفهما و تحديد مهدداتهما، وليس هناك ضوابط محددة لفعال و لأعمال التي تمثل تهديدا للسلم و الأمن الدوليين، فبينما في السابق كان يعتبر أي نزاع مسلح يدورفي اقليم دولة ما وتمتد آثاره الي اقليم دولة أخري مه للأن الدولي فإن في الوقت الراهن درج المجلس علي نزاعات علي اقليم دولة ما مهددا للسلم والأمن الدوليين حتي إن لم تنتقل آثار خارج حدود الدولة المعنية؛ وبالتالي يخول المجلس لنفسه حق التدخل لتسوية النزاع سواء ذلك التدخل بالوسائل السلمية أو بموجب الفصل السابع من الميثاق "الواسائل غير السلمية". ومؤخرا اعتبر المجلس عمليات ارهابية "كالتي تعرضت لها الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001م" مهدداً للأمن الدولي، و فوضت الولايات المتحدة و الدول المتحالفة معها للتدخل باستخدام القوة العسكرية "غزو أفغانستان". كما إعتبرت بعض القوي العظمي تهديد الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) مهددا للأمن الدولي و أخذت معظم تنشط مستخدمة الوسائل غير السلمية في اقليم العراق و سوريا. التهديدات الأمنية : طالما أن من العسير التوافق علي تعريف واحد للأمن فإن من غير الممكن صياغة تعريف لمهدداته، لكن اذا تم التوافق علي ان كل ما يتحقق به الإستقرار السياسي و الإجتماعي و الإقتصادي و الإستقلال السيادي يدخل ضمن إطار مفهوم الأمن، فإن كل ما يهدد ذلك الإستقرار يمثل تهديداً محتملاً.(6) حاولت بعض الدراسات تعريف المهددات الأمنية بناء علي تقسيمها علي ضوء مصادرها (مصادر التهديد) لكن يعتبر ذلك غير كافياً و لا يصلح أداة للتحليل الأمني حاولت بعض الدراسات التفريق بين التحديات الأمنية و المهددات الأمنية ، وذلك علي اعتبار ان التحدي الأمني هو العقبة أو المعوق الذي ينهض في وجه تحقيق هدف أمني و تعرقل الوصول الي الغايات الإستراتيجية (صيانة امن الدولة أ الإقليم أو الأمن والسلم الدوليين)، فيما التهديدات الأمنية تمثل الهدف أو الغاية للجهة المعادية (العدو أو الإرهابي). وتنقسم المهددات من حيث خطرها الي؛ مهدد فعلي ماثل و متحقق في الحال أو المدي القصير أو علي وشك الحدوث. ومهدد محتمل ، غير متحقق لكن يمكن تحققه في المستقبل، وهناك المهدد الكامن؛ أي غير النشط و غير الفاعل لكن لا يستبعد تحققه ان توافرت ظروف معينة، فهو مهدد ظرفي يتعلق بملابسات معينة محيطة. الإرهـاب كمهدد أمني : يعد الإرهاب أياً كان مصدره أو أسبابه و دوافعه أو أغراضه مهدداً لمعظم دول العالم، و مامن دولة بمنأي عن مهددات الإرهاب سواء كانت مهددات كافية أو محتملة أو فعلية. بل وصل الإرهاب في بعض الدول أو الأقاليم أيضاً الي انه مهدد وجودي لتلك الدول فهو ليس عابر للحدود الوطنية فحسب بل يسعي لرسم خارطة دولية سياسية تخصه و كذلك بناء نظام عالمي جديد مثلما تحاول (داعش) أن تفعل. والإرهاب مهدد للإستقرار السياسي والإقتصادي و الإجتماعي، و في بعض الحالات مهدد للإستقلال و السيادة الوطنية. ويمكن تقديم عدة نماذج للحالة التي أضحي فيها الإرهاب مهدد وجودي، فقد أدي إستشراء و إستقواء الجماعات الإرهابية لإنهيار أنظمة حكم في عدة دول، وقاد لإنهيار كل مؤسسات الحكم فيها (عسكرية، أو مدنية، أو مدنية)، كما قاد التغيير الديموغرافيا (التركيبة السكانية) لتلك الدول عبر عمليات النزوح و اللجوء الكبيرة لكل الفئات السكانية التي لا يمكنها التعايش في ظل سيطرة الجماعات الإرهابية بسبب الإختلاف المذهبي أو الديني. ففي افغانستان (ما بعد محمد نجيب) انهارت الدولة تماماً تحت ضربات الفصائل المقاتلة الأفغانية حتي دالت السيطرة لحكم حركة طالبان، وفي الصومال كذلك أدي نشاط الحركات الإرهابية الي انهيار الدولة وتعذر إعادة تكوين مؤسسات الدولة لما يزيد عن العقدين، كما في ليبيا والتي تسير بخطي ثابتة في هذا الإتجاه، وفي اليمن وسوريا والعراقوالسودان الذي يحكم ايضاً بجماعة متسامحة مع الإرهاب (بعد ان كانت راعية له). وفي مالي التي أنقذها التدخل الدولي، فيما تعاني دول نيجيريا والكاميرون وتشاد و أفريقيا الوسطي والنيجر من نشاط بوكو حرام الإرهابية المنضوية تحت لواء خليفة (داعش). الإرهــاب كمحدد لمفهوم الأمن : تزايد خطر الجماعات الإرهابية وتنامي تهديدها ينبغي ان يكون لها إنعكاس علي خطط واستراتيجيات مكافحته و علي رأس ذلك الإستراتيجية التي تعتمدها أجهزة مكافحة الإرهاب و المنظمات الأمنية والعقيدة الأمنية التي يتبناها النظام الأمني أو الدولة.. و لأن الحركات الإرهابية و تهديدها ليس مجرد عبوات ناسفة أو أحزمة و تفجيرات وقتل وانما ما يقف خلف ذلك من منظومة فكرية أو ايديلوجية قومية او دينية أو مذهبية، فإن التصدي لها ينبغي ان يتم عبر إستيعاب ذلك عند صياغة النظرية الأمنية والمفاهيم الدفاعية، وإستراتيجيات المكافحة، و التي تمثل القوانين الأمنية واجهة تلك الإستراتيجيات و ذروة سنامها. إن الدول العربية و الإسلامية في أمس الحاجة لإعادة صياغة مفاهيمها و نظرياتها الأمنية الوطنية والقومية والإقليمية، بحيث يتم إستيعاب المهددات الإرهابية ومخاطرها الإجتماعية والسياسية والاقتصادية لتكون جهود المكافحة التهديد والمخاطر الأرهابية. كذلك فإن كل الدول الدول الأوربية و امريكيا الشمالية و استراليا بحاجة لتضمين التهديدات الإرهابية ضمن نظريات الأمن الوطني لديها.
 -------------------------------------------
 المراجع والهوامش : 
 1/ روبرت مكنامارا، جوهر الأمن، / ترجمة يونس شاهين، هيئة القاهرة للكتاب.
 2/ سمير صبري، الأمن القومي العربي، بغداد/ 1983م.
 3/ أحمد بيضون و آخرون، العرب والعالم ما بعد 11سبتمبر، دراسات الوحدة.
 4/ محمد سعيد، أمن الخليج، مؤتمر دراسات في الإدراك والسياسة.
 5/ جميل مطر و علي هلال، النظام الإقليمي العربي، دراسات في العلاقات العربية، الوحدة العربية 1995م.
 6/ سمعان بطرس، الرؤية الكويتية لأمن الخليج، ورقة مقدمة لمؤتمر درسات في الإدراك والسياسات.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...