التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مزارع المسؤولين



     إنتشرت بالسودان مؤخرا (موضة) أن يكون لكل مسؤول رفيع كان، أو وضيع مزرعة خاصة يقضي فيها أوقات فراغه، ويلتقي فيها اصدقاؤه، ويمارس هواياته في الزراعة وتربية الماشية والطيور خصوصا وان كل المسؤولين هم في الاصل من ابناء المزارعين والرعاة بحكم ان السودان بلد رعوي وزراعي ..
  الجهاز الحكومي لا يبرر هذا النهج بل يشجعه علي (أمل) ان يقدم المسؤولون القدوة في العودة للزراعة وتربية الحيوانات وتحقيق الاكتفاء..الخ،
 لكن في الحقيقة هذا نوع من انواع ثقافة الطبقة العليا الجديدة التي تعيش حياة الباشاوات والاقطاعيين، وكان الرئيس نفسه في لحظة صفاء قد قال في حوار لأحد مقدمي البرامج بقناة محلية " ان مزرعته تدر عليه دخلا اعلي مما يجنيه من راتب الرئاسة"!! ولذا فهو " يفكر جديا في التخلي عن منصبه والتفرغ لتك المزرعة".
  الشاهد في الامر ان المداخيل العالية التي تحققها مزارع المسؤولين "وتلك حقيقة" ليست حالة عامة يمكن ان تنطبق علي (مزارع المواطنين/غير المسؤولين) ، فالسبب وراء تلك المداخيل يكمن في ان كل تلك المزارع توكل ادارتها لأحد مرؤوسي المسؤول، وعادة ما يقوم مدراء المزارع (والذين هم من منسوبي جهاز الدولة المدني والعسكري الذي تعصف به المحسوبيات واستغلال النفوذ وسائر مظاهر الفساد) بالعمل علي استغلال نفوذ وسلطات رؤسائهم في تسيير اعمال المزرعة ، فيتحصل علي المدخلات بدون مقابل في الغالب، كما انه قد يحصل علي اموال من المال العام ايضا لصالح مزرعة المسؤول، ومن ثم يقوم بتدبيج التقارير والميزانيات الخاصة بعمله، بما يظهر الارباح الخرافية التي يتحدثون عنها في مجالسهم، أو حتي التي يصرحون بها للإعلام كما فعل "الريس"..
 ما يدل علي ذلك ان اغلب المسؤولين الذين احيلوا للمعاش  اكتشفوا زيف تلك الارباح بمجرد ان زال النفوذ وتحول المسؤول الي صف المواطنيين "صف المحكومين" من صف النحبة الحاكمة..
برغم ذلك الا ان من بين المسؤولين وغير المسؤولين من لايزالون يصدقون تلك الارقام الزائفة التي دبجها الموظفون الذين يديرون مزارع السلاطين ؛ في حين ان بالسودان نحو ألف مشروع زراعي كبير تعاني كلها الافلاس والخراب وينعق البوم في قلبها واطرافها .. ومن بين تلك المشاريع "مشروع الجزيرة" الذي تبلغ مساحته مليوني فدان من الاراضي الخصبة والمروية من نهر النيل مباشرة "ري انسيابي" عبر الخزانات، هذا المشروع اخذ في التردي بمجرد ان تسنم البشير صاحب "المزرعة السلطانية" سدة الحكم، واعيت مشاكل المشروع الان   من يداويها  من خبراء الزراعة والاقتصاد والادارة، تلك المشاكل التي لا تبدأ من التقاوي المعدلة وراثيا والبذور الفاسدة أو المبيدات غير المطابقة واختلالات علاقات الانتاج واشكالات التمويل التي عهد بها للبنك الزراعي الذي تحول لبنك اقطاعي تسببت سياساته في سجن عدد مقدر من مزارعي السودان، ولا تنتهي بتراكم الرسوم والجبايات والزكاة والضرائب .. الخ
فان كانت لدي مدراء مشاريع كبار المسؤولين والسللاطين من الخبرة ما أهلهم لتحقيق تلك الارباح وذاك الفائض فلما لا يعهد اليهم بادارة تكل المشاريع الوطنية؟؟!!  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بروفايل "البروف-الشيخ"

   دائما ما كنت اتساءل عن التخصص الذي يحمله السيد ابراهيم احمد عمر وزير التعليم العالي في اول حكومة انقاذية 1989م وعراب ما سمي تجاوزا "ثورة التعليم العالي" والتي بموجبها تم ت...

أوامر المهزوم!

  اوامر الطوارئ الاربع التي اصدرها البشير اليوم 25فبراير و التي تأتي استنادا علي اعلان الجمعة الماضية ( اعلان الطوارئ وحل الحكومة و تكليف ضباط بشغل مناصب حكام الولايات ) لها دلالة اساسية هي ان الحكومة تحاذر السقوط و باتت اخيرا تستشعر تهاوي سلطتها! جاء اعلان الطوارئ و حل الحكومة كتداعي لحركة التظاهرات والاضرابات التي عمت مدن البلاد علي امل ان يؤدي الي هدوء الشارع .. اما و قد مرت اكثر من 72 ساعة علي الاعلان دون اثر فتأتي الاوامر الاربعة (منع التظاهر، و تقييد تجارة السلع الاستراتيجية، و حظر تجارة النقد الاجنبي، و تقييد وسائل النقل والاتصالات) كمحاولة ثانية يائسة لايهام الجموع الشعبية بأن السلطة قابضة بقوة و ان لديها خيارات امنية و قانونية و ادارية متعددة! لا اجد لهذا الاعلان نظير في تاريخ السودان، اذ لا يشبه قرارات الانظمة الوطنية ( ديمقراطية كانت او انقلابية ) .. فالطوارئ قرار يلجأ اليه الحاكم في حالة الحروب او الكوارث الطبيعية او الازمات الوطنية و ليس اداة لمجابهة ازمات سياسية، فازمات السياسة لها طرق حل معروفة منها التنحي او الانتخابات المبكرة او تكوين ائتلافات جديدة وليس من بين...

البشير لم يسقط وحده

  بعد ثورة و تظاهرات استمرت لأربعة اشهر و عمت كل مدن و قري السودان اجبر الرئيس البشير علي التنحي و سقط بحسب مفردات الثورة السودانية و ثوارها..   اليوم حلفاء البشير من الانته...