التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الإرهاب الأصولي الاسلامي: أسبابه و وظائفه وغاياته.. والمجتمعات الحاضنة والانظمة الراعية له

  يعتقد بعض الباحثين بأن التيارات و المذاهب المتشددة المعروفة في فترات مختلفة من التاريخ الاسلامي هي المسؤولة عن الارهاب الاصولي الحالي، في حين ان وجود تلك التيارات (كالمذهب الحنبلي وشروحات و إضافات بعض الأئمة كإبن تيمية و إبن قيم و ابو الاعلي المودودي و محمد بن عبد الوهاب وحسن البنا...) و أراء كل أؤلئك الفقهاء لم تكن سببا رئيسا لنشؤ التيارات المتطرفة لأنها أراء قديمة و معروفة للجميع منذ عهد بعيد فهي ضاربة بجزورها في التراث الاسلامي الذي لم يشهد نشؤ حركات مماثلة للحركات الارهابية المعاصرة اللهم الا فرقة الحشاشين ؛وتلك فرقة أشبه ما تكون بعصابات الجريمة المنظمة منها بالتيارات الدينية التوجه، كل ما في الامر هو انها تمثل الارضية القابلة لإستنبات الجماعات أو العصابات المتطرفة التي تستغل تلك الأراء لتبرير مواقفها و جرائمها و انتهاكاتها ..
  تلك الاراء الفقهية تمثل ظرف ملائم وبيئة جيدة لنمو الحركات الارهابية (انما ليست العامل الرئيسي)، وبالتالي مثلت المجتمعات التي تروج فيها اراء أؤلئك الأئمة بيئة حاضنة ممتازة لإستنبات هذه الجماعات " باكستان، الجزيرة العربية والخليج، الشام، اليمن، مصر" ولذا لكل اقليم أو قطر منها اسهام معلوم ودور محدد في تطور ظاهرة الارهاب الاسلامي الاصولي ، وهذا يمثل دور المجتمعات الحاضنة ، أي الظروف و الأسباب الثانوية المساعدة، اما الاسباب الرئيسية فتتمثل في الأتي :
أ) وجود أنظمة راعية .. أي حكومات سعت واجتهدت لتعطي تلك الاراء والافكار المتطرفة اطارا حركيا وامكانات عملية ، من تلك الانظمة نظام الحكم الحالي في السودان (1989- وحتي اليوم) ولذا ليس مصادفة ان تنظيم القاعدة "قاعدة الجهاد" تبلورت فكرته وتشكل في السودان ، كما ان زعماء المحاكم الشرعية الصومالية وبوكو حرام تواجدوا في السودان لفترات لسبب أو آخر، وهناك العديد من المؤسسات الحاضنة للفكر المتطرف منها مؤسسات تعليمية علي رأسها جامعة افريقيا العالمية!. وقد كانت الحكومة السودانية في فترات سابقة تجاهر بدعهمها ولا تخفي صلاتها بكل التيارات المتطرفة والارهابية .
  بينما هناك أنظمة أخري تسهم عبر اجهزة مخابراتها في هذا المجال (رعاية الارهاب) أبرزها المخابرات الباكستانية التي يعتقد علي نطاق واسع أنها من تقف خلف تنظيم طالبان و حكومته، والمخابرات الامريكية المتهمة بالوقوف خلف (داعش) والمصرية التي تعمل دوما علي استغلال حركة الاخوان والتيارات السلفية والاسلامية والجهادية المتفرعة عنها، كما تنشط مخابرات بعض الدول الخليجية ولها اسهام لا تخطئه العين في العديد من الحالات ( الاخوان، جبهة النصرة، طالبان،.. الخ).
بـ) السبب الأهم لتنامي المد الارهابي الاصولي هو إصطدام بعض من تربو في الاقطار التي تتبني افكار متشددة " تلك الافكار التي تعتمد قاعدة ان الاسلام هو النظام الديني والاجتماعي الارقي والأسمي والاكثر رفعة لأنه من تصميم وابداع الخالق..أي نظام رباني" إصطدامهم بأنظمة بعض الدول المتقدمة، وهو اصطدام علي مستوي الافكار لا غير، لأن الاصطدام المادي حدث في الحقب الاستعمارية ولم يقد لنشؤ حركات اصولية وارهابية، من هؤلاء الذين اصطدموا بالحضارة والمندنية الغربية (سيد قطب) و (حسن الترابي) وغيرهم عديد من قيادات الحركات الاسلامية تلقوا دراسات في الغرب أو زاروه لسبب ما، كما ان معظم منتسبي داعش الأن هم من حملة بطاقات الدول الغربية كـ(هوية ثانية).
  هؤلاء يذهبون للدول الغربية بعد ان يكونوا إمتلآوا في مجتمعاتهم بـ(وهم) أنهم يملكون الحقيقة المطلقة والموقف الأسمي والحضارة الأرقي والحياة الأنصع..، فإذا بهم يفاجأوا هناك بالحقيقة العارية وهي ان العالم ملئ بالمواقف المتباينة والمرتكزة علي تيارات مادية ومذاهب فلسفية و روحية حتي، و علي درجة من السمو ، علاوة علي ان تلك المجتمعات حققت قوة مادية وحضارية لا يستهان بها ومنجزات يصعب فهمها او تصورها، فلا يلبث أؤلئك أمام هذه الحقائق الصادمة التي تختبر قناعاتهم "الايمانية" الا يصابوا جراء ذلك بتصلب في التفكير وفي الرؤي " وحالة التصلب هذه لا تصيب الجميع انما فقط الذين تعوزهم القدرة علي التفكير العلمي والمرن"، فكل من ينطلق من عقلية تسليمية محضة يكون أمام خيارين وموقفين، أما التصلب و بالتالي ردة الفعل العنيفة أو الاستسلام فيكون مجرد مسخثقافي ونسخة باهتة من الانسان الغربي، فئة قليلة تضع كل ما يحدث لها في الغرب في سياقه الصحيح وتسعي لإيجاد طريق خاص بين التصلب والاستسلام.
ج) ثم هناك سبب ثالث مهم ايضا؛ هو ان العالم يحتفي بالمتطرفين أكثر من إحتفاءه بالاشخاص المعتدلين أو العقلانيين، الذين يسعون لشق طريق نهوض خاص بدولهم ومجتمعاتهم،او الاشخاص العاديين، العالم والاعلام خصوصا يبحث عن حروبه وعن أعداء لمجتمعاتهم وعن (صدام الحضارات) لذلك تجده يبرز المتطرفين والارهابين ولذا يكون للتطرف بريقه وجاذبيته واغراءه. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفكيك خطاب الحرب و (فلسفة البلابسة)

