كأغلب
المجتمعات " أو كلها " كانت خطوط الإنقسام الثقافي كامنة في بني المجتمع
السوداني... فهي لم تكن علي السطح "السياسي أو الخطاب الرسمي للدولة" لكنها
كانت تنتظر من ينفخ فيها او ينفض عنها الغبار، و ها قد قيضت الظروف لها العديد من
الافواه و الأيدي لتفعل ذلك؛ ففي الجانب الحكومي كانت بؤر الانقسام الإثني داخل
صفوف الحزب الحاكم والحركة الاسلامية كامنة و بمجرد حدوث المفاصلة الشهيرة بين
جماعة البشير-القصر من جانب و الترابي-المنشية من الآخر في 12/12/1999م كان
الاصطفاف الاثني هو اقرب الخيارات والحلول لتبرير الصراع علي السلطة الذي حدث،
فكان الكتاب الأسود ، فقد تصادف ان السمة الغالبة للذين انجازوا لمعسكر القصر هو
انحدارهم من جهات الشمال و الوسط بينما كان اغلب من اصطفوا خلف الشيخ الترابي هو
انحدارهم من جهات غرب السودان! لذا اعتبر الطرفان ان هذا الاصطفاف ليس مصادفة
وانما هو اصطفاف ثقافي ، مع كون الفريقين ينتسبان لذات المدرسة الفكرية والسياسية
والفقهية !؟
كان
المبرر الجهوي و الاثني هو الخيار السهل للجانبين لتبرير الصراع علي النفوذ والجاه
والسلطة و لحشد الاتباع وتجييش الجيوش .
و لم
يشفع للحركة الاسلامية ما ورد في الاثر والتراث الاسلامي الذي يعتبر التعصب الاثني
و القومي والجهوي ضرب من "الجاهلية" المنهي عنها، وان احد اهم قواعد
الانتماء والولاء في المجتمع المسلم و انتماء الفرد للدولة "هذا ان كان
للإسلام دولة" هي ألا فرق لعربي علي عجمي ولا لأبيض علي اسود الا بالتقوي..،
فانقسمت بيض وسود/ عرب واعاجم ولا تقوي لأي فريق وانما صراع واضح علي متاع الدنيا
متدثر بدثار جاهلي!
وفي جانب
المعارضة كانت نظريات ومصطلحات مركز-هامش،اسلاموعروبة، شمال نيلي.. الخ ، كلها تصب
في خنة تصوير الصراع و الاختلاف علي انه صراع ثقافي صرف "منهج التحليل
الثقافي"!!
عليه فقد
اتفق الجانبين الحكومي والمعارض علي توصيف الصراع السياسي علي إختلاف مستوياته علي
انه صراع ثقافي إثني و هما منذ سنوات بل عقود يبذلان جهودا كبيرة من أجل صب مزيد
من زيت الاثنية ولعرقية والخلاف الثقافي علي نر الصراع، فكان ان انفصل الجنوب علي
اساس إثني بحت فيم يتم التمهيد لجهات واقاليم أخري من بينا دارفور التي انقسم
ابناءها و"ثوارها" الي زرقة وحمرة و زنج وعرب ..
ورغم ان الاصطفاف الإثني هو تكتيك وخيار سهل
يمكن يحقق اسرع حشد دون تكاليف أو جهد نظري أو فكري .. الا ان غالب القواعد وعامة
السودانيين لحسن الحظ لم تقتنع او تستجيب بعد لهذا الاصطفاف لذي تروج له السلطة ومعارضتها،
فلايزال يجد رفضا ومقاومة لا يستهان بها مع كون ان هذه المقاومة لاتجد اي سند من
النخب ما يؤكد انها نخب انتهازية او علي الاقل هي تنتحل صفة لا تستحقها.
ان من
المتوقع؛ وقبل ان تصل حالة الاصطفاف الإثني و الثقافي للحد الذي تصبح فيه حالة
عامة مقبولة و تنتقل لمرحلة التنفيذ، أي ان يصبح القتل علي الهوية أمرا سائدا في
أي مكان و في كل المدن، وتكون هوية الفرد مبرر مشروع وقانوني يحدد اهليته للبقاء
والحياة ومن عدمها.. من المتوقع قبل ذلك ان يتمكن الشعب من الثورة والانقلاب علي
نخبه "أو من ينتحلون هذه الصفة"، ومن ثم تخرج الهوية من دائرة الصراع
السياسي و يسقط قناع الاصطفاف الثقافي و الإثني، وتكون كل الفرق المتصارعة مطالبة
بأن تدافع عن مصالحها الحقيقية والمعلنة العارية من أي قناع او دثار زائف.
تعليقات
إرسال تعليق