   الخطاب و الموقف السياسي المساند للحرب و الحسم العسكري و رفض التفاوض و رفض أي حديث عن تسوية سياسية سلمية يعتمد علي استقطاب و تحشيد العوام ممن لا خبرة و لا معرفة لهم بطبيعة الحرب ولا السياسة!    تحشيد العوام هذا خلق تيار جارف اخذ في طريقه حتي بعض "الانتلجنسيا" ممن لا قدرة لهم علي مواجهة العوام او ممن يظنون ان كل هذا الحشد لا يمكن الا ان يكون علي حق، فيحتفظ برأيه لنفسه او حتي يتخلي عنه و ينخرط مع التيار ..!!   في المقام الاول ان لخطاب العنف و التحريض و "الانتقام" جاذبيته؛ و ان للقوة و استعراضها سطوة، مثلما ان لصورة الضحية فعلها؛ اما اذا دمج خطاب الضحايا مع خطاب القدرة علي الانتقام فاننا نحصل علي سيناريو تقليدي للافلام "البوليودية" و كثيرون هنا تفتق وعيهم و انفتح ادراكهم علي افلام الهند! فما يحدث و ما يدعو اليه خطاب الحرب بالنسبة لهؤلاء مفهوم و مستوعب و في مدي تصورهم لذا يرونه ليس واقعياً فحسب بل و بطولي و مغري يستحق ان ينخرطوا فيه بكلياتهم. سؤال الطلقة الأولي: قبل ان يعرف الناس الحقيقة بشأن ما قاد الي هذه الحرب التي انتشرت في مدن السودان و ولاياته ان...

لماذا يفضل الملكيون العرب التعامل مع جمهوريي اميركا؟؟

  لا يخفي الملوك و الامراء العرب "و اعوانهم" ميلهم و تفضيلهم التعامل مع ادارات جمهورية في اميركا و لا يخفون تبرمهم من تنصيب رئيس من الحزب الديمقراطي.. و يبررون ذلك الميل و التفضيل بمبررات مختلفة مثل تعامل الجمهوريين الحاسم مع ايران !! في الواقع فإن اكثر رؤساء اميركان الذين شكلوا اكبر تهديد للعرب و المسلمين هم من الجمهوريين (بوش الأب و الإبن و ترامب - غزو العراق و افغانستان و دعم اسرائيل)! لكن الجمهوريين كما عرب النفط يفهمون لغة المال جيداً و الادارة الجمهورية تضم علي الدوام اشخاص من قطاع الطاقة و النفط او صناعة السلاح او الادوية او حتي صناعة الترفيه "هوليود" يفضلون لغة النقود و المصالح. اذاً اكبر تهديد واجهه العرب و المسلمون من ادارات اميركية كان في فترات حكم جمهوري.. و بعد الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م اعلن بوش الابن سياسة صارمة في مواجهة انظمة اسلامية و عربية (افغانستان و العراق و السودان) كما مارس ضغوط غير مسبوقة علي السعودية اسفر عنها اجراءات حازمة ضد الجماعات المتشددة من الأخيرة، و تغيير في مناهج التعليم المدرسي و الجامعي فيها! الجمهوري ترامب اقدم علي خطوات غير مس...

شرح قانون الوجوه الغريبة !!

  المقصود بقانون الوجوه الغريبة هو اوامر الطوارئ التي صدرت في بعض الولايات بعد اندلاع حرب ١٥ ابريل/الكرامة و خصوصاً بولايتي الجزيرة و نهر النيل.. و هي اما اوامر صدرت من الوالي شفاهة و علي رؤوس الاشهاد او مكتوبة و مفادها ملاحقة ما يعرف ب "المندسين" و الطابور الخامس و من يشتبه في انتماءهم او تخابرهم مع مليشيا الدعم السريع، حيث راج ان المليشيا تدفع بعناصر من استخباراتها و قناصيها الي المناطق التي تنوي احتلالها لتقوم تلك العناصر بالعمل من الداخل بما يسهل مهمة الاحتلال .. و تستهدف الملاحقات الباعة الجائلين و اصحاب المهن الهامشية، و أي شخص تشك فيه السلطات او المواطنين؛ و في اجواء من الارتياب بالغرباء غذتها دعاية الحرب تم الطلب من المواطنين التعاون بالتبليغ و حتي بالقبض و المطاردة علي من يرتابون فيه. قانون او تعاليمات (الوجوه الغريبة) اسفرت عن ممارسات متحيزة "ضد غرباء" تحديداً ينحدرون من اقاليم كردفان و دارفور في ولايات عدة (الجزيرة، و نهر النيل، و كسلا، و الشمالية)؛ فالوجوه الغريبة هي اوامر تأخذ الناس بالسحنة و الملامح؛ و هي ممارسات بالتالي اسوأ مما كانت تمارسه "مح...